spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 49

آخر المقالات

عباس مراد ـ أستراليا: أين حزب العمال من فلسطين؟

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب عباس علي مراد قضية النائبة...

هاني الترك OAMـ التبرع بالدم

مجلة عرب أسترالياــ بقلم هاني الترك OAM جاك وماري شامبيون...

د. زياد علوش ـ القائد الكشفي الكبير “مصطفى كمال شعراوي” ستبقى حيا في قلوبنا

مجلة عرب أسترالياــ بقلم د. زياد علوش بكلمات مؤثرة نعت...

دراسة نقديةـ بقلم الأديب الناقد فادي سيدو عن قصيدة قلوب الحبر الأحمر للشاعرة سوزان عون

مجلة عرب أسترالياــ بقلم الأديب الناقد فادي سيدو دراسة نقدية...

علا بياض ـ في حياة كلّ منّا لحظاتٌ فارقة

بقلم علا بياض رئيسة التحرير التغيير سنّة الحياة وسنّة الكون....

ثامر عباس- المشروع التنويري للمفكر الغرباوي بين أنسنة الموروث الديني وعقلنة السرد التاريخي

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتب ثامر عباس

قلّما يفلح البعض من الباحثين في إيفاء المواضيع المتعلقة بالمواريث الدينية حقها من مستحقات البحث العلمي والتدقيق الموضوعي، نظرا “لكونها موضوعات إشكالية بامتياز تلابس فيها التاريخي بالأسطوري، والواقعي بالمتخيل، والمعرفي بالإيديولوجي، بحيث نادرا “ما كانت محط إجماع أو اتفاق أصحاب الشأن من علماء ومفكرين ورجال دين، فما بالك حين يغامر أحدهم بإضافة صعوبات أخرى جمة الى تلك الإشكاليات السابقة عن طريق الانخراط في تحليل السرد التاريخي وتأويل مضامينه سعيا “وراء الحقائق المغيّبة والوقائع المطموسة. ولعل المفكر (ماجد الغرباوي) كان من رواد أولئك الذين أظهروا مقدرة فريدة ليس فقط للخوض في غمار مثل هكذا مواضيع حساسة وإشكالية فلسفيا “واجتماعيا” فحسب، بل وكذلك الخروج بتأويلات ومقاربات واستنتاجات كانت حصيلتها أنسنة موروثنا الديني وعقلنة سردنا التاريخي .

وهنا ربما يطرح سؤال نفسه؛ لماذا نجح (الغرباوي) في عمليات حصاده الفكري من هذا الحقل الواسع والمتشعب، في حين أظهر آخرين عجزهم وإخفاقهم عن بلوغ مثل هذا المأرب الحضاري رغم تمتعهم بحسن النوايا وسلامة الطوايا؟! . فمن وجهة نظرنا المتواضعة يمكننا عزو هذا التفرد والتميز الى ثلاث عوامل أساسية رغم كونها تمتح من مصادر مختلفة ومراجع متباينة، إلاّ أنها تترابط فيما بينها على نحو (بنيوي) على صعيد ماهية الظاهرة / الحالة، و(عضوي) على صعيد وظيفة الفاعل الاجتماعي / الثقافي، و(جدلي) على صعيد تطور الوعي / الإدراك:

العامل الأول: يتعلق بطبيعة التكوين الذاتي (الذهني والنفسي) لشخصية الباحث المعني، من حيث كثافة وتنوع المجهودات الفكرية والثقافية التي بذلها خلال مراحل تقدمه العمري ونضوجه العقلي، حيث الاشتغال المتواصل على كينونة الذات لجهة بلورة ملكاتها وصقل مواهبها وتنقية تصوراتها . ولعل هذا الأمر يعكس حجم التنوع في الاهتمامات العلمية والمعرفية التي انخرط في أتونها الأستاذ (الغرباوي) طيلة مسيرته الحافلة بالعطاء، كما جاء في مسرد سيرته الفائضة بالاهتمامات الإنسانية، والثرية بالانجازات الفكرية، والمهجوسة بالتطلعات الحضارية .

والعامل الثاني: يتعلق بكم ونوع المصادر والمراجع التي نهل من معينها (الغرباوي)؛ أسطورية وتاريخية وتراثية ودينية وفقهية وفلسفية، عبر محطات بناء مدماكه الفكري المتناضد الأساسات والمتعدد المنطلقات والمتنوع المسارات. إذ يمكننا بمراجعة خاطفة لسيرة هذا الباحث المتميز اكتشاف ان الحصيلة العلمية والمعرفية التي يتوفر عليها لم تأتِ من فراغ أو تنبثق من العدم، بقدر ما كانت نتاج دراسات واسعة وحفريات عميقة في مجالين هما من أخطر المجالات الفلسفية والمعرفية (الدين والتاريخ) . بحيث ان هذا العامل مكنه من الحراك السهل والانتقال السلس ما بين حقول تلك المجالات، دون أن يتيه في المسارات المتعرجة للأبحاث التي ينجزها، أو أن يفقد بوصلة الاتجاهات المتقاطعة للأفكار التي يصوغها .

العامل الثالث: يمكننا اعتبار ان هذا العامل هو حصيلة تضافر العاملين الآخرين (الأول والثاني) من جهة، وتفاعل العوامل الثلاثة مع بعضها مجتمعة في مجال دراسة الظواهر الاجتماعية من جهة أخرى . ففي إطار تكوين عقلية الأستاذ (الغرباوي) وما تنطوي عليه من خصال تتمثل؛ بالمرونة الفكرية، والرصانة المعرفية، والموضوعية العلمية، والمعيارية الأخلاقية . لم يترك لوعيه الانسياق خلف حالات الرضا بحصيلته العلمية والاقتناع برصيده المعرفي والاكتفاء بمخزونه الثقافي، بحيث يركن الى التقوقع داخل شرانق تصوراته الذاتية والتمترس خلف سواتر انطباعاته الشخصية، وإنما شرع بالنهل من معين كل ما أنتجه الفكر الإنساني من علوم ومعارف حداثية وما بعد حداثية، والتسلح بكل ما أبدعه هذا الفكر من منهجيات تحليلية وتفكيكية وتأويلية، لسبر أغوار اللاوعي والكشف عما يضمره في قعر المسكوت عنه والممنوع القول فيه من جانب، وإماطة اللثام عما تخفيه السيكولوجيا في أعماق المحرم دينيا” والمؤثم اجتماعيا”من جانب ثان .

وإذا ما وضعنا هذه المعطيات وتلك المؤشرات في إطار ما يعانيه الواقع الاجتماعي من تخلف في البنى الفكرية والأنساق الثقافية والأطر الحضارية، حينذاك سنكتشف أي نمط من أنماط المشاريع التنويرية التي عقد الأستاذ (الغرباوي) العزم على وضع أسسه وإقامة أركانه وإشادة معماره، بحيث لا يكون فقط مختلف نوعيا”عن جمهرة المشاريع الفكرية القائمة هنا أو هناك تحت مختلف العناوين والمسميات فحسب، وإنما يمتاز بفضائل الجرأة في طرح التساؤلات، والجذرية في نقد المسلمات، والإبتكارية في صياغة الطروحات أيضا”. وهو الأمر الذي جنبه الوقوع في مصائد الاختزالية في معالجة الإشكاليات، والتقليدية في تصور العلاقات، والاستاتيكية في تأمل السيرورات، لاسيما وان متاهات حقول الموروث الديني المؤسطر والسرد التاريخي المؤمثل في المجتمعات المتشظية الى ملل ونحل، والمتذررة الى طوائف ومذاهب، والمبعثرة الى قبائل وعشائر من التشابك والتعقيد، بحيث تحتاج الى باحث يمتلك قدرات فكرية هائلة وامتيازات منهجية متعددة . تتيح له ليس فقط إمكانية الولوج الى فضاءات تلك الحقول الملغومة بالصعوبات والمفاجئات فحسب، بل وكذلك اجتثاث كل ما علق فيها من زؤان الأساطير والخرافات . ليس بالاعتماد على أساليب الاختلاق والتلفيق التي غالبا”ما يعمد الى ممارستها أولئك المهوسيين بالأصول المندرسة والمفتونين بالأرومات البائدة، وإنما عبر محاولات أنسنة (الوعي الديني) من جهة، وعقلنة (الوعي التاريخي) من جهة أخرى .

وتلك مهمة – كما تبين لنا – لا يستطيع الخوض في أتونها والنهوض بأعبائها سوى تلك الثلة من المفكرين المبدعين، الذين أوتوا نصيبا “من فضائل العلم والحكمة ما مكنهن من أن يستحيوا الى نجوما” لامعة في سماء الثقافة والمعرفة الإنسانية، وهو ما أصبح عليه المفكر (الغرباوي) عبر مشروعة التنويري – النهضوي الذي لم يبرح يطرح ثماره اليانعة في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد.

رابط النشر-  https://arabsaustralia.com/?p=37834

ذات صلة

spot_img