spot_img
spot_imgspot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 46

آخر المقالات

هاني الترك OAM-هذا ليس خلقاً من العدم

مجلة عرب أستراليا- بقلم هاني الترك OAM طوّر العلماء الاستراليون...

كارين عبد النور- قصّة أنف نازف… وإبرة وخيط

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة كارين عبد النور «فتنا على...

د. زياد علوش- قرار مجلس الأمن الدولي”2728″يؤكد عزلة اسرائيل ولا ينهي العدوان

مجلة عرب أستراليا- بقلم د. زياد علوش تبنى مجلس الأمن...

هاني التركOAM- البحث عن الجذور

مجلة عرب أستراليا-بقلم هاني الترك OAM إن الانسان هو الكائن...

إبراهيم أبو عواد- التناقض بين الحالة الإبداعية والموقف الأخلاقي

مجلة عرب أستراليا-بقلم الكاتب إبراهيم أبو عواد الإبداعُ الفَنِّي يَرتبط...

الدكتور رغيد النحّاس – الكائنات المجهريّة

مجلة عرب استراليا سدني – الكائنات المجهريّة 

بقلم الدكتور رغيد النحّاس

اليوم ذكرى أوّل إصابة بفيروس كوفيد 19، تمّ تسجيلها في أستراليا يوم 25/01/2020.

وجاء في تعليق لإذاعة البثّ الخاصّ، يتضمّن أقوالاً  للبروفسور بول كيللي رئيس أطبّاء أستراليا، في هذه المناسبة، أنّ من أهمّ المشاكل التي واجهت الدولة هو نقل المعلومات بصورة دقيقة إلى الجاليات من خلفيّات ثقافيّة ولغويّة متنوّعة. كما أنّه تمّ اكتشاف أغلاط لغويّة أساس في البيانات الصحيّة الفيدراليّة، وتلك الصادرة عن الولايات.

ونوّه البروفسور كيللي أنّ محاولة الموازنة بين السرعة والدقّة هي واحد من تلك العوامل التي أثّرت على تلقّي المعلومات.

ويبدو أنّ هذا ما دفع الحكومة الفدراليّة إلى تشكيل مجموعة كوفيد 19 صحيّة استشاريّة، تختص بالجاليات متنوّعة الثقافات واللغات.

وهذا ما يدفعني للتفكير في مزايا ما تحاول أن تقوم به الدولة، ولكن في الوقت عينه مساوئ الكلفة الباهظة التي تترتب على تقويم الأمور.

ذكّرني هذا بتجربة أستراليّة عانيت منها من سنين طويلة، وأكّدت لي أنّها مثال لما يحدث مراراً من عدم الاكتراث الفعلّي بالأمور إلاّ بعد أن تقع الواقعة. وبذلك تزداد الخسائر المعنويّة والماديّة ويزيد العبء على دافعي الضرائب. مثلاً في كثير من الأحيان لا تقوم السلطات المختصّة باتخاذ إجراءات ضروريّة لسلامة المرور على بعض المفارق إلاّ بعد وقوع حوادث مريعة. هذا يعني أنّ غياب الرؤية والتخطيط يجعل الأمور متروكة لـ”الإثبات العمليّ”.

أمّا تجربتي فكانت حين عملت في فترة من الفترات مع إحدى مؤسّسات الحكومة الفدراليّة، وكنت مسؤولاً عن عقود المترجمين (من خارج الملاك) والمساعدة في رسم السياسة العامّة للترجمة وضمان التأكّد من نوعيّة العمل. جاءني المدير يوماً بوثيقة تمّ ترجمتها من طريق أحد المترجمين الذين نكلّفهم بهذه الأعمال، وطلب منّي أن أدقّقها كنوع من مراقبة النوعيّة.

الوثيقة كانت من حوالي ست صفحات، وجدت فيها أغلاطاً لغويّة وقواعديّة في كلّ صفحة، وصل عددها في ثلاث من الصفحات إلى أكثر من أربع في كلّ صفحة. بعض الاغلاط كانت من النوع الذي يمكن أن يساء فهمه، ومن الصعب معرفة كيف يمكن للمتلقّي أن يفهمها خصوصاً أنّ المتكلمين بلغة واحدة هم في الواقع من جاليات مختلفة. ومن هنا كنت أرى أنّ لغة الترجمة في هذه الحال يجب أن تكون لغة بسيطة لكنّها سليمة. وبسيطة لا تعني الاستهتار بالمفردات والقواعد. وسليمة لا تعني الفصاحة الأدبيّة.

تفاجأ المدير بما سمع منّي، وأحسست أنّه لم يصدّق ما رأى. شكرني وعاد إليّ بعد ايّام وفي يده ردّ من المترجم المعني. وقال لي المدير إن هذا المترجم يُعتبر من أهم وأقدر المترجمين الذين نتعاطى معهم. طلب منّي أن أقرأ الرد. القيت نظرة سريعة وتفاجأت حين ظهر لي اسم المترجم وتوقيعه في ذيل الصفحة.

لم ينف المترجم، أو يعترف بالأغلاط. وإنّما وجّه عبارة إلى مؤسّستنا فيها نوع من الاستكبار المبطّن ببراغماتيّة تشير  بأنّه يريد أن يقول لنا إنه عمليّ واقعيّ. قال مثلاً: “إلى أيّ مدى في البلاغة تريد مؤسّستكم أن تصل؟”

قلت للمدير إنّي أوّد أن أزوّده في اليوم التالي ببعض الملاحظات، ولا يعنيني الردّ المباشر على هذا المترجم، ولكن ما يهمّني أن تكون المؤسّسة التي أخدم على علم ببعض الجوانب الهامّة.

في منزلي ذلك المساء فتحت كتب القواعد التي سبق لابنتاي إحضارها معهما حين قدمنا إلى أستراليا، واعتمدت على كتاب الصف الثالث الابتدائي وصوّرت الصفحات الملائمة لأبيّن للمدير أنّ معظم الاغلاط يجب أن لا يقع فيها تلميذ ابتدائي.

شرحت في ردّي أنّ المسألة ليست مسألة كلمة شاردة هنا وهناك، وليست مسألة حزلقة وبلاغة، بل مسألة دقّة يجب أن ترافق أسلوب العمل حتّى نتلافى الوقوع بما هو أسوأ، بما في ذلك ترجمة كلمة قد تغيّر المعنى وتؤدّي بالمتلقّي إلى الوقوع في مأزق سنكون مسؤولين عنه.

وعلّقت أيضاً أنّ مؤسّستنا التي تصرف الملايين من ضرائب المواطنين على المنشورات والترجمات يجب أن تحصل على أفضل ما يمكن أن تحصل عليه من “بضاعة”.

وذكرت حرفيّاً أنّ همّي هو الوقاية لأنّها، كما يعلم الجميع، خير من العلاج.

شكرني المدير، وتركته مع شعوري بأنّي قمت بما يتوجّب عليّ.

بعد شهر من هذه الحادثة، أُلغي برنامج التدقيق (دون استشارتي) الذي بدأناه بشكله الجدّي لأوّل مرّة بتاريخ المؤسّسة.

هل يا ترى سنتعلم من محنة كوفيد 19 أهمّية الرؤية الواضحة والاستعداد المسبق لكلّ كبيرة أوصغيرة لأنّ البلاء يمكن أن يأتي من أصغر الكائنات حولنا … من كائنات لا نراها، تماماً مثل تلك الاغلاط التي نقع فيها دون أن نشعر؟

رابط مختصر – https://arabsaustralia.com/?p=13661

 

ذات صلة

spot_img