spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب بقلم صاحبة...

أ.د.عماد شبلاق- إجراءات التجنيس والتوظيف والتسكين … طلبات أصبحت مرهقة لكثير من المهاجرين!

مجلة عرب أستراليا- بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق- رئيس الجمعية...

هاني الترك OAM- ترامب الأسترالي

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دونالد ترامب هو...

د. زياد علوش-حمى الله أستراليا

مجلة عرب أستراليا- د. زياد علوش آلمتنا الأخبار التي تواترت...

الدكتور رغيد النحاس ـ هوامش غير رسمية لمحبّ للغة العربيّة

مجلة عرب أستراليا- سيدني-هوامش غير رسمية لمحبّ للغة العربيّة

بقلم الدكتور رغيد النحاس

اللغة، بما في ذلك اللغة العربيّة، كائن عضويّ ينقل الأحاسيس والصور، يتفاعل ويتطوّر وينضج. ويتعدّى كونه مجرّد وسيلة للتواصل ليصبح جزءًا لا يتجزّأ من ثقافة الجماهير التي تتكلّم لغة معيّنة.

وللحفاظ على مستوى ورصانة اللغة، لا بدّ من مرجعيّة متخصّصة تساعد على تطوّر اللغة بطريقة تحافظ على جمالها ورصانتها، وفي الوقت عينه تساعد في انتقاء المشتقّات الحديثة لاستيعاب ما يأتي من طريق التفاعل الثقافيّ العالميّ.

سجّل يوم الثامن عشر من ديسمبر الماضي 2020 مضيّ سبعة وأربعين عاماً على اعتراف الأمم المتحدة باللغة العربيّة لغة رسميّة. أي أنّ لهذه اللغة حضوراً عمليّاً لا يمكن تجاهله. الأهمّ من هذا كونها من اللغات الحيّة الرائدة.

أميّز نوعين على الأقلّ من المتحمسين للغة العربيّة: نوعاً متزمّتاً لا يقبل التغيير، ونوعاً يريد التحرّر من كلّ القيود. كلا النوعين خطر على اللغة. الأوّل يخنقها، والثاني يهدمها.

لا شكّ أنّ مجامع اللغة العربيّة وبعض الجامعات والمؤسّسات تقدّم خدمات جليلة في هذا المضمار، ولكن لا زالت هناك حاجة ملحّة لتوحيد المرجعيّة عوضاً عن خلق قواعد مختلفة بين المستخدمين للّغة العربيّة. اختلاف الرأي ضروريّ، وهو السبيل إلى الوصول إلى نتائج أفضل. ولكنّه يجب أن يوظّف في سبيل اللغة، لا مجد المؤسّسة أو الأشخاص.

من التطوير الذي حصل مؤخّراً هو كتابة الهمزة على نبرة في وسط الكلمة بغضّ النظر عن حركة ما قبلها، وذلك بعد السين والشين، مثل قولنا “شئون”. لكنّ هذا التطوير لا يُعتَمد من كلّ مستخدمي اللغة. ففي البلاد الشاميّة، التي أنا منها، نقول “شؤون”. وليس لديّ مانع أبداً من تغيير عادتي إذا توحّدت المرجعيّة. ولكنّ مستخدماً للّغة مثلي، وغير مختصّ في هذا المجال، يحار ما يفعل. الحلّ هنا هو أن تقبل كلّ الجهات المختصّة في مختلف المناطق الناطقة بالعربيّة بوجوب إيجاد قاعدة موحّدة.

أحياناً يكون التحديث غريباً. مثلاً فوجئت حديثاً (ويرجى ملاحظة أنّني بعيد عن مركز اللغة العربيّة جغرافيّاً واختصاصاً وممارسة فعليّة) أنّ التنوين الذي اعتدنا كتابته على الألف في نهاية الكلمة صار يكتب على الحرف ما قبل الألف، إلاّ إذا سبق ذلك الحرف ألف أخرى. مثلاً أنا استعمل “موطناً” بينما يجب أن تكون “موطنًا” وفق القاعدة الحديثة التي نوّهتْ أنّ الاستعمال السابق غلط أصلاً.

وسؤالي هنا أنّه إذا كان المراد تسهيل الأمور لماذا لا نكتبها “موطنً” دون الألف، على غرار ما نفعل حين نقول “موطنٌ” و”موطنٍ”؟ أوليس “إصلاح” الأمور فرصة للتطوير والتغيير والتبسيط؟

القاعدة الحديثة عينها تقول لنا إنّه يجب أن لا نقول “رداءًا” لأنّ وجود الألفين متجاورتين غير مستساغ (للنظر). أي يجب أن نقول “رداءً”. إذا قبلنا ذلك هنا فما الذي يمنع من القول “موطنً” كما أسلفنا؟

الطريف في الأمر أنّ بعض هؤلاء المجدّدين يتمسّك بقاعدته الجديدة بتعصّب شديد غير قابل للنقاش، وبذلك يصبح هو التجديد لاستمرار التزمّت.

صدف بعد كتابة هذا النص أنّني كنت أقرأ كتاباً فيه أبحاث لعدد من الأكاديميين والباحثين الضالعين من اللغة العربيّة والآداب والتاريخ. فوجدت اختلافاً في استعمال التنوين بين الكتّاب. ووجدت كاتباً واحداً يستعمل عبارة “من طريق” (حين يقول مثلاً: “حصلت على كذا من طريق كذا”) وهو التعبير الصحيح، بينما الآخرون كلّهم استعملوا “عن طريق”، وهو غلط شائع على ما أظنّ. لكنّ إحدى المتخصّصات بالأدب العربيّ خبّرتني أنّ لديها مراجع تجيز استعمال “عن طريق”. طبعاً بالنتيجة يمكن استعمال حرف الجرّ المناسب للمعنى الدقيق المطلوب. وفي رأيي أنّ حروف الجرّ هي من أهمّ الأدوات التي تحدّد المعنى، وهي من أصعب ما نجيد استخدامه. هذا تأكيد على ضرورة اعتماد مرجعيّة مختصّة واحدة.

وأحياناً تكون اللغة الفصحى سهلة ومفهومة لدى العامّة التي قد تستخدم كلمات فصيحة في سياق حديثها، مثل كلمة “طبعاً”. ولكنّ بعض المجدّدين يقحمون الكلمات العامّية دون مبرّرات كافية. مثلاً حين نريد أن نقول “شَبَكَ”، لا أرى داعياً لاستعمال “شرْبَك” لمجرّد ادعاء الحداثة أو الجرأة.

طبعاً أستعمل أحياناً عبارات “عامّية” في سياق سردي الفصيح، وذلك لأسباب فنّية في النصّ، لا بدعوى اعتماد هذه الكلمات بالفصحى. كما أنّ هناك كلمات عامّيّة دخلت قواميس الفصحى مثل “دكّ” و”دكّكَ”. أنا لست ضدّ ذلك، إن تمّ وفق شروط “صحيّة”.أعلم تماماً أنّ استعمال “الشدّة” في التشكيل أمر ضروريّ وأساس.

الشدّة هي بمثابة حرف ثان، ولا حاجة لسنّ قاعدة لهذا الشأن. يدعو بعضهم لتشكيل الكلمات بشكل كامل. لكنّ هذا برأيي أمر غير ضروري، وإنّما يجب استعمال الحكمة، وتشكيل بعض الكلمات التي قد تسبب لغطاً عند قراءتها غير مشكّلة (مثلاً لو حذفنا الشدّة عن كلمة “مشكّلة”، لأمكن قراءتها “مُشكِلة”). أي التشكيل ضروريّ للتوضيح في حالات معيّنة.

وتبقى حالات بحاجة للبحث. مثلاً، كلمة “عامّيّة” فيها شدّتان متتابعتان. هل من الأفضل في هذه الحال أن نستخدم واحدة فقط؟ وأيّ واحدة نحذف؟ أنا أفضّل إبقاء الشدّة على الياء فقط.رافق الثورة الصناعيّة استنباط كلمات جديدة، وهذا واضح فيما يسمّى “أسماء الآلة” مثل “غسّالة” و”سيّارة”. وهي اشتقاقات قديمة جديدة ولعلّها من أجمل الاشتقاقات.

وعلى على الرغم من استعمال “آلة تصوير”، لكنّ “كاميرا” مستساغة، ودخلت العربيّة دون استئذان. وكذلك طغت استعمالات أخرى مثل “كومبيوتر” عوضاً عن “الحاسوب”، و”إيميل” عوضاً عن البريد الإلكتروني. وعلى الرغم من وجود الكلمات العربيّة المقابلة وإمكانيّة الاشتقاقات الجديدة، إلاّ أنّ عالميّة بعض الكلمات هي السائدة.

تجري العادة في الغرب أنّ المعاجم الإنكليزيّة يتمّ الإضافة إليها كلّ سنة حتّى تكون مرادفة للتطوّرات في الاستعمال. لكنّ المعاجم العربيّة لا زالت تعاني من جمود كبير، وربّما استطاعت “الإنترنت” (الشبكة العنكبوتيّة) حلّ بعض هذه المشاكل. لكن تبقى المعاجم الرسميّة متأخّرة عن الركب. كما أنّ هناك مشكلة أخرى وهي أنّ المعاجم العربيّة في معظمها لا زالت تستخدم طريقة رد الكلمة إلى جذرها، ولا يمكنك مباشرة إيجاد معاني بعض الكلمات. أعتقد أنّه آن الأوان ليتوفّر لنا معجم عربيّ لا نحتاج فيه إلى التصريف من أجل إيجاد كلمة، ولا إلى عبارة “أنظر كذا” إذا بحثنا عن كلمة عند حرفها المناسب، ولكن المعجم ارتأى أن يعطي الإجابة أمام تصريفٍ آخر للكلمة.

قيل لي إنّه يوجد معجم على هذا الشكل. والواقع هناك مراجع كثيرة لكنّ تبويبها وطريقة الشرح فيها لا تبدو لي عصريّة. وأنا شخصيّاً أعاني من صعوبة كبيرة في الحصول على ما أريد من مراجع اللغة العربيّة المتوفّرة لدي. وأعترف أنّها قليلة، وربّما كان أحد الأسباب عدم تمرّسي في هذا المجال. لكن ألا يجب أن تكون مراجع اللغة سهلة على كلّ الناس الذين ينطقون بها؟

خبّرتني أستاذة مختصّة أنّها تعتمد على قاموس عربيّ-إنكليزيّ ألّفه وحرّره غربيّان، فتقوم بالتأكّد من صواب المعنى العربي المراد من المرادفات الإنكليزيّة. وهو على حدّ قولها من أفضل المراجع لديها (ليس فقط لمعرفة المعنى الإنكليزي المرادف، بل لمعرفة كيف تستعمل التراكيب والمصطلحات العربيّة. أي أنّها تصل إلى مرادها العربي بصورة غير مباشرة من طريق المدلولات الإنكليزيّة). أنا أفضّل طبعاً أن يكون هناك معجم عربي-عربي متطوّر تضعه مؤسّسة عربيّة بحيث يدلّني بسهولة ليس فقط على معاني الكلمات، بل المصطلحات والتراكيب بمختلف استعمالاتها ومدلولاتها.

حين كنت يافعاً، كان يرد في الترجمات عن الغرب أسماء مثل “إليصابات”. وهذه محاولة لتعريب اسم إليزابيث”. وهذا قمّة المبالغة برأيي. طبعاً لم نعد نجد هذا الاسم، أو ماشابه هذه “الغلاظة”، في وقتنا الحاضر. اسم العلم اسم يجب أن يأتي كما هو. أما في الحالات الأخرى، وفي حال ضرورة التعريب، يجب العمل على الاشتقاق بحكمة وفنّ وذوق. ويجب التبسيط ما أمكن والاعتماد على ما صار دارجاً وتهذيبه إن لزم الأمر.

المهم أن تعطى هذه اللغة الفاتنة حقّها من القدر والحب والجمال. والمهمّ جدّاً أن تتماشى مع العصر وتستفيد من تجارب اللغات الأخرى لتكون مرآة أمينة للثقافة العربيّة وفي الوقت نفسه وسيلة للتواصل مع الثقافة العالميّة. كلّما كانت المصطلحات متماهية مع العصر، كلّما استطاعت الترجمة أن تنقل المعاني بصورة أدّق. والأهمّ من ذلك، أن تستطيع الشعوب استيعاب التطوّر العالميّ.

نشر في مجلة الجذور

رابط مختصر…https://arabsaustralia.com/?p=14638

ذات صلة

spot_img