spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

هاني الترك OAM- نعم كان قبلها وإعتذرت له

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دخلت المواطنة أولغا...

ريما الكلزلي- قراءة في فكر الباحث ماجد الغرباوي

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة ريما الكلزلي تجلّيات التنوّع...

أ.د.عماد شبلاق ـ الشعب يريد تعديل النظام!

مجلة عرب أستراليا- بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق-رئيس الجمعية الأمريكية...

كارين عبد النور- الحسم لـ”الدونكيشوتية” والفرز السياسي في “مهندسي بيروت”

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «ما رأيناه...

نعيم شقير- على متن الذكريات، ذهبت في نزهة إلى بيتنا الطفولي في كرم الزيتون…

مجلة عرب أستراليا سيدني– على متن الذكريات، ذهبت في نزهة إلى بيتنا الطفولي في كرم الزيتون…

الكاتب نعيم شقير
الكاتب نعيم شقير

بقلم الكاتب نعيم شقير

على متن الذكريات، ذهبت في نزهة إلى بيتنا الطفولي في كرم الزيتون.

كان عبارة عن غرفة يتيمة يتقاسمها سبعة أيتام وأرملة وهموم كثيرة ..

لم أفز منها إلا بمتر صالح للنوم ..

متر صالح للنوم، وللجلوس، وللقراءة وكتابة الفروض ..

متر صالح للنوم في الليل فقط، يضيق بالأحلام ويتعثر بالأوهام ..

كان الحلم ممنوعًا من الوصول إلى ذاكرتنا المثقلة ..

كان يتعثر بالصعاب والعراقيل..

وكنا نعقد العزم على الدرس والجد والاجتهاد..

وكانت وعودنا غير معسولة على الإطلاق ..

كانت نفوسنا مكسورة ..

وكان اليتم عطرنا الفاضح ..

لم نعرف الألعاب في طفولتنا البائسة ..

وحده ” بزر المشمش ” كان لعبتي الظاهرة ..

و” الكلة ” كانت لعبتي المخبأة والممنوعة بأمر من الباب العالي، من أم اليتامى ..

لا طابة ولا بالون ..

لا سيارة ولا طائرة ..

لا فرد ولا رشاش ..

حتى أقلام التلوين لم نعرفها إلا حين درسنا الرسم وصار مادة في الصف والامتحان ..

لا وقت للعب في حيّنا القديم ..

حيّنا المزروع فقراً وتعتيراً وعيوناً مفتحة ..

حيّنا الشعبي المليء بالأزقة والبيوت المظلمة ..

حيّنا الفقير الذي لم يعرف الإنارة لكثرة ثقوبه وعيوبه ..

كان السطح ملعبنا الوحيد ..

نلعب في أرجائه تحت الغسيل المنشور ..

نختبئ بين الملاحف والشراشف وخلف المناشف ..

ونتفركش بالبرغل الخشن والناعم، والملوخية والبندورة المشمسة ..

كان السطح مساحتنا الوحيدة المتاحة ..

نمتطي صهوته للعب بعد انجاز دروسنا وفروضنا ..

نلهو تحت ضوء القمر ..

نمارس لعب الكلّة وكأننا نلعب الغولف ..

نغزل البلبل وكأننا نرقص التويست ..

نراهن ببزر المشمش وكأننا نربح الفيش ..

كانت أحلامنا تنحصر في الحصول على لعبة حقيقية ..

لعبة حقيقية جديدة نحصل عليها في العيد ..

لعبة حقيقية نتفاخر بها أمام الرفاق ..

لعبة حقيقية نزهو بها ونطير على أجنحتها للوصول إلى السعادة ..

وعندما كان الليل يسدل ثوبه الأسود علينا ..

كانت قاماتنا الطرية تنحشر ” كعب ورأس ” طلبا للنوم ..

كانت أحلامنا الوردية تتكسر وتتعثر بأنفاسنا المتهالكة ..

وكنا نصمت تماما حين موعد النوم ..

ولم نكن نفيق إلا على صوت أمنا وهي تدعونا للنهوض ..

أمنا التي كانت تنام على مرتبة عالية ..

وكنا ننام تحت أقدامها ..

وحين كان أحدنا يصاب بوعكة كان يفوز بالنوم قربها على المرتبة العالية ..

وكان يحلم في سريرها بغير ما كان يحلم على الأرض ..

يهلوس على المرتبة العالية ويشعر بعليائه ..

وحين كان يشفى كان يعود إلى الأرض، ويتمنى لو لم يعرف الشفاء ..

لم نعرف البرد في غرفتنا اليتيمة ..

حتى في عز الشتاء ..

كانت أنفاسنا المتزاحمة تشعلها حبًا ودفء ..

كانت زفراتنا تلهب المكان ..

وكان الدفء ينجم عن عيوننا المشتعلة بالرجاء وقرب تحقيق المراد ..

وكنا نجتمع حول الطعام ..

نتجاور الأرغفة على السطح ..

ونتقاسم اللقمة من وعاء واحد يتسع لطبخة واحدة لا تحتاج إلى تفسير وتعليق ..

لم نعرف مرة أكلة لا نحبها ..

لم نتردد في تناول كل ما تطهوه أمنا ..

لم نجادل يوما، لم نعترض لحظة، لم نعرف الجوع على الإطلاق ..

كانت القناعة أجمل أثوابنا ..

خاطتها لنا أمنا القادرة ..

جعلتها لوننا المختار وزيّنا الأجمل ..

كانت تراقب أحلامنا، ترصدها، وتمنعنا من التعلق بها ..

كانت تلجمنا بكثير من الدراية والحكمة ..

وكانت تعدنا بغد مشرق يضم أكثر من غرفة وأكثر من سطح ..

كنا نسمع كلامها المنشود ..

كانت أكثرنا حكمة ..

كانت اشطرنا على الإطلاق، وهي الأمية التي لم تعرف القراءة ولا الكتابة ..

كانت أنجبنا على الدوام ..

تابعتنا من صف إلى صف ..

من نجاح إلى نجاح ..

قدمت لنا فرص العلم حين نصحها كثيرون بتعليمنا صنعة ..

لم ترض لنا إلا العلم ..

وفرت من معاش التقاعد الهزيل ما يكفي لشراء الكتب والدفاتر والأقساط ..

لم توفر قرشًا للدواء ..

كانت تعتبر أن الله هو الشافي المعافي ..

وكانت الزهورات أكثر أدويتنا استهلاكًا ..

لأنها كانت مقطوفة من الضيعة، وليس من صيدلية أو من متجر ..

وكانت تبرع في الضمادات ..

ضمادات بيضاء عبارة عن قطع من المناشف ..

كانت تغسلها في المياه الساخنة، وأحيانا في المياه الباردة، وتجعلها على جباهنا ..

وعندما كنا نصرخ من الألم ..

كانت تمدنا بضمادة بعد الضمادة ..

وكان الشفاء يولد سريعا بين يديها ..

كان يركض ليعافينا ..

وكانت تستقبله بصلاة ..

وتستعين على الأيام الصعبة بصلاة ..

وكانت تصلي طيلة فترة الليل ..

حتى إطلالة الفجر ..

وكانت الكلمات المقدسة تتناثر فوق رؤوسنا ..

تغطينا بساتر يقي من المرض ..

برداء يقي من شرور العوز ..

وكانت السماء تفتح لدعائها ..

وستظل مفتوحة لاستقبالها ..

رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=24703

نعيم شقير

ذات صلة

spot_img