spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

هاني الترك OAM- نعم كان قبلها وإعتذرت له

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دخلت المواطنة أولغا...

ريما الكلزلي- قراءة في فكر الباحث ماجد الغرباوي

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة ريما الكلزلي تجلّيات التنوّع...

أ.د.عماد شبلاق ـ الشعب يريد تعديل النظام!

مجلة عرب أستراليا- بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق-رئيس الجمعية الأمريكية...

كارين عبد النور- الحسم لـ”الدونكيشوتية” والفرز السياسي في “مهندسي بيروت”

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «ما رأيناه...

كايد هاشم – الاستقلال وروح النهضة العربية

مجلة عرب أستراليا سيدني

الاستقلال وروح النهضة العربية

بقلم الكاتب كايد هاشم

لمفهوم الاستقلال الوطني صلة وثيقة بفكرة الحرية والنّديّة والانعتاق من التبعية، ورفض الظلم، ومقاومة الاستلاب، والتمسُّك بامتلاك السيادة داخلياً وخارجياً وممارستها، ما يجعله مفهوماً قيمياً عالياً للحياة، يستمدّ من قداسة الحرية والحقوق في الحياة الفضلى التي وهبها الخالق عزَّ وجلّ لخلقه؛ جوهر معناه الاصطلاحي للوطن والإنسان المواطن والمجتمع، فلا تكوين صالح للعلاقة بين الوطن ومواطنيه، وبين المواطن والمجتمع، دون شعور حقيقي وصادق بالانتماء إلى المكان والمجتمع، ووعي بالتاريخ، والاستناد إلى الثقافة والتراث، والتطلُّع إلى التحديث والتطوير والتقدّم، مع احترام القيم الإنسانية والعادات والتقاليد المعبِّرة عن روح المجتمع، إلى جانب سائر عناصر الإطار الفكري للاستقلال التي تبني المواطنة وتشكّل الروح الجمعية للوطن والناس، وتعزِّز في النفوس الإحساس بالكرامة، وحسّ المسؤولية والمشاركة والتضامن لحماية الوطن وإنجازاته ومقدّراته وصون كيانه بمكوّناته السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فضلاً عن الاستعداد للتضحية من أجل وطن منيع على عبث العابثين، وآمن مطمئن تتحقق فيه آمال أبنائه وطموحات أجياله.

جاء استقلال الأردن وإعلان المملكة الأردنية الهاشمية ومبايعة جلالة الملك المؤسِّس عبد الله الأول ابن الحسين، طيَّب الله ثراه، ملكاً على البلاد، في 25 أيار 1946، ضمن أجواء إقليمية ودولية دقيقة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، واحتدام التنافس الدولي من قبل القوى المنتصرة على حماية مصالحها في المنطقة، وتفاقم الضغوط الناتجة عن محاولات الحركة الصهيونية من أجل إقامة دولتها القومية على أرض فلسطين، بعد أن قطعت أشواطاً منذ ما قبل الحرب في تسريع الهجرة اليهودية إلى هذه الأرض، واستخدام الوسائل غير المشروعة في ذلك ومنها تهريب المهاجرين اليهود إلى الأرض الفلسطينية، مما كشف الأخطار المترتبة على هذه الممارسات ومستقبلها المتمثل حكماً في عدم استقرار المنطقة والصراع طويل الأمد.

ومَن يطلع على أدبيّات الاستقلال الأولى التي نَشَرت نصوصاً منها صحف الأردن وفلسطين إبان عام الاستقلال، وخاصة صحيفة «فلسطين» لصاحبها عيسى العيسى في يافا وهو أحد رجال الحركة العربية الذين عملوا مع الملك فيصل، رحمه الله، في عهد الحكومة العربية الأولى بالشام… مَن يطَّلع على هذه الأدبيات يجد حضوراً واضحاً لفكر النهضة العربية في الخطاب الأردني الرسمي المؤسَّسي إزاء هذه التحديات المتشابكة ومجابهتها، فمنذ اليوم الأول لإعلان الاستقلال وكما ورد في دعوة المجلس التشريعي – حينذاك–للانعقاد في دورة فوق العادة بدأت في 22 أيار 1946 بمقتضى سلطته الدستورية للنظر في تعديل القانون الأساسي «وإعلان البلاد الأردنية دولة مستقلّة استقلالاً تاماً على أساس النظام الملكي النيابي طبقاً للأماني القومية، واستجابة لرغبة البلاد العامة المُبلَغة إلى الهيئات المسؤولة بواسطة المجالس البلدية». فقد استهلَّ الملك المؤسِّس عبد الله الأول، رحمه الله، نطقه السامي في مخاطبة شعبه يوم تسلّمه وثيقة البيعة من رئيس المجلس التشريعي بحمد الله على نعمائه والصلاة والسلام على محمد (صلى الله عليه وسلم) وآله وصحبه، ثم توجّه بالشكر إلى الشعب الأردني والحكومة لما بايعاه به، ولما حقَّقاه من «أمل البلاد وأماني الثورة العربية التحريرية، وذلك بإعلان بلادنا الأردنية دولة مستقلّة استقلالاً تاماً تعتز بأن تظلّ الوفيّة لميثاق الوحدة القومية والمُثُل العربية»، وأكد جلالته ذلك بقوله: «وإننا في مواجهة أعباء ملكنا وتعاليم شرعنا المثابرون على خدمة شعبنا والتعاون مع إخواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الإنسانية كلها»، وأتبع ذلك بالدعوة إلى الحرص على توطيد أحسن العلاقات مع الدول الصديقة أيضاً تأييداً للتعاون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة، ما يمثِّل طبيعة النهج الأردني كعضو فاعل في المجتمع الدولي وله سيادته الكاملة والفاعلة في علاقاته الخارجية، والتزاماته بالشرعة الدولية، كما التزامه بعروبته ونهجه الإنسانيّ.

أما فلسطين فقد خصّها جلالته بعبارة جليّة التعبير عن مكانتها في الوجدان والنّهج الأردني القومي حين قال ما حرفه: «على أننا ونحن في جوار البلد المقدَّس فلسطين الكليمة ستظلّ فلسطين بأعيننا متوجهين إلى الله بأن يسدِّد خطانا ويثبتنا في طاعته».

وبذات المعاني تكلَّم وزير الخارجية آنذاك محمد الشريقي في حفلة التتويج واصفاً يوم الاستقلال ب «يوم الفصل في تاريخ هذا الجزء العزيز من أجزاء الوطن العربي الأكبر بإعلان استقلاله التام وتجنيبه براثن الصهيونية وزوال الانتداب عنه زوالاً نهائياً»، كما تحدث عن وضع دستور جديد للدولة يتفق مع حاجاتها وروح العصر، وحفظ التوازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتوثيق الصلات والأواصر مع الأقطار العربية، والسعي الحثيث في سبيل حرية فلسطين العزيزة وإحقاق حقها، إلى ما هنالك من تأكيد الروح الودّيّة مع الدول الأصدقاء في العالم، بما في ذلك بريطانيا التي غدت العلاقة معها منذ ذلك الحين كدولة حليفة في نطاق ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. ووضع الشريقي هذه المعاني في سياق معنى الاستقلال بما عدّه «مفهوم التعاون الأممي الحرّ النزيه» الذي «لا يغمط من حقّ المساواة ولا يستهدي إلا بضوء المصالح المتبادلة والحقوق المتقابلة».

وفي المجمل فإن المعاني النهضوية العربية التي تطبع هذا الخطاب الأردني بطابعه ما هي إلا معالم رؤية لبصيرة نافذة في تأسيس الدولة واستقلالها ومنجزاتها ومستقبلها، وإلى هذه الرؤية يستند صون الارتباط بالأمّة والالتزام بقضاياها المصيرية، وتعزيز الأولويات الإنسانية في سبيل الإسهام بإحقاق الحقوق ونشر مفاهيم التعاون والتضامن على مستوى البشرية بأسرها، وهي في المجمل القيم التي تشكِّل قوّة معنويّة موضوعية في أسس ومبادئ الحُكم العربي الهاشمي ونهجه الذي أثبت قوة استمراريته وجدارته على امتداد عهوده في تحمّل المسؤولية للحفاظ على روح النهضة وتجديدها، والعمل الخالص لتكون نهضة للأمّة تعزِّز الدور الحضاري العروبي وإسهامات العقل العربي في أبعاد التعاون والمشاركة الفكرية من أجل عالمٍ حرّ تسود فيه العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.

نائب الأمين العام للشؤون الثقافية بمنتدى الفكر العربي

رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=29458

ذات صلة

spot_img