spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 47

آخر المقالات

كارين عبد النور- الحسم لـ”الدونكيشوتية” والفرز السياسي في “مهندسي بيروت”

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «ما رأيناه...

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب

أستراليا بلد التكامل الأجتماعي رغم تهديدات التطرف والإرهاب بقلم صاحبة...

أ.د.عماد شبلاق- إجراءات التجنيس والتوظيف والتسكين … طلبات أصبحت مرهقة لكثير من المهاجرين!

مجلة عرب أستراليا- بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق- رئيس الجمعية...

هاني الترك OAM- ترامب الأسترالي

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM دونالد ترامب هو...

د. زياد علوش-حمى الله أستراليا

مجلة عرب أستراليا- د. زياد علوش آلمتنا الأخبار التي تواترت...

خالد العزي ـ ربيع براغ..مرض موسكو المزمن

مجلة عرب أستراليا سيدني- ربيع براغ….مرض موسكو المزمنخالد العزي

بقلم خالد العزي

في الفصل الثاني من السنة الدراسية للماجستير في روسيا، اخذت الدعاية السوداء تخيم علينا من خلال الطلاب الذين اخبرونا عن تجربتهم السابقة مع مدرّسي الكلية حيث كان همنا الأساسي يتعلق بالامتحان الاخير لمادة الادب الاجنبي التي شكلت معلمته لنا عقدة نفسية كطلاب عرب.بدأت دراسة مادة الادب الاجنبي الحديث لأنها من المواد الاساسية في التدريس الجامعي في الفصل الثاني. لقد أخبرنا الزملاء سابقاً بان استاذة المادة صعبة المراس ولا تحب الطلاب العرب، وسنعاني من تعاملها المتعجرف معنا ولا يعجبها اي شيء، انها دائماً تنظر بفوقية وخاصة انها مدرّسة للأدب، مما سبّب لنا خوفاً زائداً وخاصة اننا على ابواب التخرج ولم يعد لنا في روسيا سوى شهور معدودة.

انتهينا من الفصل الأول وغادرت الى لبنان. للمرة الأولى في فصل الشتاء منذ ثلاث سنوات قضيتها في روسيا لم ازر لبنان لعدم قدرتي المالية على السفر. في بيروت عرجت على دار الادب مع صديقي حسان الزين واشتريت مجموعة جديدة من الكتب والقصص العالمية المترجمة التي يتميز بها الدار نتيجة مواكبته للاصدارات الجديدة ومتابعة الترجمة. من ضمن الكتب الجديدة التي نصحني بها صديقي كانت قصة الأديبة الأميركية الأفريقية توني موريسون والتي نالت عليها جائزة عام 1993. تحكي قصة الطفلة بيكولا برايدلوف، التي تبلغ من العمر 11 عاماً، تحلم بأن تكون لها عيون زرقاء وتنتهي بالعمى والجنون. وقصص يابانية للتعرف على خفايا الكتّاب والقصص اليابانية، وكذلك مجموعة جديدة للكاتب التشيكي ميلان كونديرا ابرزها “كائن لا تحتمل خفته، الضحك والنسيان”. وشراء بعض المراجع التي تخص الرسالة. بعد اسبوعين رجعت الى بلاد المسكوبيات لكي انهي الفصل واناقش رسالة الماجستير.

بدأ العام الدراسي. تعرفنا على البروفيسور المحاضر لمادة الادب الاجنبي. امرأة جميلة في عقدها الرابع متعجرفة فوقية تظن نفسها ملكة الادب الاجنبي، طبعاً بحسب التوصيف الموضوع لتدريس المادة تشمل كتّاب الأدب المعاصر في المرحلة الاخيرة من الالفية الثانية، وكان كتّاب أميركا اللاتينية في الطليعة بعملية التدريس ونوعية المدارس وكذلك الكتّاب الفرنسيون والايطاليون والانكليز والولايات المتحدة.لذلك كان حظ الطلاب الأجانب جيداً لانها كانت تهتم بالأسماء اللامعة اكثر من الطلاب العرب لأن المنهج لم يدخل فيه اي رواية او كتاب عربي او افريقي.

طبعاً المُدرِّسة متملكة من مادتها. تعرف اهمية المنهاج وتقدر قيمة الكتاب. لذلك كانت نظرتها سيئة للطلاب العرب مما دفع بالزملاء للنفور منها واتهامها بالفوقية والتعالي… لكن للحقيقة جمال المُدرِّسة وعمرها الصغير وقدرتها على تقديم المادة واجادتها لعدة لغات أجنبية اساسية “الالمانية والفرنسية والاسبانية والانكليزية” يجعلها في مستوى اعلى بكثير مما كان ينظر لها، لكن عدم معرفتها بالادب العربي واللغة العربية والبيئة العربية اعطاها انطباعاً سيئاً عن هؤلاء الطلاب لانهم خمولون كسولون لا يعرفون شيئاً من الأدب العالمي المشهور، هذا الانطباع ترك عندنا نوعاً من الخوف والغبن بحقنا وتحديداً معي ومع صديقي المصري عصام السروي…

في الامتحان سمحت لنا بالدخول لكوننا مواكبين محاضراتها لكي نجتاز الدورة الاولى، سحبت ورقة الأسئلة كما هي العادة. ذهبت سريعاً للاجابة دون الانتظار لقد اجبت على سؤالي الاول عن الأدب السريالي عن كتاب غارسيا ماركيز “مئة عام من العزلة”… الثاني ألبير كامو الفرنسي، وروايته “السقطة”.لكن السؤال الثالت كان اختيارياً، فكان اختياري للكاتب التشيكي “ميلان كونديرا” الذي لم تعرفه، وهذا سر الكمين الذي أوقعتها به حاولت كثيراً استفزازها… بعرضي القصة للكاتب من خلال الكتاب الذي احضرته من لبنان “الكائن الذي لا تحتمل خفته”، حيث فتح نقاشاً واسعاً عن حالة التشيكي… ساعدني على التحدث بحرية لان روسيا كانت قد خرجت من الشيوعية والاشتراكية حديثاً وكان النقد مقبولاً عكس هذه المرحلة التي تسيطر عليها الأوليغارشية الروسية.

شرحت لها عن الكاتب “ميلان كونديرا” الذي ولد في التشيك، واشتهر بكتاباته الساخرة والسياسية، حيث كانت أعماله ممنوعة أيام تشيكوسلوفاكيا الشيوعية حتى انهيار النظام هناك. لقد رشح لجائزة نوبل للآداب عدة مرات. قضى فترة مراهقته أثناء الحرب العالمية الثانية، وتأثر فكره بشكل كبير بتجارب من الحرب ومن الاحتلال الألماني. التحق بالحزب الشيوعي في شبابه إلا أنه طرد منه بعد مدة وجيزة بسبب نشاطاته “المناهضة للحزب”، فأكمل دراساته وأصبح محاضراً بعد تخرجه.بدأ كونديرا مسيرته المهنية في الكتابة شاعراً ثم أتبع ذلك بكتابة القصص القصيرة والروايات، معظم كتاباته تحتوي على مضامين ساخرة وعناصر سياسية قادت لاعتباره كاتباً سياسياً أو متمرداً، لذلك فقد أجبر على الذهاب إلى المنفى في فرنسا بسبب طبيعة أعماله ليصبح مواطناً فرنسياً بعد ذلك بفترة وجيزة.

يحاول الكاتب تجسيد قصة الطبيب توماس في روايته والتي تشير الى قصة شخص وطني شيوعي رفض الاحتلال السوفياتي. تم عقابه واقصاؤه عن العمل مما دفعه للعمل الجديد بممارسة اصعب الاعمال لكي يعيش بعد ان حرم من ممارسة مهنته ويخلط الكاتب السياسة والعقيدة بالعمل الخاص والجنس والتململ والإحباط الذي يعيش فيه. شخصية الطبيب الذي كان رافضاً لاحتلال بلاده.تجسيد حياة توماس وشخصيته في لوحة ستكون رسمة لرجل يعيش فوق طوف خشبي صغير يسبح فوق سطح الماء، وحتى يظل متحركاً، وحتى لا يعرقله شيء، يُلقي من فوق طوفه أي ثقل قد يُبقيه ثابتاً، كانت شرعية الصداقة الجنسية غير المكتوبة، تستدعي الغاء الحب من حياة توماس، فالحب لا يتجلى عنده بالمضاجعة الجنسية بل بالنوم مع العشيقة.

أما على الجانب الآخر تيريزا العشيقة تأتي كصورة للثقل وهي التي تعيش حالة من الغيرة نتيجة علاقات العشيق الكثيرة. حبها لتوماس يمكن اختصاره في صورة يدها التي تبقى متشبثة بيده طوال الليل ولا تتركها أبداً، في ارتباطها بتوماس ورغبتها في أن يكون لها وحدها. فبينما جاءت حياة توماس له بارتباطات وأثقال جاهزة، كحبه للطب الذي عرف أنه مصيره منذ اللحظة الأولى وزواجه وحبه للنساء، كانت حياة تيريزا خالية من أي شيء شبيه لهذا. لم تكن سوى نادلة بفندق متواضع في قرية صغيرة ولا تعدها الحياة بأي شيء أكبر. لكن كان عندها توق إلى ما هو أكثر، بدون أن تعرف بالتحديد ماذا تريد.

لكن تيريزا المصورة التي واكبت أيام الاحتلال الروسي الاحد عشر وكانت تلتقط الصور وتبيعها للاعلاميين الآخرين، قد استطاعت التقاط اجمل صورة لضابط روسي في اليوم السابع وهو يشهر مسدسه بوجه المتظاهرين وتم اعتقالها من قبل الامن الروسي لمدة يوم.طبعاً الأمن الروسي في هذا اليوم اقتاد رجال الدولة التشيكيين إلى الاعتقال. الجميع خائف وكانت مدن بوهيميا مغطاة بآلاف الصور والشعارات والملصقات وقصائد الهجاء والرسوم الكاريكاتورية التي صورت بريجنيف وجيشه بسخرية. كان الجميع يهزأ من الروس كما من المهرجين.بعدها ارغم الروس المعتقلين التشيك على التوقيع على تسوية في موسكو ثم أعادوا الرئيس الكسندر دوبشك الى براغ حيث ألقى خطاب الانهزام بعد ستة ايام من الاحتجاز والتعذيب. التسوية قامت على تنفيذ الاعدامات الجماعية والنفي الى المعتقلات السيبيرية وبات على بوهيميا الانحناء امام شراسة الغازي المحتل الذي كان يخافه الجميع بسبب بطشه وسكره، الفرح اتى وتم الدخول من باب الذل.

توقفت وقلت لها ان تشيكي “أي عندما كانت تشيكوسلوفاكيا” هي مرض الاتحاد السوفياتي، وربما لاحقاً مرض روسيا المزمن من الثورات الشعبية التي وقفت بوجه الدكتاتورية الشيوعية… لان بوهيميا التي تنسب لها الكريستال التشيكية قامت بثورتها العظيمة التي تعتبر أم الثورات على الدكتاتورية. ولكن في عام 1968 في 21 آب غزا حلف وارسو تشيكوسلوفاكيا، في ما عرف رسمياً بعملية الدانوب، هاجمها نحو 250 ألف جندي من طرف 5 دول تابعة للحلف.

كان الرد الشعبي على الغزو واسع النطاق ومتبايناً. حيث دعمت غالبية الأعضاء في حلف وارسو الغزو بالإضافة إلى عددٍ من الأحزاب الشيوعية الأخرى في أنحاء العالم، بينما أدانت الدول الغربية، بالإضافة إلى ألبانيا والصين تحديداً الهجوم.اذاً التشيك قاوموا السوفيات بكل ما أوتي لهم من قوة حيث ابتكروا الشعارات المناهضة للحزب وترجموها بالرسوم الغرافيتية التي كانت تعتبر ظاهرة جديدة في دولة من المعسكر الاشتراكي… لقد عرفت الحادثة بربيع براغ اي العاصمة التشيكية.يكتب الكاتب في جملة بأنه يصور الاعتراض الشعبي للدبابات الغازية من خلال الشبابيك حيث تظهر أشجار التفاح التي تتساقط في هذه الايام على الارض لكون براغ تمتلئ بالتفاح.

إذاً لابد من القول بان الزهور تزهر مرة في العام لكن لا يمكن للربيع الا ان يبنت مجدداً بغض النظر اذا حاولنا دعسها بارجلنا انتقاماً من الورود لكن لا مجال لمنعه. ثورة ربيع براغ كانت مدرسة فعلية لدى الشعوب المضطهدة من الدكتاتورية والشيوعية وبالرغم من مرور المرحلة الزمنية على المعسكر السوفياتي والاشتراكي فالربيع اتى لو متأخراً.قلت لها من وحي السؤال الاول عندما رفضت السلطة الاميركية إعطاء غابرييل غارسيا ماركيز تأشيرة لإجراء حوار حول روايته المشهورة “مئة عام من العزلة” والتي اهلته للفوز بجائزة نوبل للآداب قال جملته الشهيرة بان هؤلاء الاغبياء لا يعرفون ان تأثير الكاتب ليس بجسده بل بأفكاره والأفكار قد دخلت بدون تأشيرة. وهذا ما ينطبق على ميلان كونديرا الذي سمحوا له بالخروج من براغ فقط عام 1975 للذهاب الى فرنسا حيث استقر فيها نهائياً وبات مواطناً فرنسياً لكن التشيك والعالم لم ينسَ معاناته في تشيكيا.

اهمد السوفيات الثورة التي كانت بداية لقمع ثورات أخرى على مدار دول الاتحاد السوفياتي كما حصل في بولندا عام 1980 مع حركة “التضامن” ومحاولة قمع اهالي برلين عام 1989 وصولاً إلى دول البلطيق الثلاث واذربيجان وجورجيا ومولدوفا وحتى إلى روسيا نفسها وضرب مجلس النواب بالدبابات مروراً بقمع دولة الشيشان.

بالنهاية بعد السكوت والاستماع المطول لعرضي قالت لي أين قرأت القصة وكيف تعرفت على الكاتب فأجبتها بأني احمل القصة العربية المترجمة بالإضافة للنسخة الفرنسية الاصلية التي قرأتها بلغة الكاتب وقد حضرتها في فيلم سينمائي ولم تكن قصة واحدة بل مجموعة قصص للكاتب احببت اسلوبه وطريقته في العرض والتشبيك مع الأحداث.قلت لها أيضاً “طبعاً ترجمتها لم تكن متوفرة لديكم، ونحن نلاحق كل جديد بالادب يا دكتور. للاسف نحن عندنا أدباء وكتاب فاقت شهرتهم العالمية ولنا باع طويل بكتابة الادب وكما الاكاديمي اللبناني – الفرنسي امين معلوف صاحب رواية “سمرقند” الشهيرة هناك العديد من الكتاب العرب والأدب العربي. لكن لا تحاولي تقييمنا من خلال بعض الأشخاص الذين مرّوا عندك بالصدفة، لنا حضارة عربية وأدب عمره اكثر من 5000 سنة قبل ان يكون للغرب أدب”.

عندما قلت لها “هل يمكن ان اقدم لك النسخة الفرنسية من القصة كهدية للقراءة من طالب عربي؟” ضحكت وقالت شكراً جزيلاً على الكتاب. وقالت لي طبعاً انت تكتب رسالتك للماجستير فاذا قررت ان تكتب رسالة دكتوراه بعد التخرج بامكانك كتابتها عندنا في قسم الآداب في الكلية ويسعدني الإشراف على رسالتك.أجبتها لم افكر ابداً بكتابة رسالة دكتوراه شكراً جزيلاً على العرض والثقة ولكن انا لست بأديب او ناقد ادبي، انا فقط قارئ محب للادب لا أكثر. مجالي الإعلام.كررت “لكن يمكن ان تكتب رسالة عندنا وبحال فكرت وقررت”. أجبتها “دكتور سأخذ عرضك بالجد ويسرني التعامل معك”. ناولتني علامتي وغادرت. لم افتحها امامها بل في الكوريدور بعد خروجي من القاعة وقد فاجأتني بعلامة ممتاز وتفاجأ معي رفاقي الذين كانوا ينتظرونني بفارغ الصبر.تحية للمعلمة الروسية التي لا تزال شابة في نظري ولاصدقائي عصام وحسان وميلان كونديرا الذي ترك في روحي حركة اعتراضية كبيرة.

رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=19123

ذات صلة

spot_img