spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

هاني الترك OAM- نعم كان قبلها وإعتذرت له

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دخلت المواطنة أولغا...

ريما الكلزلي- قراءة في فكر الباحث ماجد الغرباوي

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة ريما الكلزلي تجلّيات التنوّع...

أ.د.عماد شبلاق ـ الشعب يريد تعديل النظام!

مجلة عرب أستراليا- بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق-رئيس الجمعية الأمريكية...

كارين عبد النور- الحسم لـ”الدونكيشوتية” والفرز السياسي في “مهندسي بيروت”

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «ما رأيناه...

نعيم شقير- كل من عرفه كان يناديه بالأستاذ..

مجلة عرب أستراليا سيدني

كل من عرفه كان يناديه بالأستاذ..

بقلم الكاتب نعيم شقير

هو أستاذ من الرعيل الأول في دار المعلمين العليا، التي كان يتخرج منها الأستاذ ليدّرس الصفوف الثانوية في المدارس الرسمية..

كان يليق باللقب، وكان اللقب يليق له ..

كان الأستاذ في ذلك الزمن ممن يقال له عن حق ” قم للمعلم “، وكان وجيه عائلته، وفي الصفوف الأولى في قريته، وكانت له الكلمة الفصل، وكان رأيه يُسمع ويُطاع في المناسبات الاجتماعية والانتخابية ..

كان أستاذاً في فن العيش كما في التدريس..

أنيق الملبس، هادئ المحيا، لطيف المعشر، قريب من القلب، ابتسامته جواز سفره إلى قلوب كل من عرفه ..

تنقل في جغرافية لبنان أيام عزه، فمارس التعليم في محافظاته الخمس، وأقام صداقات ومعارف في كافة المناطق، وكانت بيت مري البلدة الأحب إلى قلبه، كان يكتب فيها الشعر، وينظمه عن هدوئها وسكينتها، وجمالها، وبيوتها القرميدية، وطرقاتها المرسومة بأناقة، وكان يحلو له زيارتها خارج دوام المدرسة ..

كان من عمر طلابه، وكان صديقا لجميع تلاميذه، الذين وصلوا إلى أعلى المراتب في الوظائف الرسمية وفي عالم الشهرة والأعمال.

وظل هو على قناعاته، الأستاذ الهادئ، صديق الصغير والكبير، فاتن الوجهاء في قريته، ورفيق المناصب من جيرانه ..

كان يعشق التاريخ والجغرافيا ..

لان حضارات البلاد تبدأ من تاريخها، ولان مستقبل الدول يعرف من جغرافيتها، ولان حاضر الأمم مستمد من كتب تاريخها ..

تعمق في دراساته، وأبحاثه، كان يحلو له الكتاب، وكان يلتهم صفحاته في ليلة واحدة ..

مكتبته أنجبت أجيال كثيرة من الكتب ..

كان يعتبر الكتاب أغلى هدية يتلقاها، وكان يأبى أن يقدمه هدية ..

اكتنز من الكتب صفحات كثيرة وأسماء بلغات عديدة ..

عاش عز بيروت وزمنها الذهبي بجميع تفاصيله..

كان يقطن على بعد أمتار قليلة من ساحة الشهداء والسراي الكبير ومن صالات السينما التي لا تنام، ومن شارع المصارف الذي كان قبلة الرساميل، وكان على تماس مع أرقى دور الأزياء ابتداء من باريس لندن مرورا بجوزيف عيد وليس انتهاء بغي لاروش وتيد لابيدوس ..

كان شارع الحمراء على بعد كسدورة مسائية تبدأ من باب إدريس من مقهى الاتوماتيك مرورا ببركة العنتبلي وصولا إلى سوق الطويلة وليس انتهاء بستاركو، حتى إطلالة شارع الحمراء الذي سكن ذاكرة الشرق والغرب وكان قبلة أنظار السياح العرب والأجانب ..

شرب من عز بيروت حتى الثمالة ، كانت الأيام تبشر بخير كثير قادم ..

كان الدولار الأميركي بليرتين وربع ليرة وكان راتبه يكفي للإقامة في فندق من خمس نجوم ..

كانت علبة المارلبورو بليرة وربع وكانت تذكرة الدخول إلى السينما ستون قرشا، وكان أطيب سندويش عند مروش لا يتعدى ربع ليرة ..

كان الأستاذ الثانوي في تلك المرحلة يشتري كل نهاية شهر بذلة، يفصلها عند الخياط، ويشتري لوازمها من القميص إلى الحذاء وربطة العنق والحزام بأقل من مئة ليرة ..

وعندما استكثر العالم على لبنان أن يكون سويسرا الشرق ، واشتعلت النار بين أحياء المدن، وتقاتلت القرى بسكانها، وصارت بيت مري بعيدة جدا عن عاشقها، وتغيرت الجغرافيا التي كان يظن أستاذها أنها ثابتة وراسخة، وانحشر كل شخص في طائفته ولاحقا في مذهبه، وانهار لبنان باقتصاده وصيته وهبط بمستواه إلى القعر، وفاضت الأرض بالدماء، وتقسمت بيروت إلى شرقية وغربية ومعابر وخطوط تماس، آثر الأستاذ الخلود إلى الراحة والاستراحة ريثما تعود الأحوال إلى سابقاتها، لكن 1975 كانت مختلفة عن 1858 ، وطالت أكثر من شهور قليلة، وامتدت إلى سنوات طويلة انهارت خلالها المفاهيم والقيم، وسقطت مهن التعليم، وبرزت إلى السطح مشاريع جديدة لا تحتاج إلى علم واختصاص بل إلى مال فقط ، فالمال يعود بالمال كيفما رميته ..

فقد الأستاذ قيمة وظيفته، سقط في عيون طلابه قبل ان يسقط في عيون مسؤوليه..

صارت المدارس الخاصة تتحكم برقاب الأساتذة تحت طائلة الاستغناء عن خدماتهم، ودفعتهم إلى التنازل عن حقوقهم حتى حرموا منها وصاروا يتظاهرون جهارًا للمطالبة بها ..

المسؤولون صمّوا آذانهم، والقيمون غضّوا الطرف عن حقوق المعلم ، وسقطت هيبة الأستاذ بعد حرب طويلة أتت على القيم والمفاهيم قبل أن تقضي على البشر والحجر..

انسحب الأستاذ إلى الوراء، لم تعد قراءة الكتب تغريه ..

قال أنه شرب من كتب التاريخ والجغرافيا فازداد عطشا ..

آثر الانسحاب إلى وظيفة تناسب الوقت.

افتتح متجرا للانتيكا، يشبه التاريخ الذي كان يعلمه ..

الجغرافيا كانت اجمل بكثير من الروبابيكيا ..

والعلم كان ينافس الحلم عنده ..

وهكذا انطفأ في عزلة حين سرق الموت شريكة عمره ..

وشيئا فشيئًا غرق في حزنه ..

كنت ألتقيه على شاطئ البحر، يمشي في شوارع بيروت التي عشقها، يبحث عن الماضي الجميل وعن الزمن الذهبي، لكن بيروت خذلته كما خذلت عشاقها الكثر، وغابت عن العين والقلب، وغاب الأستاذ عنها وعن محبيه..

رحمك الله يا أستاذ إسماعيل ..

ليس غريبا أن يأتي رحيلك يوم عيد المعلم ..

تغادر هذه الدنيا الفانية إلى جنان الخلد حيث تحتفل بعيدك ..

مع السلامة يا أستاذ ..

يا عاشق بيروت وتاريخها ..

يا خير من علمّ جغرافيتها ..

ويا خير من خبر قصصها وحكاياتها ..

رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=28219

ذات صلة

spot_img