مجلة عرب أستراليا سيدني- غياب الاحترام بين الأزواج.. هل الحفاظ على زواجهم من الطلاق من أجل أطفالهم أفضل؟
تشكو إحداهنَّ من تعرضها للضرب المبرح من زوجها بالسواط أو العصاة وتقول أنها لا تستطيع اتخاذ قرار الطلاق فعندها خمسة أبناء، لتنشر بعدها صورة لزوجها على الفيس بوك وترفقها بعبارة: (زوجي حبيبي الله لا يحرمني من حنانك)، وتشكو أخرى من إهانة زوجها لها بألفاظ قاسية جارحة وإهانته لأهلها ومنعها من زيارتهم إلا مرة في السنة وحرمانها من صديقاتها أو التواصل معهن وتقول لن أتطلق فعندها منه ثلاثة أطفال، وأنه كريمٌ جداً معها ويغدق عليها بالهدايا النفيسة فمن وجهة نظرها: (كرم الرجل بغطّي على مليون عيب وعيب).
ويشكو رجلٌ من زوجته العاملة وغرورها وتقليلها من شأنه حتى أمام الناس ولكنّه يواظب على استيعابها دائماً لأن الطلاق في رأيه يضيع فيه الأبناء وتتضرر نفسياتهم، ولأنه يستفيد من راتبها لتغطية بعض مصاريف المنزل تحت قاعدة: (راتبين أحسن من راتب)، وامرأة اكتشفت أنَّ زوجها على علاقة بامرأة أخرى ويخونها وهو يعلم أنها تعلم وغير مبالٍ بمشاعرها، لكنها صابرة ومحتسبة أجرها عند الله وتقول: (أكرهه كثيراً لا أطيق النظر إلى وجهه لكنني باقية معه من أجل أطفالي)، وحالات كثيرة لا حصر لها ولا عد، وقصص زواجٍ فاشلة يشيب لها شعر الرأس، ليتحوّل قفص الزوجية إلى مقر رسمي للصراعات القاتلة والمعارك العنيفة، والضحية بلا جدال هم الأبناء!
مبدأ المودة والرحمة الذي يجب أن تقوم عليه أركان الزواج يعكس اهتمام إسلامنا بخلقِ علاقة زوجية سليمة صحية لا تشوبها النزاعات ولا المشكلات، فغياب السكينة والطمأنينة والهدوء يهدد بانهيار الزواج ودماره، ومن أشد الأمور التي تولّد جواً مشحوناً بين الزوجين هو غياب الاحترام فيما بينهما، وتحت خانة الاحترام تندرجُ سلوكيات سيئة للغاية تعطي مؤشرات خطيرة لفشل الزواج والعلاقة الزوجية المهزوزة.
أي علاقة إنسانية تخلو من الاحترام تفشل وتنتهي سريعاُ، فالقاعدة الأساسية في الحياة أن تحترمني واحترمك، وعندما نتحدث عن زوجين فالاحترام بينهما صار واجباً وضرورياً لتنشئة أبناء يحترمون بعضهم بعضاً ويحترمون الآخرين، فإذا كان الزوجان حريصيْن على أطفالهما فعلاً، فحريٌّ بهما الابتعاد عن الصراخ والإهانات التي تقتل نفسية الطفل وتجعله فيما بعد عنيفاً وعدوانياً، فالطفل مستودع لكل تصرفاتنا، هو انعكاس لصورتنا وسلوكياتنا، إن أساء للغير بألفاظ نابية فهذا لأنه اعتاد على سماعها في منزله، وإذا ضرب اخته بعنف فهذا لأنه يرى والده يضرب أمه دون رحمة.
فكيف يتحدث بعدها الأزواج عن حفاظهم على زواجهم من الطلاق من أجل أطفالهم الأبرياء.؟؟ أيعتقدون أنَّ الأجواء العنيفة السوداء هي بيئة صحية لتربية الأبناء؟؟ ألا يعلمون أنهم يحكمون على أطفالهم بالموت البطيء في بيتٍ شاحبٍ لا احترام فيه ولا مودة ولا رحمة ولا صفاء؟
قد أبدو لمن يقرأ كلامي هذا إنسانة محرضّة على الطلاق هادمة لزيجاتٍ كثيرة، وأنا فعلاً أشجّع على الانفصال وفك الارتباط لكل زواجٍ فاشل لا احترام فيه ولا حب، ولا أعني هنا المشاكل الروتينية المقبولة البسيطة لأنها بهارات لمنزل الزوجية وتضفي نوعاً من التغيير للبعد عن الرتابة، كنقاشٍ حاد لاختلاف وجهات النظر، أو أساليب تربية الأبناء، او التباعد الكبير بين طباع الزوجين، بل حديثي عن الكوارث العظيمة التي تعكس انعدام التوافق والانسجام والمحبة بين الزوجين.
ليظهر وبقوة مصطلح الطلاق العاطفي الذي يعرفّه علماء الاجتماع بالطلاق الذي ينشأ بين الزوجين، عندما يغيب الحب، والتفاهم، والاحترام، والانسجام، والاهتمام المتبادل، والثقة، والرغبة الحقيقية في البقاء معاً، فتدخل الحياة الزوجية في حالة موت سريري، يختفي فيها الشعور بالأمان الذي يمثل الركيزة الأساسية لنجاحها واستمرارها، ويسكن الصمت في كل زوايا الحديث الذي كان عامراً ذات يوم بينهما، ويقول الدكتور عبد العزيز الحمادي رئيس قسم الإصلاح الأسري في محاكم دبي، إن ثمة تصاعداً “مخيفاً” في عدد حالات الطلاق الناجمة عن ضعف الانسجام والاحترام بين الزوجين، والجفاف العاطفي، والهجر غير المبرر، والصمت “المزعج”، وتقاعس الشريكين عن تأدية الحقوق الزوجية وحذّر الدكتور الحمادي من خطورة هذه المشكلات التي تدفع بالزوجين أو بأحدهما، للانجرار نحو الخيانة الزوجية، والبحث عن “الحلقة المفقودة” لإشباع الرغبات العاطفية والجنسية والمادية.
إن لم تكونا أهلاً لزواجٍ فيه مودة ورحمة وقدسية روحانية، فانفصلا فوراً ولا تظلما أطفالكما بوجودكما عنوةً مع بعضكما. في وقت لفت فيه إلى أن أبرز مذكيات نار الطلاق العاطفي هي ضغوطات الحياة الحديثة التي أخذت تتشكل ضمن قالب مادي بحت، بعيداً عن المشاعر والأحاسيس والعاطفة، ثم عمل المرأة والرجل.. ولامبالاة كل واحد منهما تجاه ديمومة الحياة الزوجية، والثورة التكنولوجية، والاختلاط المبالغ فيه، وعدم اهتمام الرجل برجولته، والأنثى بأنوثتها، وظهور قنوات اخرى للتواصل الاجتماعي سرقت الحياة من دفء وحميمية الشريكين.
كل المعطيات السابقة والصدامات المتكررة بين الزوجين وأفعالهم السيئة تجاه بعضهما ظهرت وتولدت نتيجة لغياب الاحترام، فعندما لا تحترم من أمامك ستهينه قولاً وفعلاً بل وبنظرةٍ عابرة أيضاً، عندما لا تحترم من أمامك ستضربه وتعطي نفسك الحق في التعدي عليه، عندما لا تحترم من أمامك ستغتابه وتنهش لحمه وتتحدث عليه بالباطل، ستشك في حسن نواياه، ستخونه بل وتكرهه أيضاً، فلا تعد كلمة الاحترام في العلاقة الزوجية سهلة وعادية، فكما كانت الصلاة عمادُ الدين، فالاحترام عماد الزواج!
إن كنتَ عاجزاً عن احترام زوجتك وتنظر لها بدونية وتقلل من قيمتها أمام أطفالها فطلقها، إن كنتِ عاجزة عن احترام زوجك وطاعته فيما يرضي الله تعالى فاخلعيه، الطلاق أبغض الحلال، لكنه حلٌّ مثالي للزيجات الفاشلة، العلاقات المتعبة تنهك القلب وتتعب الروح، وتجعل المرء يموت قبل آوانه، هي هادمة للذاتِ الإنسانية مهدرة للكرامة البشرية، لا فائدة مرجوة منها ولا ميزات ولا حسنات، فلأي زوجين متصارعيْن أقول: لستما بحاجةٍ لإكمال نصف دينكما بزواجٍ شكلي فقط لإنجاب الأبناء، لأني أرى النصف الأول من الدين لم يكن موجوداً عندكما منذ البداية.
إن لم تكونا أهلاً لزواجٍ فيه مودة ورحمة وقدسية روحانية، فانفصلا فوراً ولا تظلما أطفالكما بوجودكما عنوةً مع بعضكما، لا نعلم عند طلاقكما على من يقع الذنب، لا ندري من فيكما الجاني من حكم على علاقتكما بالإعدام، لا ندري من فيكما تحمّل الآخر وصبر على أذيته وعدوانيته لأعوام، فعلاقات بعض البشر مع بعضهم تشبه علاقة توم وجيري! فهذه الرسوم المتحركة لا زالت تحيرنا كثيراً، حتى هذه اللحظة لا نعلم هل توم ظالم أو مظلوم، وهل جيري مضطَهَد أو مستفِز! فتوم حسب الطبيعة قط من حقه أن يأكل الفأر، وجيري مخلوق ضعيف من حقه الدفاع عن رغبته في الحياة، كذلك بعض الأطراف المتناحرة من الناس لا ندري من فيهم الضحية ومن الجلاّد!!
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=17352
المصدر.. الجزيرة