spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 54

آخر المقالات

مروان التميمي ـ “الاعلام الالكتروني “… في الميدان أولًا وفي الحسابات أخيرًا

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم الكاتب مروان التميمي إعلام لا...

فضيحة قضائية تهز لبنان: ملف رياض سلامة يشهد اختفاء مستند رسمي وتنحي قضاة دون تبرير

مجلة عرب أسترالياـ فضيحة قضائية تهز لبنان: ملف رياض...

روني عبد النور ـ البشر والأخطار الوجودية… التكيّف يُسابِق التدمير الذاتي

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم الكاتب روني عبد النور تستعر...

هاني الترك OAMـ تعويضات مالية لمقبل

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM تاجر المخدرات...

أ.د. عماد شبلاق ـ حذاري أن تكون متفوقًا في هذا البلد!

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم أ.د. عماد وليد شبلاق ـ...

هاني الترك OAMـ أنا الأبوريجيني

spot_img

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM

عام 1972 كنت أدرس في جامعة نيو ساوث ويلز درجة الدراسات العليا قسم المعلومات والمكتبات.. لم تكن أستراليا منفتحة على العالم الخارجي مثل الآن.. لم يكن هناك سوى القليل جدًا من الطلبة الآسيويين ومن المهاجرين.. الجزء الساحق من الطلبة من خلفية أنجلوساكسونية.

كان الطلبة الأستراليون يظنون لأول وهلة أني من الأبوريجينيين المُهجنين.. أي نصف أبوريجيني من خلال تزاوج وتهجين الأبوريجينيين مع الأستراليين البيض.. ولكن بعدما يتعرفون عليّ يعلمون أني من خلفية شرق أوسطية وفلسطيني بالذات.. حتى بعد التخرج من الجامعة اشتغلت في المعهد العالي للموسيقى.. ومن خلال الاحتفال بعيد ميلادي في المعهد أهدوني كتابًا اسمه “أنا الأبوريجيني”.

إثر انخراطي في المجتمع العملي بدأت أهتم بقضايا الأبوريجينيين لمعرفة المزيد عنهم وعن تاريخهم.. أصبحت أتعاطف معهم.

كان قد أخبرني أحد أبناء الجالية، هاجر قبل هجرتي إلى أستراليا، أن الأبوريجينيين هم آكلو لحم البشر.. وطبعًا هذا جهل وخطأ.. فهم مساكين، تعرض عددهم للتقلص من حوالي مليون نسمة منذ بدء اكتشاف القارة إلى 250 ألف شخص تقريبًا الآن.. تقلص عددهم سواء بسبب الأمراض أو الموت المبكر أو إدمانهم على الكحول أو القتل على أيدي الرجال البيض.. كانوا بدائيين، لم تصلهم الحضارة إلا بعد استيطان القارة ولا يزال عدد منهم يعيش في المناطق البعيدة.. على هيئة قبائل.. مع أن البعض قد انخرط في المجتمع الأسترالي.

وتبذل الحكومة الأسترالية الجهود من أجل تعليمهم وإحضارهم إلى المدينة.. ولكن طبعًا هناك حاجة إلى المزيد من الجهود من أجل تحسين أحوالهم.. مع المحافظة على ثقافتهم البدائية والتي عمرها حوالي 60 ألف عام.

كانت هذه مقدمة من تجربتي في بداية فترة استقراري في أستراليا.. رأيت أن أذكرها حينما قرأت قصة عن بعض الأبوريجينيين في الحرب العالمية الثانية:

بعد أن قصفت القوات اليابانية جزيرة بيرل هاربر الأميركية عام 1941.. علمت الحكومة الأسترالية أنه اقترب هجوم اليابانيين على أستراليا.. مما نجم عنه إخلاء مدينة داروين من النساء والأطفال والأبوريجينيين.. ولم يتبقَّ سوى الأشخاص الذين اعتبروا أساسيين لجهود الحرب.

في تاريخ 19 شباط/فبراير عام 1942، كانت مجموعة من الأطفال الأبوريجينيين يقيمون تحت إشراف إرسالية دينية في جزيرة كروكر شمال شرق داروين.. شاهدوا الطائرات اليابانية وهي تحلق على مسافة قريبة من رؤوس الأطفال.. كانت طفلة منهم على مسافة قريبة من الطائرة المُحلقة فوق الرؤوس.. صرخت قائلة إنها رأت شكل الطيار ذو ملامح آسيوية.. ولم يكن الأطفال يعرفون أنه جزء من الهجمات اليابانية على أستراليا وأن الرحلة الجوية للطائرة هي اكتشاف تمهيدًا لقصف الجزيرة أو تركها في حالها.. لحسن الحظ لم تُقصف الجزيرة.. لكنها قصفت داروين.. كان بعض الأطفال الأبوريجينيين في الجزيرة نصف مهجنين، انتُزعوا من أحضان عائلاتهم.. كان البعض منهم جزءًا من الإرسالية الميثودية.. وجزء آخر من الكنيسة الأنغليكانية.. والثالث من الكنيسة الكاثوليكية.

أُرسل الأطفال التابعون للكنيسة الكاثوليكية إلى جزيرة بالقرب من باتاليست وهي جزيرة غروت.. أما الجزء التابع للميثودية فأُخذوا في رحلة طويلة إلى داروين، وبصورة مؤقتة إلى قبيلة أبوريجينية تُدعى ديلاسافيل.. ومن هناك أُرسلوا على متن قارب إلى جزيرة كروكر.

كان مع الأطفال الأبوريجينيين شابة أسترالية اختارها الله لخدمته، هي مارغريت سومرفيل، وكانت تُعلّم الأطفال الأبوريجينيين.. مع امرأتين هما أوليف بيك وجيس مارس تُشرفان على تعليم الأطفال الأبوريجينيين.

كان الأطفال الأبوريجينيون يعانون نتيجة انتزاعهم من أحضان عائلاتهم.. لكن شعروا بعد ذلك أن الجزيرة هي موطنهم واعتبروا المُعلمات وكأنهن عائلة واحدة.

بعد قصف داروين، طُلب من سومرفيل وبيك ومارس من خلال الراديو إخلاؤهن من داروين على أن يبقى الأطفال إلى حين صدور الأوامر.. غير أن سومرفيل قررت أن تبقى مع الأطفال.. مع أنهم انقطعوا عن العالم وبقوا معزولين.

عندما شحّت إمدادات الطعام، صدرت التعليمات بالإبحار عبر القارب إلى منطقة أونوبيلي حيث جاءت شاحنات ونقلتهم إلى الطريق البري وساروا فيه لمئات الكيلومترات.. في الطرق الوعرة، ونُقلوا بعد ذلك إلى أديلايد.. ثم ملبورن، ومنها إلى سيدني.. حيث مكثوا في مدرسة تابعة للكنيسة الميثودية إلى أن انتهت الحرب.

من ضمن الأطفال كانت الطفلة بيتي فيشر، البنت الموهوبة التي كانت موعودة بأن تصبح مغنية مشهورة.. ولكنها تزوجت بعد ذلك.

بعد انتهاء الحرب عاد الأطفال إلى جزيرة كروكر.. بصحبة المعلمة سومرفيل.. وبقيت الجزيرة موطنًا لهم إلى أن بلغوا سن 16.. غير أن سومرفيل مكثت معهم حتى عام 1965.. إلى أن أغلقت الإرسالية الميثودية أبوابها عام 1966.

لقد كانت رحلة طويلة معذّبة للأطفال خلال الحرب.. إن الحروب خراب ودمار وعذاب وزهق أرواح.. وخصوصًا على الصغار والأطفال.

نشر في جريدة التلغراف الأسترالية

رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=42952

ذات صلة

spot_img