spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 51

آخر المقالات

هاني الترك OAM ــ شخصية من بلدي

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الكاتب هاني الترك OAM إن الإنسان...

منير الحردول ـ العالم العربي بين ثقافة الوجدان ونظريات الأحزان

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الكاتب منير الحردول لعلّ السرعة القصوى...

كارين عبد النور ـ لبنان،حربا 2006 و2023: هاجس النزوح وكابوس الاقتصاد

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور ثمة مخاوف...

فؤاد شريدي ـ دم أطفال غزة يعرّي وجه هذا العالم

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الشاعر والأديب فؤاد شريدي   دم...

الدكتور طلال أبوغزاله ـ العدالة الدولية في مواجهة الحماية الغربية للكيان

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الدكتور طلال أبوغزاله الجدل المحيط بمحاولة...

كارين عبد النور ـ أساتذة وطلاب قطاع التعليم الرسمي اللبناني: “أغيثونا!”

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور

يواجه قطاع التعليم الرسمي في لبنان انهياراً تاريخياً ينعكس بتداعياته على أعداد الأساتذة كما على أدائهم وأوضاعهم الوظيفية. ذاك خصوصاً بعد أن أدّت الأزمة الاقتصادية المستمرّة منذ سنة 2019 إلى تآكل قيمة رواتبهم بنسبة 82%. إضافة إلى تراجُع الثقة بالتعليم الرسمي ودخول آلاف الطلاب من السوريين النازحين في ظلّ غياب أي سياسة حاسمة تتصدّى للتحدّيات وتنتشل القطاع من كبوته.

في دراسة أعدّتها الأستاذة والنقابية اللبنانية، سهام أنطون، ونُشرت مؤخراً في المفكرة القانونية، تبيّن أن متوسط رواتب الأساتذة “المثبّتين في الملاك” في التعليم الثانوي تراجع إلى 31 مليون ليرة لبنانية، أي ما يعادل 344 دولاراً أميركياً. أما في التعليم الأساسي، فيبلغ المعدّل 20 مليون ليرة، أي 222 دولاراً. من ناحيتهم، لا يتخطى أجر الساعة التعليمية للأساتذة “المتعاقدين” في الثانوي 3 دولارات، و”المستعان بهم” يتقاضون 7 دولارات عن كلّ ساعة في الأساسي و12 دولاراً في الثانوي.

وبحسب النشرة الإحصائية للمركز التربوي اللبناني، الصادرة عن العام الدراسي 2022-2023، بلغت نسبة الأساتذة في التعليم الرسمي من مجموع الأساتذة في لبنان أدنى مستوى لها منذ 9 سنوات (39.9%)، بينما حافظت خلال السنوات التسع الماضية على نسبة تراوحت بين 42 و44%. كذلك، بلغت نسبة أساتذة ومعلّمي الملاك 44.8% – وهو أيضاً أدنى معدّل منذ تسع سنوات. أسباب هذا التراجع وتفاصيل أخرى متّصلة ناقشتها جريدة “الحرة” مع أنطون.

الأعداد الشبابية تتراجع

البداية مع أسباب تقلُّص أعداد الأساتذة التي نسبتها أنطون بشكل أساسي إلى انخفاض عقود التعاقد الجديدة كما الاستقالات التي لحقت بأفراد الهيئة التعليمية وبعض المتعاقدين نتيجة تراجُع قيمة الرواتب. وأضافت: “هذا ما أدّى إلى خسارة المدارس الرسمية للكفاءات وأصحاب الخبرة، ما يُعدّ إضعافاً مستداماً للمدرسة الرسمية، لا سيّما وأن بناء خبرات بديلة يستلزم وقتاً طويلاً”.

معضلة أخرى أشارت إليها أنطون تتعلّق بتوزيع الفئات العمرية للأساتذة في التعليم الرسمي، حيث دلّت إحصاءات المركز التربوي للعام الدراسي 2022-2023 إلى أن 68% من الأساتذة في القطاع العام تتراوح أعمارهم بين 31 و50 عاماً. فماذا يعني ذلك؟ “هذا يؤكّد مغادرة الأساتذة قبل بلوغهم سنّ التقاعد لأن مهنة التعليم لم تعد توفّر لهم حياة كريمة”.

بالمقابل تتدنّى نسبة الأساتذة دون 30 عاماً ما يعني انخفاض أعداد الشباب الذين يختارون هذه المهنة وتفضيل الهجرة عليها. “هنا يتوجّب دقّ ناقوس الخطر للتحذير من شيخوخة الكوادر التعليمية في المدرسة الرسمية، ما يعرقل قدرتها على النهوض والاستمرار”، بحسب أنطون.

لا ثقة في التعليم الرسمي

نبقى مع تفاصيل الدراسة حيث تبيّن أن 43% من الأساتذة الذين شاركوا في استبيان الرأي لا يثقون تماماً في التعليم الرسمي، إما بسبب ضعف المناهج أو تأثير القرارات السياسية سلباً على فعالية التعليم وضعف الحوكمة، كما لعدم انتظام العام الدراسي وعدم اكتمال الكادر التعليمي وضعف إعداده وترتيبه. أنطون فسّرت هذه النسبة بالقول: “إن مستوى التخريب الذي طال التعليم الأساسي غير مسبوق، من حيث أعداد المتعاقدين والتدخلات السياسية في تعيين المدراء والمديرات والمناقلات وإضعاف الرقابة والمحاسبة وحشو الأزلام والمحاسيب وغضّ النظر عن مختلف أنواع الفساد. وما سهّل للسلطة طريق المضيّ في هذه السياسات الشائنة هو توفُّر بديل قليل التكلفة تؤمّنه الطوائف ويتمثّل بالتعليم المجاني. ولا شكّ أن السياسات المتّبعة في هذا المجال ليست عفوية وإنما هي نتيجة إهمال واضح ومقصود”.

التغطية الصحية معدومة

ماذا عن الفاتورة الصحية لأساتذة القطاع العام؟ 86.4% من الأساتذة الذين شملهم الاستبيان لا يتمتّعون بأيّ تغطية صحية، إذ بات الأستاذ عاجزاً عن تغطية تكاليف علاجه أو استشفائه الدوري. وتشرح أنطون في هذا السياق أن انخفاض نسبة ما تغطّيه تعاونية موظّفي الدولة من قيمة الفاتورة الصحية شكّلت هي الأخرى معضلة جوهرية، حيث بات معدّل تغطية التعاونية لا يتعدّى 39% من قيمة الفاتورة الطبية، بعد أن وصل إلى 75% قبل الأزمة الاقتصادية. “أما العبء الآخر والأخطر فيتمثّل في كلفة الأعضاء الاصطناعية (prothèses) الذي تُحقّق فيه الشركات المستورِدة الحصرية نسبة أرباح قد تصل إلى 2000%. وتشكّل هذه الشركات جزءاً من الكارتيلات التي تتحاصص قوت المواطن. ورغم أن تعاونية موظّفي الدولة حاولت استيراد تلك الأعضاء غير أن مساعيها جوبهت بالرفض”.

إستياء يفاقم الأزمة

نسأل أنطون عن مدى رغبة الأساتذة في الاستمرار بالعمل في القطاع العام، فتوضح بأن 28.6% فقط ممّن شملهم الاستطلاع لا مانع لديهم من الاستمرار، أما الباقون فأبدوا عدم رغبتهم أو أن استمرارهم سببه انتفاء الخيارات الأخرى، ما ينعكس على مدى التزام هؤلاء بالعمل وسعيهم إلى تطوير مهاراتهم. كما عبّر البعض عن امتعاضهم من التحكّم الحاصل حالياً من قِبَل الجهات الحزبية والمذهبية. أما البعض الآخر، فتحدّثوا عن أهميّة تطوير التعليم الرسمي واستعادة دوره وفعاليته بعد التردّي الملحوظ الذي أصاب المناهج والتسلّط الذي تمارسه الإدارة والتي تتصرّف وكأن المؤسسة ملك خاص لها.

هذا الاستياء لا بدّ وأن ينعكس سلباً على أداء الأساتذة، حيث أعرب 53.3% منهم عن تأثُّر أدائهم بالأزمة. وتراوحت نتائج هذه الانعكاسات بين التشتّت النفسي والقلق بسبب تراجُع التغطية الصحية والمشاكل المادية، كما الشعور بالذلّ والإهانة نتيجة النقص في الخدمات والحاجات الأساسية وعدم الاستقرار. ناهيك بالتفاعل السيئ بين أطراف العملية التعليمية ونقص الجدّية في التعاطي.

انعكاسات بالجملة

لم تقتصر انعكاسات الأزمة على أداء الأساتذة في القطاع العام، إنما تعدّته لتشمل الطلاب وذويهم كما الأجواء المدرسية بشكل عام. “يعاني الطلاب من فقدان الدافع وغياب الطموح. وقد نزح المتفوقون والقادرون منهم إلى التعليم الخاص. ثمّ إن التقليص المتكرّر للمنهج ترك أثراً فادحاً على مستوى التعليم في المدرسة الرسمية، ما تُرجم اتّساعاً للهوّة بين قدرات الطلاب ما ولّد إحساساً عاماً باليأس لدى البعض”، كما تعلّل أنطون.

توازياً، تغيّرت أولويات الأهل مع تغيُّر القدرة الشرائية إذ باتت بعض الأسر عاجزة عن تأمين الحاجات الأساسية ما أجبر الطلاب على مساعدة ذويهم، فارتفعت نسب عمالة الأطفال وحالات الزواج المبكر على حساب التعلّم. والنتيجة ازدياد أعداد الطلاب الذين يعانون من تدنّي المستوى التعليمي أو الرسوب المتكرّر أو حتى من أزمات سلوكية ونفسية.

حتى مظاهر الفقر باتت تتجلّى بوضوح في كافة تفاصيل المدارس الرسمية من حيث عدم توفُّر الكهرباء بشكل مستدام؛ قلّة التدفئة؛ نقص تمويل الأنشطة اللاصفيّة والكتب والقرطاسيّة. فبات العديد من التلامذة يُحضرون أغطية صوفيّة إلى الصفّ ليتّقوا البرد في حين أن المساعدات المخصّصة للتدفئة ضائعة بين الجمعيات ووزارة التربية وبعض المدراء.

دمج النازحين يعمّق الشرخ

يؤكّد البعض أن من أبرز أسباب تدنّي مستوى التعليم الرسمي هو الفرق بين تعليم اللبنانيين وتعليم السوريين، خصوصاً وأن الأخيرين يندمجون في دوام قبل الظهر مع المتعلّمين اللبنانيين. لذا، يتعيّن طرْح التحدّيات التربوية والتعليمية الكبيرة التي يفرضها دمج النازحين، ومنها تأثيرهم على مستوى التعليم – وتحديداً في اللغات الأجنبية والعلوم التي تُدرَّس بهذه اللغات – وعدم توفُّر أي مراجع لمناقشة هؤلاء الطلاب وزملائهم من اللبنانيين حول تحدّيات الحياة المشتركة في المدرسة والأزمات التي تتولّد عنها.

“بالمقابل، لا يتوافر أي إعداد للأساتذة للتعامل مع هذا الواقع المستجدّ. وفوق هذا وذاك، يخلط وجود النازحين الأوراق اللبنانية القائمة على الفرز الطائفي المناطقي، إذ ينتشرون في كلّ المناطق ويفرضون اختلاطاً طائفياً لم يكن في الحسبان، ولهذا تأثيره الإيجابي أحياناً لكنه يولّد أيضاً بعض عوامل التوتّر أحيانا أخرى، ما يؤكّد ضرورة إيجاد أدوات مناسبة تسمح بالمعالجة”، والكلام دوماً لأنطون.

نزاعات بغياب الوزارة

في وقت يُفترض فيه أن تكون وزارة التربية هي المتصدّي الأول لهذه التحدّيات، أثبتت المرجعية الوزارية في أكثر من مناسبة استخفافها بالأساتذة وعدم تقدير عملهم، بحسب المراقبين. وهذا ما حصل حين بشّرهم الوزير نفسه بزيادة الحوافز بمبلغ 5 دولارات شهرياً ما أدّى إلى “انتفاضة الكرامة” وامتناع أكثر من 85% من الأساتذة عن التعليم لمدّة 3 أشهر خلال العام الدراسي 2022-2023. وتزيد أنطون أن الوزير لجأ أيضاً إلى “عصا العقوبات” حيث طالب التفتيش المركزي بإنزال العقوبات بالأساتذة، كما ضغط على موظّفي الوزارة في مديرية التعليم الثانوي ليراقبوا ما يصرّح به الأساتذة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث استدعت الوزارة عدداً منهم للتحقيق معهم على هذه الخلفيّة.

“من أشدّ النزاعات التي حصلت هي تلك الخلافات بين الأساتذة الذين امتنعوا عن التعليم خلال “انتفاضة الكرامة” وأولئك الذين لم يلتزموا بالقرار نتيجة ضغوطات أحزاب السلطة، ما أنتج المزيد من الإحباط وانخفاض الدافعية”، وفق أنطون. “وسط كلّ ذلك، تغيب وزارة التربية والمركز التربوي عن معالجة الأزمات حيث أن كلّ ما قدّماه هو مشاريع “همايونيّة” مثل تطوير المناهج بأموال البنك الدولي لمدارس تترنّح تحت وطأة الأزمة وأساتذة ومتعلّمين لم يعدْ لديهم الحدّ الأدنى من المستوى المطلوب”.

من هنا تصبح الأسئلة الأشدّ قتامة مشروعة: ماذا يتعلّم من فقد الأمل والثقة في صرحه التربوي؟ وكيف يؤدّي الأساتذة مهامهم وهم يشعرون بالذلّ والإهانة؟ وبالنسبة لتعليم النازحين، ما البرامج التي تدعم التفاعل والتواصل بين العناصر المختلفة والمتنافرة أحياناً؟ وبالتالي، هل نحن أمام ارتفاع متصاعد لمخاطر التسرّب المدرسي؟ التحدّيات جمّة. فهل يمكن أن تأتي الحلول على يد منظومة أوصلت بنفسها المدارس الرسمية في لبنان وأساتذتها وطلابها إلى هذا القعر المظلم؟ لسان حال هؤلاء يتكفّل بالإجابة: “غدَونا مرضى نفسيّين يسيطر علينا الإحباط والشعور بالاستعباد”.

رابط النشر-https://arabsaustralia.com/?p=38095

ذات صلة

spot_img