spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 51

آخر المقالات

هاني الترك OAM ــ  التضامن مع الفلسطينيين في أستراليا

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الكاتب هاني الترك OAM كتب الناشط...

الدكتور علي الموسوي ـ الطائر الجنوبي فاروق القاسم يُحلّق فوق سحاب النرويج 

مجلة عرب أسترالياـ  بقلم الكاتب والإعلامي الدكتور علي موسى الموسوي   طائرٌ جنوبي...

د. صائب عبد الحميد ـ ماجد الغرباوي.. المـقاتـل بالكلمة

مجلة عرب أسترالياـ بقلم د. صائب عبد الحميد أولا: الغرباوي...

روني عبد النور ـ أصل الحياة و”لوكا” الذي يجمعنا

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب روني عبد النور قبل أيام،...

نجمة خليل حبيب ـ البنية السردية في رواية “الإبحار إلى حافة الزمن، للأديب جميل الدويهي

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة نجمة خليل حبيب

تقديم

تُعْتَبرُ الرواية جنس أدبي طيع يخضع لمنطق التحول والتجدد المستمرين من جهة، وانعكاس للذاكرة الإنسانية التي تخضع لمنطق التراكم والتلاشي من جهة أخرى، أما من حيث تحولاته1، فقد مر هذا الجنس في مراحل عديدة وتعددت مدارسه في العالم العربي، فكانت الرواية الواقعية، وبعدها الرواية القروية والرومانسية ثم ظهرت الرواية الوجودية، ويعيد معظم الدارسين هذا التحول إلى نكسة 1967 التي أحدثت هزة في الوعي الجمعي العربي أدت بالمفكرين والمثقفين إلى إعادة النظر بالخطاب العربي الفكري والإعلامي والإبداعي، وكان نصيب الرواية أن تحررت من مجاراة الأنظمة السياسية والأيديولوجيات السائدة والتَفَتَتْ إلى الخلل الحاصل في البنى الاجتماعية، وإلى تصوير ما تمور به المجتمعات العربية من جهل وفقر، وتخلف حضاري وفكري، فكان أن تحولت أصوات روائية كثيرة من الواقعية التقليدية إلى واقعية جديدة تعكس التحولات التاريخية والاجتماعية والسياسية التي طرأت على العالم العربي. ومن “خصائص الرواية في إطار هذه الواقعية الجديدة، الاعتماد على المفارقة الجادة، والسخرية الشديدة في تصوير البسطاء الذين يعيشون في الأحياء الشعبية التي تمثل قاع المجتمع. وإذا كان تحول مسار الرواية العربية رهيناً بتغير في السياق التاريخي والاجتماعي للعالم العربي وما صاحبه من تحوّل في الجانب الثيماتيكي للرواية، فإنه أيضاً لم ينفلت من التأثر بظهور الدراسات البنيوية التي تناولت الرواية نقدياً، فأسست اتجاهاً نقدياً حديثاً يسائل التقنيات الروائية، ويحدد مكونات اللعبة السردية التي تلخصت بتحديد وظائف الحكاية الشعبية، وبالربط بين الكتابة والمجتمع على اعتبار أن المجتمع هو الذي يفرض الرواية. وبالتفريق بين نمطين من السرد: سرد عبارة يعنى بتجميع بسيط لا قيمة فيه للأحداث، وسرد يشترك مع سرود أخرى في البنية القابلة للتحليل وبالاهتمام بالسيميائيات، وأخرى تشتغل على مفهوم الشعرية ووضع القوانين التي تحكم إنتاج العمل الأدبي، وبالتمييز بين العمل السردي الروائي باعتباره حكاية وبين العمل السردي بوصفه قولاً وخطاباً. وقد برزت أسماء روائيين كُثُر أسست لهذا التيار نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد شكري وأحمد المديني ومحمد عز الدين التازي ومحمد برادة وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغريب عسقلاني والياس خوري وحهاد الرنتيسي وكاتبة هذه المقالة نجمة خليل-حبيب… وقد امتهنت أعمال هؤلاء الروائيين تيار التجريب، سواء على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون، سعياّ إلى مسايرة فن الكتابة الروائية الجديدة التي برزت ما بعد النكسة2.

* * * * *

والأديب د. جميل الدويهي هو صاحب مشروع “أفكار اغترابيه للأدب الراقي” من أستراليا إلى العالم

أسسه عام 2014، بدعوى إنشاء حالة أدبيّة دعيت فيما بعد بالنهضة الاغترابيّة الثانية، تقوم على تعدّد الأنواع، واللغة المهذّبة النقيّة من الألفاظ التي تخدش الذوق. وتتراوح مؤلفات الدويهي بين عدة فنون كالشعر، والرواية، والقصّة القصيرة، والفكر، والتأريخ، والدراسة الاكاديميّة، والمقالات النقديّة والسياسيّة، وباللغتين العربيّة والانكليزيّة. وتجاوزت كتبه من هذه الأنواع جميعاً 54 كتاباً، وكتب عن أدبه حوالي 25 كتاباً حتى نهاية عام 2022. ويختص موقعه بنشر كتبه بطريقة PDF لتسهيل البحث، وإتاحة الفرصة للدارسين والنقّاد للاطلاع على تلك الكتب3.

عن الرواية

تبدأ الرواية من حيث يجب أن تنتهي. تبدأ بصرخة رجل يُقْسِم أنه لم يقتل جون أندرو، ولا علم له بموته، وفيما هو في غرفة التحقيق يشط به الذهن فيأخذ بسرد أحداث طفولته، فنعلم أن اسمه “ريتشارد فنسنت”، تصلعك وعاش مشرداً في شوارع سدني وأماكنها العامة كالمنتزهات والحدائق العامة. وفي ليلة عاصفة لجأ إلى حانة في شارع “ماكويري” تملكها راقصة تدعى “سامنتا”، عطفت عليه ودعته إلى اللجوء إلى حانتها كلما أحس انه بحاجة إلى مأوى يحميه ليلاً من البرد والجوع، فأثار الأمر غيرة جون أندرو- أحد زبائن الحانة الذي وجد مقتولاً في غرفته. وعندما كثرت استدعاءات الشرطة له للتحقيق بوفاة جون أندرو، استاء وقرر ترك مدينة سدني، وفيما هو حائر أين يذهب، برز السائح الأمريكي روبرت، وعرض عليه أن يرافقه إلى ولاية تسمانيا مقابل أجر كبير. على متن السفينة يأخذ البحار في سرد حادثة الإبادة الجماعية البشعة التي تعرض لها الأبؤريجنيون على أيدي المستوطنين البيض في تسمانيا، وأخبرهم عن صندوق الذهب الذي خبأه الأبؤريجينيون في الغابة. وهناك أيضاً، تنشأ علاقة حب بين الراوي وماريان قائدة المركب الذي نقلهم من سدني إلى هوبارت، فيثير الأمر غيرة ستيف، صديق الراوي الذي كان متخفياً باسم رحالة أميركي، وهو الذي حاول الاعتداء جنسياً على ماريان عندما كانت مختبئة مع ريتشارد في دغل في الغابة، وتفصيل ذلك أنه انتهز فرصة خروج ريتشارد من المخبأ فدخل وحاول اغتصابها، قاومته وأخذا يتعاركان، في هذه اللحظة يدخل الراوي (ريتشارد) ويطعنه بالسكين فيرديه قتيلاً. أيقظت هذه الحادثة صحوة في نفس ريتشارد (الراوي)، وحولته من رجل ضعيف سلبي يعيش عالة على المجتمع إلى آخر مسؤول يفكر في إنشاء عائلة ويكون له زوجة وأبناء وبيتاً. وفيما كان العاشقان يهنآن بنصرهما على الشرير الأدمي، أربكهما ظهور النمر التسماني الذي يقال إنه انقرض. تعاملا معه بحكمة ورويّة فلم يؤذِهما. واستطاعت ماريان التقاط صورٍ له استخدمتها لتحقق كشفاً أدهش الناس واستغلها التجار في ترويج سلعهم:

“لقد عشت في الغابة زمناً، وفهمت منها أنّ الانتصار للقويّ، وليس للضعيف والجبان، وأصابتني رصاصة في خاصرتي وكدت أفقد حياتي، والذهب الذي كنا نبحث عنه ليس قادراً على أن يشتري رمقاً من حياة. فكم يكون عظيماً لو نضحي بالمادة من أجل انتصار أرواحنا، بدلاً من أن نضحي بأرواحنا من أجل التراب. وكم أتمنى لو أنّ ماريان تعرف

أنّ الذهب لا يزيد ولا ينقص. . . وكم أرجو أن أخبرها ذات يوم قصّة حياتي! وكيف أنّني رأيت الغنى والفقر لا يختلفان، فالغنيّ والفقير، والقوي والضعيف، والمارد والهزيل، يمتلكون معاً هذه الدنيا، والمال بالنسبة لي، وسيلة عيش، ولم تكن حياتي وسيلة لجمع المال. قد أتزوج ماريان، ويكون لنا بيت وحديقة وأولاد صغار، وهذا أجمل ما أطمح إليه الآن.

* * * *

يعتمد الدويهي في روايته “الإبحار في ذاكرة الزمن” أسلوباً حداثياً تمرد فيه على أساليب القدماء فهو لا يتبع التسلسل الزمني المتبع في الرواية التقليدية، بل يقفز بها بين الماضي والحاضر ويبشر أحياناً بالمستقبل. كما أن سرده لم يقتصر على معالجة السلوك الخارجي لشخصيات روايته، بل ذهب عميقاً في وصف انفعالاتها الداخلية وما تعانيه من اضطرابات نفسية كالخوف والقلق والحيرة والتمرد على الذات:

“استطيع أن أتصوّر كيف كان إحساس جون أندرو قبل أن يُسلم روحه بلحظة واحدة. لا ريب في أنَّه اكتشف الموت، وهو يقترب منه. فتح عينيه بقوة ليرى الأشياء أكثر. انتفض جسده. حاول أن يمد َّ يده لميسك بالهواء، قبل أن يسقط في هّوَّة عميقة لا  قرار لها… كان

متألماً، لكن َّ خوفه كان أشد َّ من الألم. شعر بأنَّه في قلب نفق مغلق، لا مخرج له. وسمع

صوتاً في داخله، لم يعرف ما هو. سيطرت عليه حالة جنون. فقد صوابه. أراد أن يصرخ    فلم يتحرَّك لسانه. كانت في حلقه فحمة سوداء منطفئة، هي روحه”.

وقد ترك المؤلف في روايته إيحاءات وظلال وفواصل لفهم القارئ/ة ليكوّن رؤيته الخاصة عنها وتضمين إسقاطاته الذاتية عليها. ثم إنه من خلال القراءات المتعددة التي هي رؤى متنوعة يجتمع لدينا كمٌّ كبير من الأفكار تساعد في توليد أفكار كثيرة تسهم في إبقاء الرواية الإنسانية خالدة لأجيال وأجيال4.

وتنزع رواية (الإبحار إلى حافة الزمن) نزعة تأملية ذاتية بمعنى أن الإنسان بإمكانه أن يتعرف على أسرار الخلق عن طريق التأمل دونما حاجة إلى واعظ أو مرشد دينيّ، فتقول:

“أمّا وجود الله، فأفهمه على طريقتي، وأعتقد أن ّ الناس يخطؤون عندما يصوّرونه إنساناً عظيماً، فيقولون في أنفسهم: إنّ الإنسان عاجز عن أن يرفع جحراً كبيراً عن الأرض، فكيف يستطيع أن يخلق عالماً لا حدود له؟ والحقيقة أنّ الله ليس إنساناً، هو قوة

هائلة.. هو في المطلق طاقة كونيّة، ومَحبّة، وتسامح…ولكم أرجو، أن يسامحني لكثرة أخطائي، ويشملني بمحبّته ذات يوم. كيف يمكن أن يكون الله غير موجود، وهو يمتد أمامي في البحر، وفي أشرعة صغيرة تعانق النسيم، وفي الحديقة الغناء والأرض المزهرة، والطيور التي تحيط بي من كلّ جانب، وتعزف سيمفونية عذبة، وفي السماء والأفق، وفي قلبي الذي يتعطش إلى عطف الإله وعنايته”

ولعله من المفيد أن نذكر أن هذه الفكرة تتناص مع رواية ابن طفيل، “حي بن يقظان” التي تقول بأن معرفة الخالق تتأتى للإنسان عندما ينضج فكره وينصرف إلى التأمل في الكون. فهي تحكي قصة إنسان استقر به الحال وهو بعد طفل على أرضٍ لا إنسان فيها، فاتخذ من الحيوان مُرضِعًا، ومن الطبيعة مأوى، فافترش الأرض والتحف السماء، ولما كبر واشتد عوده ونضج فكره، انصرف إلى التأمل في الكون، وهو الأمر الذي قاده إلى حتمية وجود خالق لهذا الكون5.

* * * * *

حققت رواية (الإبحار إلى حافة الزمن) ما أجمع عليه الدارسون في أن الروية الجيدة هي مرآة حياتنا الاجتماعية المتنوعة وهي حالة تأمل ومحطة مراجعة لإعادة النظر وتقويم اعوجاج الذات, وإن الحياة نهر متدفق هادئ حينا وهادر أحيانا وأنه على الروائي أن يرصد تلك الحيوات ويصور ما هو كائن لينتقل إلى ما يجب أن يكون. ورغم ان الرواية عمل أدبي من نسج الخيال، ولكنها عكست بصدق صورة الحياة اليومية للمشردين في مدينة سدني على لسان راوٍ أسترالي من أصول لبنانية، يحكي عن طبيعة الحياة الاجتماعية والنواحي الثقافية في مدينة سدني التي يتجاور فيها المقدّس والخسيس: الكنيسة التي يلجأ إليها الخطأة والضعفاء والحوانيت المليئة بالراقصات والمومسات وحليقي الرؤوس. وولاية تسمانيا التي فيها من الغابات ما هو أجمل ما تراه العين وتسمع به أذن ومن حيث الأسلوب تتميز الرواية بأناقة صورها الشعرية وجدتها، وباستخدام المحسنات اللغوية من تشبيه واستعارة ومجاز، فمرة تُشبَّه الحياة بالمرأة القاتلة، وأخرى يستعير الموج من الحرير لطافته، وفي ثالثة  تكون المرأة فراشة ملونة وما إلى ذلك:

—الحياة ملعونة مثل امرأة قاتلة

—-حرير الموج

— حياتي لاهثة مستعجلة إنني أمشي في رياح الخريف

— كان الجميع يحتفون بعيد ميلادها وهي تدور بينهم سعيدة كأنها فرإشة ملوَّنة تحتفي بالربيع

—توقَّفت ُ عن الكلام مع المحقق في لحظة لابتلع غبائي.

* * * * *

وفي وقفة تأملية للراوي تقول الرواية رؤيتها: “الإنسانية هي صندوق الذهب الذي نملكه”:

تركنا الغابة وراءنا، فالغابة لأهل الغابة، ونحن أهل المدينة التي لا تغيب عنها الشمس، قلوبنا أضواء وأحلامنا كواكب في السماء وستمضي عصور كثيرة قبل أن نكتشف أن الروح التي في داخلنا هي أهم ما لدينا، فلا ذهب ولا أطماع ولا حروب تغير الإنسانية التي نمتلكها، وهي صندوق الذهب الذي فينا.

الهوامش:

-[1] جميل الدويهي، “الإبحار إلى حافة الزمن”، نسخة الكترونية،

https://www.google.com/search?client=firefox-b-d&q=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D8%B1+%D9%84%D8%A5%D9%84%D9%89+%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%85%D9%86+#vhid=G2sYu5Nood8wZM&vssid=l 

-2 صلاح فضل، لذة التجريب الروائي، القاهرة: أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، 2005

-3 للمزيد ينظر في: https://sites.google.com/view/jamilbooks

-4 من محاضرة ألقاها عبد الغني ملوك في رابطة الخريجين والجامعيين في مدينة حمص، ورد في: سلوى الديب، “بين الرواية الحديثة والتقليدية”، الثورة، 20/9/2018

-5 ينظر في:   https://www.hindawi.org/books/90463596/

رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=38626

ذات صلة

spot_img