مجلة عرب أستراليا سيدني- خطوات لعلاج الملل في العلاقة الزوجية
ما يجب أن تعرفه
لا وجود لزواج لا تتخلله الخلافات من حين إلى آخر، ولا تخبو فيه المشاعر المتأججة. إلا أن الخطر الحقيقي يظهر حينما تتبدل السعادة إلى حالة من السأم المستمر، هنا لا يعود الضجر شيئا بإمكاننا غض الطرف عنه ببساطة، وإنما علامة يجب أن نمنحها قدرا عاليا من الاهتمام.قبل عشرة أعوام كانت مجموعة من الجهات الإعلامية مثل “هافينغتون بوست” و”ريدرز دايجست” في خضم دراسة عن العلاقات الرومانسية، عُنونت بـ”The Normal Bar” وأُجريت على أكثر من 100 ألف شخص، أُثبت فيها أن الملل كان دافع 71% من الرجال و49% من النساء للخيانة الزوجية.(1)
نعم، تأتي الدراسة السابقة في سياق ثقافي واجتماعي مختلف، لكن ما نستطيع الاتفاق عليه هو أن الملل له آثار عديدة على مستقبل أي علاقة. في هذا السياق، تخبرنا الطبيبة النفسية “هارييت ليرنر” أن ملل العلاقة الزوجية الذي يعتري أحد طرفَيِ العلاقة أحيانا هو أمر طبيعي، لكنه ليس النهاية، إذ إن استعادة الرضا في الزواج هو أمر قابل للتحقق بكل تأكيد، لكن المشكلة الحقيقية هي ما يجتذبه الشعور بالملل من أفكار سلبية تطرأ على أحدهما أو كليهما، مثل “ربما تزوجت الشخص الخطأ”، أو “يبدو أن الحب بيننا انتهى”، أو”ليس لدينا أي شيء مشترك”.(2)
توضح “إيستر بيريل”، معالجة العلاقات الزوجية، أننا في هذا العصر أصبحنا في بحث مستمر عن التجديد والتواصل والغموض، وأن الأجيال الحالية باتت توقعاتها مرتفعة تجاه زيجاتهم من حيث الإشباع العاطفي والجسدي. فالزواج لم يعد مؤسسة تضمن لك شراكة مدى الحياة وأطفالا وحياة اجتماعية ورفقة فحسب،(3) بل رابطة عاطفية يبحث فيها الإنسان عن الصداقة الدافئة بموازاة الحب أيضا.
هنا يجب التركيز قليلا، فجوهر الزواج الناجح هو التوفيق بين احتياجات الإنسان الأساسية، شقّها الأول الشعور بالأمان والانتماء، الثقة والاستمرارية، لتكون ركائز يستند عليها الزوجان عند خوضهم لتجارب الحياة اليومية. وشقّها الآخر الحاجة المهمة للمرأة والرجل إلى الحرية والمغامرة وخوض الأمور التي تمثل مساحة الشغف الخاص لكلٍّ منهما.(4) من هنا، فإنّ افتقاد إحدى الرغبات القابعة في الشقّ الآخر، قد يُبيح للملل النفاذ بصورة دخيلة على الحياة الزوجية. لكن العلاقات السوية هي التي تقوم على التوفيق بين الشقين.
لماذا يصيبك الملل في علاقتك الزوجية؟
كلما طالت العلاقة زادت احتمالية الدخول في حياة رتيبة تتكرّر معها الأشياء ذاتها، هذا أمر بديهيّ. من رحم تلك الإعادات يُخلق الروتين. تلك الكلمة التي ما إن يؤتى ذكرها حتى يراها الكثيرون باعثا على الملل. نعم، يأتي عصر التقنية ومواقع التواصل لتزرع في وعينا بريق التغير المستمر، لترتفع بذلك المعايير غير الواقعية وتصوّراتنا المغلوطة تجاه أنفسنا والآخر.
وعلى خلاف ما نتصور، فإن الروتين يُعد أحد العناصر المهمة للنجاح على المستويات كافة، ويمتد ذلك إلى العلاقات. هنا تتطرق “إيستر بيريل” إلى الفكرة ذاتها بالإشارة إلى أن الروتين يخلق عنصرين مهمّين، وهما الاستمرارية والنظام. بهذا يصبح للعلاقة طقوسها، نعني بذلك الأفعال الروتينية التي يرددها الزوجان تجاه أشياء بعينها مرارا، وهي السلوكات التي تُنشئ بينهما رابطة ومعنى.(5) على سبيل المثال، احتساء كوب من القهوة في الخارج بشكل دوريّ هو أمر روتيني، لكن اختيار مقهى مفضل لدى كلا الطرفين والاعتياد على الذهاب إليه معا هو طقس. الروتين يولد ألفة وحميمية، والطقس يولد المتعة. لذلك فالمشكلة ليست في الروتين، بل في فقدان المتعة والمعنى تجاه ما يقوم به الطرفان.
وإذا أردنا تعداد بواعث ملل العلاقة الزوجية وأسبابه، فيمكننا الإشارة إليها سريعا في الإنفوجراف التالي:
ماذا أفعل كي أعيد إحياء الحب من جديد؟
أولا: حدد مفهومك عن الملل
لكل شخص فكرته الخاصة عمّا هو ممل. وُجدت دراسة نُشرت عام 2013 في مجلة العلاقات الاجتماعية والشخصية أنه من المهم تحديد شكل ومكمن الملل في العلاقة بوضوح.(6) إذ هل يمكن أن يكون شعورك بالسأم لا علاقة له بالحياة الزوجية، بل يتّصل بحياتك المهنية أو حالتك النفسية؟ إذا كان الأمر كذلك فعليك التركيز على أفكار تجعلك أكثر رضا عن نفسك. إن الوعي بمصدر الضجر هو البوابة التي يمكنك عبرها صرف ذلك الشعور المزعج من حياتك.
ثانيا: تخلَّ عن توقعاتك غير الواقعية
لا يجب أن تتوقع أن يكون كل يوم رومانسيا وجميلا. في معظم أوقات الحياة اليومية ستجلس في البيت وتتناول وجبات بسيطة مع شريكك. وللعلم، هذا ليسَ أمرا مملا. لديك بالتأكيد توقعاتك من شريك حياتك، والعكس صحيح، يحدث ألا يتمكن شركاؤنا دائما من منحنا ما نعتقد أنه يجب علينا الحصول عليه. لذا، وقبل أن تُلقي باللائمة على الطرف الآخر، عليك أن تسأل نفسك أولا: هل تصوّراتي عن العلاقة الزوجية زائفة؟
بصيغةٍ أخرى، بمرور الوقت، ستستقر وتيرة العواطف وتهدأ لتحل المودة محل الافتتان وشغف البدايات، تلك التقلبات هي جزء صحي واعتياديّ في مشوار الحياة الزوجية، لتستقر على علاقة أعمق وأكثر ثراء وهدوءا.
ثالثا: مارس أنشطة أو هوايات جديدة مع شريكك
جرب هواية أو مهارة جديدة مع الطرف الآخر، كطهي وجبة طعام معا. فبحسب الدكتور “آرثر آرون”، الذي عُنِي بتأليف كتاب “الأسئلة الـ36 التي ستجعلك تقع في الحب”، فإن تجربة أشياء جديدة معا هي السبيل للحفاظ على حيوية علاقتك. في دراسة أجريت عام 993، طُلب من 53 من الأزواج تقييم جودة علاقتهم قبل تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات. أوكل لإحدى المجموعات نشاط جديد للقيام به معا لمدة 90 دقيقة في الأسبوع، ولمجموعة أخرى القيام بأنشطة ممتعة وروتينية معا بنفس عدد الدقائق السابقة أسبوعيا، بينما طُلب من المجموعة الثالثة عدم فعل أي شيء طوال العشرة أسابيع.
بعد انقضاء المدة الزمنية، تبين أن الأزواج الذين جرّبوا أشياء جديدة معا هم الأكثر رضا في علاقاتهم بشكل عام، يليهم الأزواج الذين داوموا على ممارسات روتينية. إذن، فإن مجرد بذل مجهود لفعل شيء معا، خاصة إن كان بعيدا عن الروتين المعتاد، قد يضع حدّا للضجر في علاقتك.
رابعا: استحضر طقوسكما الخاصة
هل تذكر المقهى الذي اعتدتما ارتياده، زاويتكما الخاصة فيه ومشروبكما المفضل، الأماكن التي أحببتما التجوال فيها، كل الأشياء التي شكلتما منها رمزا وصنعت بينكما لغة لا يتحدثها سواكم؟ لِمَ لا تعيدا إحياء إحدى تلك العادات؟! خصّصا بعض الوقت لقضائه معا بالخارج، كأن تذهبا لتناول الغداء أو العشاء أو لزيارة إحدى الأماكن معا في يوم متفق عليه تتطلعان إلى قدومه، أو شاهدا فيلما معا.
في كتابه “استَعِدْ زواجك: البقاء معا في عالم يفصلنا عن بعضنا بعضا”، يجزم “ويليام دوهرتي” بقوله إننا نقع في الحب من خلال الطقوس، هذه التفاصيل الصغيرة سابقة الذكر، والمحادثات اليومية أو شبه اليومية وتبادل الهدايا. نعم، الطقوس قلب العلاقة وما يُعرّفها.
خامسا: عبِّر عن امتنانك للطرف الآخر
أحد أسباب فشل الناس في الحب أنهم يتوقفون عن التعبير يوميا عن حبهم وتقديرهم وامتنانهم لبعضهم بعضا، يُفصحون بذلك في بداية الزواج، لكنهم يتناسون ذلك في السنوات اللاحقة. لذا، لا تتردد في الإفصاح عن حبك دوما، وتعلم لغة الحب الخاصة بالطرف الآخر.
في دراسة نُشرت عام 2016 في مجلة العلاقات الشخصية، ظهر أن الامتنان هو المفتاح لتقوية الروابط. لاحظ الباحثون محادثات 47 زوجا تتراوح أعمارهم بين 24 و40 عاما، طُلب من الأزواج إما مناقشة تفاصيل اليوم السابق أو التعبير عن الامتنان تجاه بعضهم بعضا لمدة 30 يوما. وجد الباحثون أن الأزواج الذين عبروا عن امتنانهم أصبحت علاقتهم أقوى بعد شهر، على النقيض من الأزواج الذين لم يفعلوا ذلك. وفقا للباحثين، فإن إظهار الامتنان، حتى لأصغر الأشياء، يساعد الأشخاص على الشعور بالحب والتواصل. وبشعور الناس بالارتباط بشركائهم يكونوا أقل عرضة للسأم من العلاقة. يقودنا هذا إلى ألا تأخذ علاقتك كأمر مسَلّم به لمجرد أنك متزوج، وأن تبذل جهدا من أجل الشخص الذي قررت الارتباط به.
سادسا: لا تكفَّ عن الضحك مع شريك الحياة
نشرت “Science Daily” نتائج دراسة أجرتها جامعة “نورث كارولينا” تقول إن الضحك المشترك هو طريقة أخرى لتقوية الروابط بين الأزواج. دوَّن الباحثون آراء 77 ثنائيا متزوجا، وصف فيها كل منهما كيف التقيا لأول مرة، وسجلوا كيفية ضحك الزوجين معا وبشكل فردي، فوجدوا أن الأشخاص الذين أمضوا وقتا أطول في الضحك مع شركائهم شعروا بارتباط أقوى، وانتابهم إحساس أنهم أكثر شبها وانسجاما مع شركائهم، وازداد شعورهم بأنهم مدعومون من الشخص الآخر. لذا، لا تتردد في الضحك مع شريك الحياة، وانتهز منه ابتسامة، فالشركاء الذين يضحكون معا يستمتعون برفقة بعضهم بعضا، إذ كيف تشعر بالملل من شخص تستمتع حقا بوقتك معه؟!
أدوات ستساعدك
أسئلة
الأسئلة الـ36 التي طوّرها عالم النفس آرثر آرون لإعادة إحياء الحب، التي تتبّعها آرثر وزملاؤه عبر سلسلة من الدراسات ووجدوا أنّها فعّالة في خلق المشاعر الحميمية وتقويتها. وتقوم فكرة هذه الأسئلة على “الانفتاح للآخر”، أيّ أن تكون قادرا على الإفصاح عن نفسك، عن ضعفك وعن مخاوفك وآمالك وتطلّعاتك أمام شريكك دون الشعور بالحرج. تناول أنتَ وزوجك سؤالين يوميا، وحاول أن تكون بالترتيب، حيث إنّ الأسئلة مرتّبة بحسب درجة الإفصاح، وحاولَا أن تمنحا نفسيكما أكثر وقت ممكن في الإجابة، وأن تستوضحا عن كلّ إجابة بالمزيد من الأسئلة، مثل: لماذا؟ وكيف؟ ومنذ متى؟
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=17994
المصدر.. الجزيرة