spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

كارين عبد النور- الحسم لـ”الدونكيشوتية” والفرز السياسي في “مهندسي بيروت”

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «ما رأيناه...

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب بقلم صاحبة...

أ.د.عماد شبلاق- إجراءات التجنيس والتوظيف والتسكين … طلبات أصبحت مرهقة لكثير من المهاجرين!

مجلة عرب أستراليا- بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق- رئيس الجمعية...

هاني الترك OAM- ترامب الأسترالي

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دونالد ترامب هو...

د. زياد علوش-حمى الله أستراليا

مجلة عرب أستراليا- د. زياد علوش آلمتنا الأخبار التي تواترت...

كلمة البروفسورة علا غنوم في حفل إطلاق كتاب “السندباد ابن البلاد “للبروفسورة نجمة حجّار

مجلة عرب أستراليا سيدني- كلمة البروفسورة علا غنوم  في حفل إطلاق كتاب “السندباد ابن البلاد”للبروفسورة نجمة حجّار

‏‏الحضور الكرام

يسرني أن أقدم لكتاب البروفسورة نجمة حجار. لم ألتقي السيدة نجمة منذ سنوات طويلة. لذلك لم أتردد في تلبية طلب الدكتور رغيد واعتبر كلمتي اليوم تحية محبة إلى الدكتورة نجمة.

من منا لم يحلم بركوب طائرة أو سفينة أو سيارة أو دراجة أو حتى دابة تأخذه في جولة حول العالم ليكتشف الطبيعة والبلاد والشعوب في مختلف أنحاء الأرض؟ ‏أي طفل لم يحلم ببساط الريح ينقله إلى عوالم غريبة أو أن ينمو له جناحان يطيران به إلى الآفاق والكواكب القريبة والبعيدة؟ شكّلت أحلام الطفولة هذه بالإضافة إلى محدودية القدرات البشرية مادةً خصبة للأدب الشعبي. ‏لقد عبّر الإنسان منذ القدم عن أحلامه هذه بمختلف وسائل التعبير من الرسم على الجدران إلى النقش على الصخور إلى نسج الأساطير وغيرها.  ‏

لم تخلو حضارة من حكايات ‏السفر  والبطولات والمغامرات الغريبة من غلغامش إلى الإلياذة وغيرها من الملاحم الخالدة. من هنا يمكن ‏اعتبار ألف ليله وليلة الملحمة العربية. ‏في زمن البداوة وما قبل الإسلام لم يترك لنا العرب من آثارهم الأدبية غير الشعر. ‏عرف العرب السجع غير انه لم يكن مستساغًا أو واسع الانتشار كالشعر. ‏بالمقابل فإن الثقافات المجاورة التي اختلط بها المسلمون الأوائل من الفارسية إلى البيزنطية والمصرية وغيرها قد عرفت النثر والقصص الشعبي والديني. ‏كان على مركز الثقافة العربية أن ينتقل من الجزيرة إلى بغداد، قبلة الأمم ودرة التاج، حتى يتأسس النص التثري وينمو القصص الشعبي.

دُوِّنت حكايات ألف ليلة وليلة في أوج الحضارة العربية الإسلامية إبان ذروة تألقها ‏في الحقبة العباسية التي ازدهرت فيها العلوم والفنون والآداب والفلسفة والمجتمع. طبعا لم تُؤلف هذه الحكايات في العصر العباسي ولم تكن مصادرها عربية بحته. وإنما ‏شكّلت حالة الرخاء الاقتصادي والفكري الظرف المناسب لتجميع الروايات الشعبية من مختلف الأقطار التي تعرّف عليها المسلمون سواء في فتوحاتهم أو تجاراتهم أو اسفارهم في ذلك العصر. ‏لست خبيرة اجتماع أو تاريخ كي أفصّل كثيرا في هذا الموضوع. ولكن السؤال عن لماذا سُطِّرَت الكتب الشعبية في ذلك العصر العباسي بالذات لهو بالآمر الجدير بالبحث. ربما يعود ذلك إلى البحبوحة الاقتصادية التي نشأت عنها ‏الحاجة لترفيه الجماهير على نطاق واسع. على كلٍ هذا ليس موضوعنا اليوم وإنما أحببت أن أقدم للظروف التي كتبت فيها مغامرات السندباد البحري وهي موضوع كتاب الدكتورة نجمة حجار.

 

‏تروي شهرزاد ‏للملك شهريار حكاية السندباد البحري في ثلاثين ليلة، وبالتحديد من الليلة (٥٢٩) التاسعة والعشرين بعد ‏الخمسمائة حتى الليلة (٥٥٨) ‏الثامنة والخمسين بعد الخمسمائة. وتمتد حكايات السندباد السبعة على حوالي ٢٠٠ صفحة (ص ١٣٦-٢٠٣) من المجلد الثالث. ‏في حين أن الدكتورة نجمة اختصرت هذه الحكايات في مائة صفحه أي أنها استطاعت أن تحذف ‫نصف النص دون أن تمس بجوهر الحكاية أو تغير في النفس القصصي. ‏وأظن أن هذا إنجاز يحتسب للدكتورة نجمة، ولسوف أعود إلى هذه النقطة لاحقًا.

كُتب ألف ليلة وليلة بلغة عربية خفيفة وأحياناً ركيكة مقارنة مع مستوى اللغة العربية المستخدمة في الآداب والعلوم في ذلك العصر.  مثلا ثمة فارق شاسع بين اللغة الضعيفة التي كتب فيها القصص الشعبي الموجه لعامة الناس وبين اللغة العربية القوية التي استخدمها بلغاء ذلك العصر ومنهم الشعراء مثل أبي النواس والأدباء مثل الجاحظ والعلماء مثل ابن سينا والفقهاء مثل الغزالي وغيرهم.  يصعب على القراء أو الطلاب في البلدان العربية اليوم أن يمسك احدهم بكتاب الجاحظ ويتمكن أن يقرأه ناهيك عن أن يفهمه دون الاستعانة بالخبراء والقواميس. ‏

بالمقابل لن يجهد كثيرا أي قارئ عربي أو قارئة عربية ممن تلقى مستوى جيد من التعليم أن يقرأ ويفهم كتاب ألف ليلة وليلة. فهو ليس بالكتاب الصعب ولغته التي استخدمت فيها الكثير من الكلمات العامية تعتبر معاصرة إلى حد مدهش. ‏بالإضافة إلى أن مغامرات السندباد قد تناولتها الكثير من الأفلام المصورة الموجهة إلى الأطفال. لذا فإن آى طالب يتناول قصص السندباد لن يتعذر عليه كثيرا أن يتابع ويفهم النص بما انه قد تعرف مسبقا على تلك المغامرات ‏من خلال الأفلام.

‏لذلك وبعد أن قرأت‏ كتاب الدكتورة نجمة، عدت إلى الكتاب الأصلي وسألت نفسي، هل نحن بحاجة إلى تحديث ألف ليلة وليلة وقصص السندباد؟ ‏وجدت انه على الرغم من سهولة اللغة إلا أن الكتابة الشعبية في ذلك العصر زخرت بالتكرار والحشو والمقدمات الطويلة التي لا فائدة منها والتي قد ينفر الطالب المبتدئ منها. مثال على تلك المقدمات اللازمة التالية (بلغني انه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان) إضافة إلى الأشعار التي غالبا ما تكون مملة وسطحية.

‏هكذا نرى أن الدكتورة نجمة قد أفلحت في ترشيق النص الأصلي عبر التقليل من الحشو والتكرار. هكذا تمكنت الدكتورة نجمة أن تروي الحكاية بكل تفاصيلها دون نقصان في نصف عدد الصفحات من الكتاب الأصلي. ‏

تكتسب هذه المبادرة فائدة كبيرة ‏ومن خلال تقديم نسخة جديدة من حكايات السندباد مع الإخلاص للنسخة الأصلية بلغتها الخفيفة وتفاصيلها القصصية مع إزالة ما قد يدفع القارئ للملل حتى تأتي الحكايات سريعة وخفيفة وفي متناول ‏عموم الطلاب والقراء العرب. تبقى الفائدة الثانية والمهمة وهي إعادة أحياء هذا التراث الشعبي العربي وإعادة تسليط الضوء عليه بلغته الأم. إذ لابد من أن نلاحظ أن الغرب قد اهتم بشخصية السندباد أكثر بكثير مما اهتم به أهله العرب، ‏ولا بد هنا من الإشارة إلى اللفتة اللطيفة في كتاب الدكتورة نجمة حيث عنونت كتابها السندباد أبن البلاد أي أبن البلاد العربية.

‏والسندباد شخصية فذة تحمل الكثير من الخصال الملهمة للأطفال والشباب تحثهم على السفر والشجاعة والمغامرة واكتشاف الآخرين والذات، وجميعها صفات ‏مفيدة للشباب العرب. ولكن كما ذكرت المؤلفة في مقدمة الكتاب فإن هذه الشخصية تحتاج إلى بعض التحديث القيمي وليس فقط اللغوي كما فعلت المؤلفة من أجل أن تحاكي هذه الشخصية الجميلة العصر وتلحظ تغير المفاهيم وتطور القيم. ‏لقد رفعت المؤلفة الغطاء عن كنز ثمين. ما زال هناك الكثير الكثير من المجالات بل الضرورات لاستكشاف شخصية السندباد وإعادة تأهيلها وتطويرها والاشتغال عليها من اجل تقديمها للأطفال والكبار معًا.

في الختام أشكر الدكتورة نجمة على هذه الإضافة الأدبية والتربوية في مجال الأدب الشعبي العربي. كما أشكر الدكتور رغيد على منحي هذه الفرصة لأتحدث عن السندباد وهي إحدى الشخصيات المحببة عندي وأشكر الحضور الكرام.

رابط مختصر.. https://arabsaustralia.com/?p=23993

ذات صلة

spot_img