spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 52

آخر المقالات

الدكتور طلال أبوغزاله ـ فلسطين: محور العدالة العالمية وقضية الشعوب الحرة

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الدكتور طلال أبوغزاله تبرز قضيتنا الفلسطينية...

هاني الترك OAM ــ الشيك الذي أرسله تشارلز ديكنز

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM   كان...

د. زياد علوش ـ ملكة جمال لبنان”ندى كوسا” للشباب والصبايا لدينا القوة لتحقيق التغيير

مجلة عرب أسترالياـ أجرى الحوار الدكتور زياد علوش جمال كلما...

نعيم شقير- أم البنين

مجلة عرب أستراليا سيدني- أم البنين

الكاتب نعيم شقير
الكاتب نعيم شقير

بقلم الكاتب نعيم شقير

أم البنين

***

عندما صارت أما لثلاثة صبيان سموها ” أم البنين ” ..

كانت سعيدة باللقب وكانت موضع حسد نساء الحي وعرائسه وكانت طلباتها مجابة من الجميع ..

ومع ذلك كانت تحن لبنت وتدعو إلى الله أن يزين ذريتها ببنت تكون آخر العنقود وحصة أمها ..

ولكن كما يقول المثل ” أنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد ” ..

توفي رب العائلة في حادث مؤلم، وغرق البيت، الذي كان سعيدا بصبيانه، غرق في سواد الحداد ثيابا ونفسيات ..

كانت تتقبل التعازي وتسمع كلمات العزاء ..

كانوا يقولون لها ” من خلف ما مات”.. عندك ثلاثة أشبال، ثلاثة رجال، ثلاثة أعمدة ..

لكن الثلاثة كانوا صغارًا .. لم تكتمل عظامهم ولم يتشكل ريشهم ولم يشتد عودهم ..

ومع ذلك شكرت الله على حسن ابتلائه، وكرست حياتها لأولادها الثلاثة ..

كانت موضع احترام الجميع ومحبتهم ..

ام البنين لها ما تريد ..

طلباتها مجابة وألف من يخدمها ..

اضطرتها قساوة العيش على العمل في الخياطة ..

وصارت أم البنين خياطة الحي ..

كل نساء الحي صرن زبائن عندها.. هذه توصيها على فستان وتلك على تنورة وثالثة تقصدها لإصلاح ما أفسده القدم وفرضته الموضة ..

وهكذا استطاعت أم البنين تأمين مدارس الأولاد ..

كانت تحيي الليل على ماكينة الخياطة، وزادت على الثياب خياطة الستائر والملاحف، وكل ما له علاقة بخيط وإبرة وقماش صار على ماكينتها ..

كانت الليرات التي تأتي فرادى من الخياطة تذهب بالجملة الى المدرسة ..

ولم يخفف تعبها سوى نجاحات البنين ..

كانت السنة تمر في لحظة عين وكان الصبر فاكهة الانتظار ..

وكان التعب يهون عند نهاية العام بشهادات الأولاد ..

كان النجاح يطرز مساءات البيت الحزين ..

وأخذ ثوب الحداد يضيق شيئا فشيئًا، حتى نزعته أم البنين دفعة واحدة تلبية لرغبة أولادها وهدية نجاحهم ..

قال لها الجيران والمعارف حرام يا أم البنين أن تلبسي الأسود وتربي الأيتام ..

قالت لهم كيف أنزع ثياب الحداد وقد فقدت معيلي ورفيقي وسندي وعافيتي ..

قالوا لها البركة بالأولاد ، والثياب السوداء فأل شؤم على الصغار ..

ترددت قبل لن تنزع الأسود ، لكنها نزعته إلى الأبيض والرمادي ..

لم تلبس الألوان الفرحة ..

لم تلبس من الألوان التي كانت تجري في ابرتها ..

ارتدت بعضًا من الألوان الداكنة ..

لم تعرف التسريحة ولم تعرف العطر ولا التبرج ..

كانت السنة تذهب راكضة فتأتي الجديدة بجديدها ..

كانت الصفوف تكبر أكثر فأكثر حتى بلغت الجامعة ..

حينها أطلقت أول زغرودة في البيت ..

***

نجح البكر ووعد أمه أن يرد لها الجميل ..

كان القدر أقسى منه وكان القضاء يترصده ..

قذيفة غادرة خطفته وأعادته جثة مشلعة إلى حضن أمه ..

كان الموت في ذلك الوقت يحل ضيفًا على المنازل والطرقات ..

كان يقطن العيون ويفترس الشفاه وكان ينثر نحيبه على المفارق حينًا على متن رصاصة قناص وأحيانا على صهوة قذيفة وغالبًا على متن انفجار ..

حملته الأيدي العارية إلى حيث يعود كل مساء ..

أصابته شظية أحدثت نافذة وردية في خاصرته ..

اندلق سائل وردي من خاصرته الطرية ، أحدث نزيفًا في دماغ أمه ..

كأنها فقدت النطق ..

كأنها فقدت عبارات الألم ..

وها هو الجدار يتسع لصورة تلاصق صورة أبيه ..

كأن الابتسامة انطفأت في ذلك المنزل ..

كأن الإبرة تعثرت في رحلتها اليومية ..

وصار الفستان يأخذ أيامًا لإنجازه ، وكان قبلا لا يحتاج لأكثر من ساعات قليلة ..

صار يحتاج لأسبوع وبروفات عديدة ..

وصارت رحلة الإبرة مليئة بالأحزان ومخضبة بالدمع الصامت الحارق ..

صارت تمشي بخطى متعرجة ..

وصارت الدموع تبلل الأقمشة ..

نصحها الجيران أن تلقي حمولتها على الله ..

رجوها أن لا تكفر لأن الابتلاء رحمة ..

وكان الله أكرم ..

أمدها بالصبر والسلوان ..

وصرفت وقتها للاهتمام بالولدين ..

ولم يتأخر الفرح في القدوم ..

عاد على متن النجاح إلى البيت الحزين ..

وكان كل نجاح يلون البيت الحزين حتى غادره الحزن إلى البعيد ..

من نجاح إلى نجاح صار البيت الأسود ملونًا ..

وإذا بالموت يضج بالحياة وإذا بالحياة تقدم الفرح للام الحزينة وتدخل ابنها الجامعة ..

وهذه المرة على متن منحة لا تعطى إلا للمتفوقين ..

منحة كاملة من خمس سنوات تكفلت بها إدارة الجامعة ..

رافقته خلال رحلته إلى الاختصاص الثمين ..

وكانت توسلات أمه تضيء له الدرب ..

وكانت وعوده تلون الصبر وتجعله صبرًا جميلًا ..

ومن سنة إلى سنة، صار الشاب في سنته الأخيرة ..

وصار الصغير آخر العنقود في سنته الأولى ..

الصغير الذي كان الكتاب أكبر منه ، قصير القامة منمنم لا تشعر بعمره ولا بسنواته ..

إختار الهندسة التي انتقاها شقيقه ..

وقبل نهاية العام الأخير، جاء المهندس ببشرى الى أمه ..

زفها نبأ حصوله على منحة الدكتوراه ..

وإنه لن يغيب أكثر من أربع سنوات، ليعود ويفرد جناحه للأم التي أفنت شبابها في إنارة دربه ..

رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=26324

ذات صلة

spot_img