spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

د. زياد علوش-حمى الله أستراليا

مجلة عرب أستراليا- د. زياد علوش آلمتنا الأخبار التي تواترت...

علا بياض- رئيس بلديّة ليفربول نيد مانون تاريخٌ حافلٌ بالإنجازات

مجلة عرب أستراليا-  مقابلة خاصة بقلم علا بياض رئيسة...

علا بياض- عيدكم سعيد

مجلة عرب أستراليا- بقلم علا بياض رئيسة التحرير   كلمة...

الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان يقيم إفطاراً في فندق ايدن باي لانكاستر

مجلة عرب أستراليا- الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان يقيم...

علي شندب – مئوية الدولة وأربعينية الدويلة

مجلة عرب أستراليا سيدني- مئوية الدولة وأربعينية الدويلة

علي شندب

بقلم الكاتب علي شندب

بعيداً عن الإستغراق في مدلولات مصطلح “الانهيار” الذي ابتُلي به لبنان، وما يرافقه بوتيرة متسارعة من تداعي لكافة قطاعاته، حيث يتبدى كيان الدولة أشبه بجيفة يلتهم الفساد أشلاءها. فيما لبنان عبارة عن شعوباً متناقضة لا يجمع بينها سوى الجغرافيا الممزّقة بفعل كانتونات معلنة ومضمرة حوّلت اللبنانيين رعايا لكانتونات طائفية بعد سنتين على مئوية لبنان الكبير الذي لم يخرج من كونه شعاراً فولوكلورياً يتغنى به بعض، وينتقده بعض آخر.

الشعوب اللبنانية عبر ساستهم ومتنفذيهم في المستنقعات الطائفية والمناطقية، لم يجمعوا يوماً على بنيان معنوي ومادي حقيقي لهذا الكيان، فلكل جماعة “لبنانها الخاص بها” المجسّد في مخيالها وتصوراتها وكتبها التربوية والتاريخية، ما ينفي قناعات الجماعات والمجموعات اللبنانية بلبنان واحد موحد متفق عليه.

لبنان الكبير، بحسب ما وشت به التطورات التاريخية كان تعبيراً عن حاجة أجنبية وفرنسية خاصة اقتضتها استدامة النفوذ الفرنسي، وليس وليد إرادات لبنانية جامعة. تطورات غيّرت عبر الزمن من وظيفة لبنان الكبير حتى أقصته عن دوره المتفرّد في البيئات العربية، فلم يعد لبنان مصرف العرب ومطبعتهم ومستشفاهم ونموذج التنمية وواحة الحرية والتعبير والصحافة والسياسة والثقافة التي يتنفس بها اللبنانيون وأيضاً المضطهدون في بلادهم.

مع مئوية لبنان الكبير، ذابت كل مساحيق التجميل، وتلاشت الأطاريح عن فرادة وميزات لبنان التفاضلية عن جواره القريب والبعيد، وبات بفعل الفساد والإفقار الممنهج يتسوّل من أرصفة الدول طاقته ودوائه ولقمة خبزه. فساد بات يشكل العمود الفقري للدولة، وأيضاً للدويلات المتناكفة في كنف الدولة التي هي في الأساس عبارة عن “جهاز علاقات عامة” ينظم العلاقات بين هذه الدويلات أو الجماعات الطائفية، حيث لكل جماعة خصوصيتها الدينية والثقافية والاجتماعية، والأخطر مرجعياتها وعلاقاتها الخارجية الخاصة بها، وأمام كل مختنق أو مفترق تلجأ هذه الجماعات كل بأسلوبها إلى حبالها مع بلاد الغرب والعجم، الذين حوّلوا لبنان إلى منصّة لتسويق مشاريعهم عبر القوة الناعمة والخشنة بغية السيطرة والنفوذ والهيمنة والتغوّل.

الحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي كانت البداية بعد نكبة فلسطين. ومن وحي وتضاريس هذه الحرب، طوّر الخارج مشاريعه وأسقطها على دول المنطقة، تدميراً وتفتيتاً وتغييراً للوظيفة والهوية والدور. يكفي أن مصطلح “اللبننة” بات يطلق على العراق وليبيا وسوريا واليمن وقبلهم الصومال.

وعلى طريقة الفيروسات المحوّرة والمطوّرة، غابت اللبننة، لصالح العرقنة والسورنة وأيضاً الصوملة، ولتتقدم “الليبنة” صفوفهم جميعاً. وإذا كان لبنان والعراق وسوريا متنوعون طائفياً وقومياً وإثنياً، فليبيا تشكل استثناءاً لافتاً، لأنها بأغلبها الأعمّ “مكوّن ديني وقومي” واحد. لكن الغرب تفوّق فيها على نفسه، ووجد بالعنصر القبائلي ضالته، فوضع أبناء القبيلة في مواجهة بعضها البعض، ما هدّد بإعادة ليبيا التي يتنازعها اليوم حكومتين متصارعتين، إلى زمن الأقاليم الثلاثة.

توازياً مع مئوية لبنان الكبير، نظّم حزب الله إحتفالات مركزة بمناسبة أربعينيته التي انطلقت تزامناً مع الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. أربعينية الحزب تحدثت بإسهاب عن سرديته الخاصة منذ مخاض ولادته حتى اليوم، وتضمنت تصوّراً للبنان من وجهة نظره، مختلف ومتمايز عن تصوّرات غالبية المكوّنات المختلفة الأخرى.

لم يكن حزب الله متفرداً في تقديم تصوراته. فقد سبقته غالبية القوى السياسية والطائفية، لكنه كان الأكثر جحوظاً ونفوراً. مردّ النفور من سردية الحزب فضلاً عن اختزاله المقاومة واحتكارها، أنه الطرف الوحيد الذي بنى “دويلة” حقيقية داخل الدولة، وعمل على تشييد بناها التحتية والفوقية المتنوعة والمتوازية ثقافياً ودينياً وإعلامياً وتربوياً وسياسياً واقتصادياً وتنموياً، ليبقى الجسم العسكري المدجّج بمئة ألف مقاتل المتقدم فيها والأكثر حساسية خصوصاً بعدما تجاوزت صواريخه المئة ألف صاروخ لم يصل أي منها إلى ما بعد حيفا.

بالأمس وضع حزب الله حجر الأساس لما سمّاه بـ “معلم جنتا” في البقاع. إنّه المعسكر الذي أسّس فيه “الحرس الثوري الإيراني” ودرّب أولى مجموعات حزب الله وزوّدهم بالدعم والخبرات المختلفة. وهو “المعلم” الذي أدخله حسن نصرالله في خانة السياحة الجهادية والروحية والثقافية، المختلفة جذرياً عن تلك التي عرفها لبنانيي وعرب لبنان الكبير.

اذن، ثمة تغيير بنيوي كبير في هوية شرائح مجتمعية واسعة، من شأنه أن يضرب هوية لبنان وسياحته الترفيهية المعروفة. تغيير يرتكز على فكرة تخليد جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني في معرض بيروت الدولي للكتاب قبل معلم جنتا الذي ربما سيحمل اسم سليماني، وانتهاء بتأكيد الولاء للمرشد الإيراني علي خامنئي. تغيير هوياتي تندمج فيها الجغرافيا مع الدينوغرافيا ليتسق مع سردية الحزب وتصوّراته للبنان الذي يريد.

تغيير هوياتي، كان رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين أبلغ من عبّر عنه منذ أيام “لبنان الماضي انتهى ولبنان الجديد يحتاج إلى صياغة قائمة على قوة وقدرة وعزم وإرادة”. كلام صفي الدين صاحب نظرية “اجتثاث النفوذ الأميركي” ليس مجرّد نعي للبنان القديم، بل دفن له بكل وضوح وفق مقاربة نصرالله لسردية الحزب خلال أربعين عاماً ورؤيته للمستقبل بأهداف مفتوحة لما هو أبعد من الصلاة في المسجد الأقصى.

في هذا الحيّز الزمني الضيّق الذي ربما يستفيق فيه لبنان على حرب خرج فيها ساسة “إسرائيل” عن صمتهم توعّداً للبنان، عندما كان نصرالله يتوعدهم بما بعد بعد كاريش، ليلوذ هو بالصمت على قاعدة انتظار نتائج مهمة الوسيط الأميركي وليس نتائج المفاوضات النووية.

في هذا الحيّز مرّر نصرالله سردية حزبه وتصوراته للبنان الجديد على أنقاض لبنان القديم الذي يتهاوى بصورة دراماتيكية متشابهة تماماً لتهاوي صوامع إهراءات مرفأ بيروت، فيما متنفذي الدولة يتنافسون في أيّهم أكثر كذباً وأطول من الآخر.

رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=24967

ذات صلة

spot_img