مجلة عرب أستراليا سيدني- غدير حدادين تكتب بحبر الروح “حافية نحو الشمس”
بقلم الكاتب كايد هاشم
تختار الكاتبة والشاعرة والفنانة التشكيلية والناشطة الاجتماعية الإعلامية غدير حدادين لكتابها الجديد عنواناً يتوالف في البُعد الدلالي مع عناوين النصوص التي استصفتها من حبر الروح، وأرادت أن تدعوها مجتمعةً ب : “حافية نحو الشمس”، وهو أيضاً عنوان النص الأوّل في الكتاب؛ الذي يكثف المعنى في سردية مستلَّة من لحظة انعتاق وسط دهاليز العتمة نحو شمس الحقيقة في فضاء الكون، وفي الوقت نفسه تأكيد التجذُّر في حاضنة التجربة حيث الخطو بحفاء البساطة والطهر والبراءة لتلامس الخطوات أصل الحياة في الدفء الأرضي وطين الخليقة، ذلك ما يؤكده نص تمهيدي أشبه ببيان جوهر الرسالة الذي أرادته الكاتبة من هذه المجموعة وفيه قولها الصوفي المَلمَح : “مَن يبدأ بالحب ينتهي به، تماماً كما يبدأ بالوطن وينتهي به”، وأيضاً: ” فالحب يرتقي بنا إلى ما هو أبعد من عالمنا الصغير، وأعلى من رؤانا، إلى ما هو أنقى وأصفى وأوضح .. الله محبة”.
إذاً، فهذه نصوصٌ من أشكال السَّرد والخاطرة الوجدانية والمقالات القصيرة تنتصر للحياة والحب الكوني الأسمى، وتقدِّم نفسها دون وسيط بومضها البلاغي المكثف لصورٍ تتداعى في الأعماق، وتجلّيات من استغراقات تأملية في معنى الوجود. وهي وإنْ لم تفقد صلتها بالواقع وتداعيات صراع التناقضات في حياة البشر عموماً، والمرأة خصوصاً، فإنها تحتفي بالفطرة الإنسانية وتدافع عن الحُلم؛ بل تقاوم بقوةٍ منبعثةٍ من الشغف بالضوء ما يحاصر الحُلم، وما يسدّ منافذه بظلالٍ قاتمةٍ تخنق النقاء وتحوِّل الواقع إلى وهمٍ وزيف.
ليست المرأة هنا بصفة محور سيرة فردية أو ما يشبه السِّيرة، أو أنها بصفة الكاتبة إلى الحدّ الذي يقف عند الانتهاء من كتابة النصّ وتقديمه إلى القراء، ولكنها المرأة ذات الرمزية لجوهر المعنى بامتلاكها لحظة القرار، والقدرة على إبداع التعبير، واختيار أسلوب المواجهة، واكتمال الحضور في فضاء الزمان والمكان! ما يعني أن المسألة لا تنحصر في مشاغل ساعة من القضايا العامة واليومية للمجتمع، بقدر ما هي قضية المجتمع ذاته الذي لا يكتمل دون نصفه ودون إنصاف تكوينه الأساسي الطبيعي بالعدالة بين المرأة والرجل.
تبدو هذه المدوّنة محاولة لاستخلاص حكمة التجربة من المسافات النسبية قُرباً أو بُعداً أو حتى امتزاجاً بين الواقع والخيال، والحب والحريّة، والثورة والسكون، والشجاعة والتراجع، والقوّة والوهن، والفرح والحزن، واللقاء والفُراق، والفَقْد والحنين … محصلتُها مشهديات مكتنزة بتفاصيل وهواجس ورؤى تبحث عن القيمة التكاملية مع الكون كضرورة للبحث عن التوازن المفقود لإنسان هذا العصر المائج بالغرائب والعجائب، أمام اختلال ميزان القيم وقلق الضمير، والخشية من التباسات الظُّلمة وانطفاء جذوة الأمل، وشراسة التنافس فوق الأرض على افتراس الكيان الإنساني وتدميره. ولكنها ليست بهذا المعنى مدوّنة فلسفية وإنْ كان الروح الفلسفي بادياً بين السطور، ولا هي من الدروس الأخلاقية في الوعظ واستنباط العِبر، وإنما هي دعوة لا تنقصها جرأة الروح إلى الحوار والمكاشفة والمواجهة بالاتجاه المحدَّد نحو ضوء الشمس، والتجذّر في الأرض التي تُنبت الورود والأشجار، وترتدي الخُضرة، وتحتضن ينابيع الخير والأمان والاطمئنان.
تلك هي مهمة الفن الملتزم، بصِيغه المختلفة، في أن يحثّ الخيال على الانطلاق، والحسّ على التفاعل، والعقل على التفكّر، وأن ينير دروب الوعي للخروج من حلقات الذات حين تضيق على ذاتها إلى إيجابية التسامي والتماهي مع القضية الإنسانية ككل.
وكما أنَّ الخيال يفسح رؤية أبعاد الواقع غير المنظورة للعيان، فإنَّ أفق الكتابة الإبداعية الرَّحب يستوعب خلاصات التجارب الإنسانية لتمتزج ألوانها على صفحته البانورامية في تناسق جماليّ يضيئه شعاع الحقيقة ويُستشَف من وضوحه اليقين ؛ في مشهدٍ بصريٍ يقع من النفس موقعاً حسناً أو يستثير شجناً، نابضاً بالحياة، كأنه أساطير حيَّة من نَسج ذاك الخيال، ولكنه في حقيقته الواقع عينه كما صوّرته وأعادت تشكيله البصيرة المبدعة للكاتبة الأستاذة غدير حدادين في كتابها هذا بعد مجموعاتها الشعرية: «أحلم كما أشاء» ٢٠١٢، و«أُشبهني» ٢٠١٤، و«سأكتفي بعينيك قمحاً للطريق» ٢٠١٧، و«منكَ ابتدأتُ وفي عينيَّ تنتهي»٢٠٢١، التي تتصل جميعها بخيوطٍ ضوئية من مزيج فنون الرؤية الأدبية والبصرية، وتلقائية الخطاب، والحسّ الدرامي الذكي الذي يخاطب الوجدان بلغته، فيجعل من قراءة هذا الأثر الإبداعي جولة ماتعة في معالم رؤية من عالم النّور الذي يشرق بدفء الكلمة ووقعها العميق في النفس، وتلك صفة من صفات النُّبل في الإبداع .
رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=25465