spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 46

آخر المقالات

هاني الترك OAM-هذا ليس خلقاً من العدم

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM طوّر العلماء الاستراليون...

كارين عبد النور- قصّة أنف نازف… وإبرة وخيط

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «فتنا على...

د. زياد علوش- قرار مجلس الأمن الدولي”2728″يؤكد عزلة اسرائيل ولا ينهي العدوان

مجلة عرب أستراليا- بقلم د. زياد علوش تبنى مجلس الأمن...

هاني التركOAM- البحث عن الجذور

مجلة عرب أستراليا-بقلم هاني الترك OAM إن الانسان هو الكائن...

إبراهيم أبو عواد- التناقض بين الحالة الإبداعية والموقف الأخلاقي

مجلة عرب أستراليا-بقلم الكاتب إبراهيم أبو عواد الإبداعُ الفَنِّي يَرتبط...

عناية جابر-(الجديد الشعري لشوقي مسلماني)

مجلة عرب أستراليا سيدني

(الجديد الشعري لشوقي مسلماني)

بقلم الكاتبة عناية جابر

تدهشنا رؤية شاعر يقف بعنف، بكلّ قواه، ضدّ كلّ ما يشكّل قصيدة التفاصيل، تمثّل تمرداً هائلاً لكائن غير متكيّف مع عالمه، ومجاهد عنيف في نفس الوقت، لخلق عالم آخر لنفسه، على مقاس أحلامه. حيث يستمدّ الشاعر قوانينه الأدبية من نفسه، ويطبّق على الفور، رؤيته الشعرية الخاصّة.

قصيدة النثر التي سبق أن أكّدت على جوهرها الفردي والفوضوي، تقدّم في عمل مسلماني الشكل الأدبي لتمرّد ضد الثوابت. دائما الشيء وضدّه،  بلغة مختلفة تترجم العالم. في السطور صرخات يأس وإقرار بهزيمة ما، وفيها الصمت والموت. مناخ عن عالم مغلق، غير قابل للإختراق، لكن يمتلك منطقه الخاصّ، ووحدته، وقوانينه الحيويّة.

الجانب الهدّام في عمل شوقي هو هذه الرقّة المتوحّشة التي سيترك الشاعر نفسه لها: “بعضُه أقبلَ مشرِقاً \ بعضُه آفلاً معتِماً \ بعضُه اختنقَ \ امّحى أثرُه \ وها هو منه حجر \ بعضُه وحده \ وعلى مسافةِ مئات ملايين الأميال \ مِن كوكبنا \ يصطاد بقصبةٍ مِنْ ضوءٍ  \ تنهيدةً \ في النهرِ اليابس \ بعضه عند قمّة جبل \ ولكي يطلعَ الفجرُ مطمئنّاً \ يقف شامخاً كتمثال \ شجرةَ تفّاحٍ \ سرقتْ تفّاحتَه الوحيدة”.

الواقع أنّ بعضاً من “أناشيد” مسلماني، يمكن قراءتها كميل خاصّ لمزاج الشاعر، يمنحنا الإحساس بضيق شبيه بذلك الذي نشعر به عند قراءة تراجيديّات قديمة. وإذا كان من غير الممكن إنكار الجانب التهكّمي والساخر في بعض المواقع لدى مسلماني، فمن المدهش أن نلاحظ أنّ نزعة السخرية الهدّامة لا تسيء هنا الى أصالة العمل، فبدونها لن يكون لـلمجموعة القوّة الشعرية وإمكانيّة التأثير فينا بعمق. ولا شكّ أنّ ذلك يطرح مشكلة معرفة كيف يمكن لهذا البعد السلبي في متن الأفكار أن يتعايش مع خلق عالم شعري، عالم غامض، لكنّه مخترق بالاشراقات، وكيف يمكن لقوّة التهكّم العقيمة ألا تصيب ذائقة المتلقّي بالتعب، بل هي على النقيض، تشعّ تعبيراً عن ارتعاشات حيويّة فياضة.

في عمل شوقي مسلماني، علينا الذهاب في ما يبدو، الى أبعد من هذا التناقض الظاهري، وعلينا القبول بما يدعى الجنون الفعّال للشاعر وقصائده. ثمّة أيضاً ديناميّة العمل هذه، وحقيقة أنّه في أساسه هجاء للعالم يفسّر الشكل الخاصّ الذي تتّخذه القصائد. لن يكون من الخطأ أيضاً  وجود نوع من السرد في القصيدة، وقد يستمرّ في بعض القصائد على امتدادها، ولن يكون خطأ آخر اعتبار المجموعة قصائد نثر، مقطّعة شعرياً بطريقة مستقلّة، تترك وتستعيد، وتحوّل الموضوعات المختلفة  على نحو يحقّق مناخاً أو تبريراً للإستمرار من مقطع شعري الى آخر، والاستطراد المستمرّ، رغم هذا، من أوّل نشيد الى الأخير.

ثمة إذن في مجموعة مسلماني، حدث متتابع بحلقات مختلفة، وهي رغم شكلها الخارجي المتنافر أحياناً، ليست متروكة بشكل مطلق للصدفة. هناك منطق ما، وضرورة ما تنحو الى أن تجعل، لا كلّ قصيدة فحسب، بل كلّ سطر في المجموعة، كلاً متكاملاً. “رأيتُه يرى المساحةَ الخضراء \ رأيتُه يرى المساحةَ الرماديّة \ رأيتُه لا يرى المساحة، رأيتُه تحتَ المساحة \ رأيتُه يحرث ويبذر في المساحة \ رأيتُه يحبُّ ويرى الزهورَ والورود \ يصغي لشدوِ الطيور \ عندَ المساحة”.

إنّه خلق عالم فانتازي، هنا العنصر الذي يجعل من السطور شعراً بأكثر من كونها سرداً لما هو واقعي، فلا علاقة للشاعر برصد الواقع مثلما لا علاقة له برصد الطبائع. في المشاهد التي تقترب من أن تكون روائيّة نشعر كقرّاء على الفور بأنّنا “مغتربون” ومنقادون خارج عالمنا المألوف. فانتازيا تتمثّل في إدخال الخليط، والتراكب بين عالمين، فمسلماني ماهر في فنّ قلب العالم الحقيقي، الذي يرفعه ويشقّه، ضغط جمال غير مرئي. هذا المسعى الشديد الخصوصيّة الذي يقود قصائد مسلماني، من رومانطيقيّة معتدلة إلى حدّ ما ومتوقّعة إلى فوضى جامحة لا تخشى أن تهدم كي تؤكّد بشكل أفضل فرديّتها، وهو ما يفسّر الإنتقال من قصيدة النثر التي لا تزال شديدة الأدبيّة إلى انفلات متفجّر، لكنّه إرادي حرّ وجذّاب.

ـ نُشِرت في جريدة الأخبار وذلك في حياة الشاعرة والناقدة والمغنية الراحلة عناية جابر.

رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=28949

ذات صلة

spot_img