مجله عرب استراليا -سدني
الأقصوصة بعنوان العصفور وشجرة التوت- بقلم الكاتبه ندى فرنسيس
وقراءة أدبية بقلم أ. د. أميرة عيسى.
العصفور وشجرة التوت
ذات خريف حطّ عُصفورٌ كان خارج سربِه ليستريح على غصنِ شجرَةٍ في حديقةِ بيتِنا. مِنْ غيرِ أنْ يدْري، وقَبْلَ أن يرحل إلى فضائِه، زَرقَ بِذارَهُ، رفرَف بجَناحيْهِ وانطلقْ.

 

جاء الربيعُ ضاحكاً، بعد شتاءٍ عاصِفٍ، فاشرَأَبّ من بين الأعشاب، عُنُقٌ صغيرٌ شق سطح الأرض بعد مخاضٍ عسيرٍ، فكانَ أن وُلِدَتْ نبتةٌ مختلفةٌ تَحوّلت لِتكونَ شجرةَ توتٍ داكِنَةِ الخُضْرةِ، نمتْ في ظِلِّ خيمةٍ نُصِبَتْ خصيصا لِتَمْنَعَ وَرَقَ الشَّجرِ من السقوط في بِركةٍ موجودةٍ على أطرف البيتِ، كي لا تعكر صفو حياةِ سمكةٍ صغيرةٍ واحدةٍ تعيش فيها ملكة على نفْسها.

 

كبُر البُرعم ونمى بسرعةٍ عجيبةٍ يستعجل الحياةَ، رافعا رأسه إلى العلاء متقدما دون وجل. تحول إلى نبتة استطالت واستولدت من لدنها أغصانًا يانعة تفيض حيوية وبهجة، ولم تلبث أن دُرزت بحباتٍ خضراءَ كستْها شُعيراتٌ رقيقةُ تحنو عليها وتحميها من غضبِ الطبيعة.

 

في غفلة مِنّا وفي غمرةِ انشغالِنا وإهمالِنا، لم يُعِرْ أحدٌ انتباهه لهذا المولودِ الهجينِ، الذي راح يكبرُ بجموح، ولما اشتدَّ عودُه بانت أغصانٌ أخرى على جنباتِه فحملها كلها واستمرمندفعا في الصعود إلى العلياء لا يلوي على شيء.
فجأة وجد نفسه أمام حاجزِ متجهمٍ، داكنٍ أمره بالتوقف. هي الخيمة التي كانت تقف له بالمرصاد. توقف وانتظر.

 

طوقت الخيمة المولود الغض وقالت له ” هذه هي حدودك، فاكبر ما شئت في ظلي”.
نكست الأغصان الشابة ُرؤوسها وأخذت تتمدد صاغرة تتلمس ثقوب الخيمة وتنتشر قدر إمكانها لتظلل البركة، خلا غُصنٌ صغيرٌ تمرّد ومدّ رأسه ليخرج من ثقبٍ اكتشفه في سور الحديقة المشترك مع بيت الجيران.

 

فرح الغصن وانتشى بشمِّ رائحة الحرية وراح ينمو بصمت.
لم يكد الصيف يأتي حتى أطلت حبات التوت الشهية برأسها من بين الأوراق الخضراء معلنة اصطباغها بألوان النبيذ والأرجوان ومنادية المارة للتمتع بمنظرها وطعمها.