spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

د.زياد علوش -“قطر” ترفض استغلال وساطتها

مجلة عرب أستراليا- بقلم د.زياد علوش أكد  الشيخ محمد بن...

مارك رعيدي: “الفن والصلاة ليسا سياسة ولا للتحريض”

مجلة عرب أستراليا- مارك رعيدي: "الفن والصلاة ليسا سياسة...

هاني الترك OAM- نعم كان قبلها وإعتذرت له

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دخلت المواطنة أولغا...

ريما الكلزلي- قراءة في فكر الباحث ماجد الغرباوي

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة ريما الكلزلي تجلّيات التنوّع...

روني عبد النور ـ عن نموّ نظريّات المؤامرة وتناسلها

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتب روني عبد النور

قبل سنوات، سألت صحيفة “الغارديان” البريطانية روب براذرتون – صاحب كتاب “عقول متشكّكة: لماذا نصدّق نظريات المؤامرة؟” – عن سبب جاذبية النظريات تلك. فأجاب: “ليس ثمة فرق كبير بين أصحاب نظرية المؤامرة والآخرين. نحن ننجذب إلى فكرة المؤامرة لأنها تتردّد في أذهاننا، معتبرين أن الناس أوّل ما يهتمّون بمصالحهم الشخصية، وأن دوافع خفيّة تجمعهم للقيام بأمور مشبوهة. تستفيد النظريات من هذه الافتراضات… لذا تبدو منطقية بالنسبة إلينا”.

منطقية أم لا، تكثر النظريات وتتنوّع. من كون الأرض مسطّحة إلى خدعة أوّل هبوط على سطح القمر؛ ومن التشكيك بهوية قاتِل الرئيس جون كينيدي إلى التشكيك بهوية منفّذّي هجمات 11 أيلول/سبتمبر. جائحة “كوفيد-19” جاءت لتزيد ذاك الميدان تأجيجاً. مع ملاحظتين مبدئيّتين: أوّل المتأثّرين بالنظريات هم من لا يشعرون بِقدْر من التحكّم بمصيرهم؛ ومحاولات ضحدها تجعلهم أكثر تمسّكاً بها.

مؤخّراً، صاغت منظمة الصحة العالمية مصطلح “المرض إكس”، في إشارة إلى جائحة مستقبلية افتراضية. وهو مصطلح اقتنصه طيف من أنصار نظرية المؤامرة ذرّاً للمعلومات وتضخيماً لها – تضخيمٌ يغذّيه شبه انعدام الإشراف على محتوى الفضاء الافتراضي الرحب. فهل يعني ذلك أن العفوية والارتجال هما كلّ ما يحرّك ما يدور من حولنا؟ طبعاً لا. وهنا تدخل محاذير التعميم المطلق – نفياً أو تأكيداً لأي نظرية – في صلب المعادلة.

تختلف دوافع أصحاب نظرية المؤامرة باختلاف السياقات: من الإيديولوجية إلى النفعية وما بينهما. ناهيك بمن يستمتعون بمجرّد نشر الفوضى وترسيخها. في هذا المضمار، توصّلت دراسة العام الماضي، نُشرت في مجلة Research and Politics، إلى أن الرغبة في تعطيل نظام سياسي قائم ما تحفّز بقوة على بثّ نظريات المؤامرة، بغضّ النظر عن مدى إيمان معتنقيها بها.

يلجأ الباحثون في هذا السياق إلى مصطلح “الحاجة إلى الفوضى” في معرض توصيف تعطّش البعض للتخريب. وامتداداً لأبحاث سابقة، قام فريق من جامعة كارلتون الأميركية باستطلاع آراء 3336 شخصاً في الولايات المتحدة، مقسَّمين بالتساوي على ضفّتَي الطيف السياسي هناك. وطُرحت على المستطلَعين أسئلة لمعرفة أسباب مَيلهم لمشاركة نظريات المؤامرة: تصديقاً لها؛ دقّاً لناقوس الخطر؛ أو سعياً لنشر الفوضى.

تماشياً مع أبحاث سابقة، وجد الفريق أن تصديق وجود مؤامرة ما هو العامل الأبرز لتحديد ما إذا كان المرء مستعدّاً لنشر النظرية. وغالباً ما ينشأ ذلك الاعتقاد عن مخاوف مشروعة لدى الناس لم تتمّ معالجتها. فقد تبيّن، مثلاً، أن الباحثين بين هؤلاء عن الفوضى كانوا أكثر مَيلاً للاعتقاد بضرورة هدم المؤسسات الاجتماعية وإعادة بنائها لعدم إمكانية إصلاحها من الداخل.

وفي تقاطُع مع نتائج سابقة مماثلة، قد يفسّر ذلك سبب ارتفاع منسوب التفكير بالمؤامرات في أوقات الشدّة. إذ إن “خداع” شخص ما قد يمنح “الخادِع” إحساساً مؤقتاً بالسيطرة غير المتاحة في نواحٍ أخرى من حياته. وتأتي دراسة أخرى، أوردتها مجلة Psychological Bulletin العام الماضي أيضاً، لتشدّد على أن أصحاب نظريات المؤامرة ليسوا بالضرورة مصابين باضطرابات عقلية – عكس الصورة النمطية الشائعة – لكنهم غالباً ما يلجأون إليها تصدّياً لاحتياجات غير ملبّاة وتبريراً لشعور بالضيق.

من خلال تحليل بيانات 170 دراسة شملت أكثر من 158000 مشارك (معظمهم أميركيّين، بريطانيّين وبولنديّين)، حدّدت الدراسة حاجة هؤلاء للشعور بالأمان في بيئاتهم والتفوّق على الآخرين كمحرّكات رئيسة. وظهر أن للسمات الشخصية كجنون العظمة، انعدام الأمن، الاندفاع، والأنانية، دوراً أيضاً. غير أنه لم يظهر ارتباط متين بين السمات الشخصية الخمس الكبرى (الانفتاح، الضمير، الانبساط، القبول والعصابية) وبين التفكير التآمري، بحسب الدراسة.

وهكذا – شبْكاً مع تبديد أبحاث حديثة تدريجياً لاعتقاد سابق بكون التفكير التآمري مرتبطاً بالذكاء – قد يكون أسلوب تفكير الناس أكبر وقعاً في هذا الإطار. إذ تلفت نظرية المعالجة المزدوجة للأسلوب المعرفي إلى وجود أسلوبين يمكن استخدامهما لمعالجة المعلومات. أحدهما سريع وبديهي وغالباً ما يعتمد على التجارب والمشاعر؛ والآخر أبطأ وأكثر تحليليّةً ويرتكز إلى المعالجة المفصّلة للمعلومات.

دراسة هولندية، استخدمت اختبار الانعكاس المعرفي الذي يبيّن طريقة اتّخاذنا للقرارات، وكيفية تفكيرنا بشكل منطقي ومدى ذكائنا، استنتجت سنة 2022 ما يلي: أكثر الناس مقاومةً لنظريات المؤامرة المرتبطة بـ”كوفيد-19″ هم الذين يفضّلون أسلوب التفكير التحليلي المكثّف وليس بالضرورة الأكثر ذكاءً.

من ناحيتها، ثمة ثقل للتحيّزات المعرفية التي تنشأ عن الاعتماد على الاختصارات العقلية عند معالجة المعلومات هنا أيضاً. إذ يبدو أحياناً أن الاعتقاد بوجود مؤامرة ما مردّه لاعتقاد خاطئ بأن الأحداث الكبرى لا بدّ أن تلي أسباباً مهمّة ويستتبعها عواقب جمّة. لكن، والحال كذلك، هل أن الاعتقاد بوجود مؤامرة ما ثابت ومطلق؟

أجرت جامعة “لا تروب” الأسترالية استطلاعاً، نُشرت نتائجه في مجلة Scientific Reports الشهر الماضي، لحوالى 500 أسترالي ونيوزيلندي لتحديد مقدار تشبُّث الأفراد بآرائهم أو تغييرها بمعزل عن الأدلة المتوافرة. فوجدت أنه، بإزاء أي نظرية مؤامرة، كان ثمة نسبة محدودة ممّن اعترضوا على النظرية في مستهلّ الدراسة ليوافقوا عليها في النهاية، مقابل نسبة محدودة ممّن أيّدوها بدايةً ليبدّلوا رأيهم في ما بعد.

وفق الفريق، يتطلّب الأمر حدثاً جللاً أو تغييراً في ظروف الفرد لدفعه إلى تبديل اعتقاده. لكن، كبرت الأحداث أم صغرت، الثابت أن المؤامرات ونظرياتها دينامية معقّدة عمرها من عمر الإنسان. ويبقى ثمة جوانب عدّة بحاجة للاستكشاف على صعيد عِلم النفس الكامن خلفها. أما التربة الخصبة التي توفّرها سياقاتنا العالمية شديدة الغموض والاضطراب، فلا تشي سوى ببروز المزيد من النظريات – المنطقي منها والمتخيَّل – في مقبل الأيام.

رابط النشر- https://arabsaustralia.com/?p=36147

ذات صلة

spot_img