spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

كارين عبد النور- الحسم لـ”الدونكيشوتية” والفرز السياسي في “مهندسي بيروت”

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «ما رأيناه...

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب بقلم صاحبة...

أ.د.عماد شبلاق- إجراءات التجنيس والتوظيف والتسكين … طلبات أصبحت مرهقة لكثير من المهاجرين!

مجلة عرب أستراليا- بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق- رئيس الجمعية...

هاني الترك OAM- ترامب الأسترالي

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دونالد ترامب هو...

د. زياد علوش-حمى الله أستراليا

مجلة عرب أستراليا- د. زياد علوش آلمتنا الأخبار التي تواترت...

الدكتوره نجمه حبيب -زمن الحلم الابؤريجيني The Dreamtime

مجلة عرب استاراليا سدني – زمن الحلم الابؤريجيني  The Dreamtime
بقلم الدكتوره نجمه حبيب
في الزمن الذي كانت فيه هذه البلاد التي تدعى اليوم أستراليا، نكرة مجهولة غارقة في الغموض، قطنها قوم من العرق الأسود أطلق عليه المستوطنون البيض، فيما بعد، لقب “الابؤريجينيين The Aborigines”.
والأبؤريجينيون شعب أصيل حاضر في هذه الارض متجذر فيها كجزء من تربتها وسحر قواها الروحية منذ زمن سحيق غارق في القدم لا يمكن تحديده.
هذا الشعب الذي وصل تعداده فيما مضى إلى ما يزيد على الخمسمئة ألف نسمة، عاش لآلاف السنين معزولاً عن أي بلد أو حضارة وفي الكثير من الاحيان معزولاً عن بعضه البعض، إلا أن هذا الامر لم يكن ليضيره وما طمح يوماً لتغيير واقعه، فقد كانت الارض اكتفاؤه الاكبر، فهي الحضن الدافئ والملجا الامين والمرشد الموحي بالمعرفة والام التي تهب كل شيء.بل إن الحياة بحد ذاتها كانت هدفاً ومصدر فرح. هذا ما تنبئ به أساطيرهم التي هي سجل شفوي لتاريخهم وثقافتهم.
يعتقد الابوريجينيون أن اجدادهم موجودون في العالم منذ “زمن الحلم” الذي بدأ عندما كانوا ارواحا, خليطا من بشر والهة, أتوا الى هذا الوجود ومن خلال اعمالهم ورحلاتهم خلقوا الارض والسماء والبحار والانهار وكل ما عليها من مخلوقات. وهم لذلك يمتلكون تراثا غنيا من الاساطير, فمن كل مكان ومن فوق كل بقعة ارض استرالية تطالعنا مجموعة مثيرة منها.
بعض هذه الاساطير يروي مآثر الارواح, مقدس فوق حدود فهمنا المعاصر, وبعض هو تسجيلات لاحداث مغرقة في القدم, والبعض الاخر حكايات رمزية تستعرض انماطا من ثقافتهم وتعاليمهم الدينية وتقاليدهم المتوارثة منذ زمن الحلم. تحكي هذه الاساطير تصورهم لكيفية نشوء العالم, وتنقل رؤاهم للعالم الميتافيزيقي, كما انها تقدم تفسيرات للاختلاف الحاصل في تشكيلات المكان الجيولوجية وتعلل ظاهرة التنوع والاختلاف في طبائع وتصرفات الحيوان.
وباختصار فان الثقافة الابؤريجينية هي ترجيع صدى لمكنونات البيئة بأرضها ونباتها وحيوانها في هذه القارة المنعزلة القديمة. لذلك فانهم يعتقدون أنّ الارض تمتلك ناسها الذين يحييون فوقها, وهي بدورها تمتلك الدلالة التي ان عرفوا كيف يقرأونها استطاعوا ان يتعرفوا على حكاية تكوينهم واستدلوا بواسطتها على الطرق المؤدية الى السعادة في هذه الحياة.
كما ان في قصصهم هذه اعلاء للقيم النبيلة وذما للرذائل. وهي بالتالي تطرح السؤال الازلي الذي كان ولا يزال يدور في خلد الانسانية حول مسألة الموت والخلق والانبعاث. تعرف هذه الاساطير بزمن الحلم.
ولكي يردع الابوريجينون ما يمكن أن تمور به النفس البشرية من أذى لنفسها أو لمجتمعها فقد أعتبرت تعاليمهم عناصر الشر كالانانية والبغض والجشع وجميع الصفات الهدامة نواقص منبوذة في المجتمع، وقد عبّروا عن ذلك بكثرة في شعائرهم واحتفالاتهم الدينية سواء كان ذلك بالرقص أو الرسم أو الالوان. وقوانين زمن الحلم تعتمد مبدأ التناغم والتوازن بين قوى الطبيعة المتقابلة كمثل التنافر والتجاذب، التكامل والفردانية، الانقباض والانبساط، صفات موجودة داخل النفس البشرية وفي علاقات الناس بعضهم ببعض.
ويتفق هذا المفهوم مع كثير مما جاءت به الثقافات القديمة الاخرى، حيث أدرجت هذه المفاهيم والقيم كقوانين عالمية منظمة لدورة الحياة. وهكذا عندما تتخطى علاقة ما، ما هو مرسوم لها في العالم الطبيعي أو الغيبي، فإن القوى الرئيسية التي تعمل لإنماء الخلق تتوقف أو تمتنع عن مساندة البشر والطبيعة فينشأ عن ذلك خلل يؤدي الى انعدام التناسق والتكامل فيعم الخراب
من هذا المعتقد.
حرص الابؤريجينيون لأجيال وأجيال على ترسيخ الروابط العائلية في نفوس أبنائهم وإنماء حس المسؤولية في هذه النفوس وتعليمهم احترام المعتقدات الغيبية وتقديس الارض، وقد وسعوا الدائرة العائلية لتشمل كل ذوي القربى
ثم امتدت لتشمل الطبيعة ككل: الطوطم، الارواح القديمة. . . وفي حين يلجأ المرء في مجتمعاتنا المتمدنة إلى الخلف والتملك والارث والسلالة لضمان استمراريته ومقاومة الفناء، يلجأ الابؤريجينيون الى ثقافة غيبية كلية لتحقيق هذه الاستمرارية، حيث كل فرد هو كل متكامل وفي نفس الوقت عضو مكمل ومستمر في المجموعة.
منقول بتصرف من كتاب “من أستراليا وجوه أدبية معاصرة” تأليف نجمة خليل حبيب (2006)

ذات صلة

spot_img