مجله عرب استراليا – سدني – الإعلام الرقمي ودور الشباب في تعزيز التماسك الاجتماعي
بقلم – كايد مصطفى هاشم
يحسُن بنا عندما نتحدث عن الشباب وأدوراهم وأوضاعهم أن نحدِّد مَنْ هم الشباب الذين نقصدهم، وأي الفئات العمرية التي تُدرَج ضمن هذا الوصف. وفي ضوء ذلك نجد الأمم المتحدة تعرِّف الشباب بأنهم أفراد في أعمار من 15 – 24 عاماً، وعملياً هي المرحلة التي تُختتم بإنهاء المرحلة الأولى من التعليم العالي . فيما حدَّدت مبادرة الشرق الأوسط الشباب بأنهم ذوو الأعمار من 15 – 29 عاماً الذين هم في مرحلة العمل أو ما بعد التخرّج من المرحلة الأولى تلك، وهناك تصنيف آخر للشباب من سن 15 -35 عاماً. مع الأخذ بالاعتبار مع هذه التصنيفات عدم التجانس بين الشباب كمجموعة؛ بسبب اختلاف أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والديمغرافية والجغرافية والبيئية.(1)
وسنجد أن الفئات من ذوي الأعمار الشابّة وبحكم معدلات النموّ السكاني المرتفعة في المنطقة العربية خلال العقود الماضية، أصبحت تحوز النسبة الأكبر وبمعدلات متفاوتة من أعداد السكان في أنحاء هذه المنطقة، مما يوصف بأنه “عامل واقعيةٍ حاسم يكتنف التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، وتنعكس على هذه الكتلة السكانية بشكل مباشر آثار التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً في ما يتعلق بالتحصيل التعليميالنوعي، وفرص العمل المناسبة، والرعاية الصحية والمهنية، وكذلك المشاركة المدنية (2).
ورغم ذلك، فقد ظلت بعض الدراسات تؤشِّر لسنوات متعددة على أن هذا القطاع الأكبر سكانياً، يعاني أشكالاً من التهميش وحالات من الاغتراب داخل مجتمعاته،وأن هذه النسبة المرتفعة التي تقدر بعشرات الملايين من الشباب تمثل التَّوق إلى المشاركة في حركة الحياة والإسهام في تحقيق المجتمع المتقدم، في وقتٍ كانت فيه المجتمعات العربية تواجه تحدّيات العولمة، وما أوجدته تياراتها المتدفقة من إشكاليات في موضوع الهوية الثقافية، وجدل الثنائيات ولاسيما ثنائية الأصالة والمعاصرة، والصراع بين الماضي والحاضر، ووجد الشباب أنفسهم في مقدمة هذه المواجهة دون أدوات ثقافية وفكرية وإعلامية وتربوية يمكنها أن تطاول هذا المدّ المتلاحق من التغيّرات وتستوعبه، فنشأت مظاهر منالاغتراب الثقافي، والاغتراب السياسي بافتقاد المعايير والقواعد المنظمة للسلوك السياسي، وبالتالي فقدان الدور في هذا المجال، الأمر الذي نشأ عنه ظواهر التمرد والتطرف في بعض الأحيان.(3)
إنَّ المشكلات التي تنشأ عن ضعف الانتماء واضطراب الهوية، تعمّق التبعية والتجزئة والتخلف، مما يجعل صورة المستقبل ضبابيّة أمام الشباب، وبخاصة مع فقدان التواصل السليم أسرياً واجتماعياً وثقافياً، وقصور الإعلام عن تقديم رؤية وخطاب متفاعل مع المجتمع وقضاياه يؤكد هويته ومرجعياته الفكرية وقيمه الثقافية، ووجود بقايا من ثقافة الخوف في الذهنية الاجتماعية.
ترصدُ بعض الدراسات نتائج تشجيع الجدل الانفعالي والاتهامي والاستفزازي في بعض الفضائيات ذات الانتشار الواسع منذ التسعينيات، والتركيز في البرامج على الجانب المثير الذي يعكس وجه الحقيقة ملوَّناً بالعزف على مشاعر عامّة الناس المتعطشين لمعرفة أسرار واقعهم السياسي. ويرى أستاذ الإعلام والاتصال الدكتور عصام الموسى أن نوعاً من الخطاب الإعلامي المُغرِق في الترفيهية أدى إلى إشغال المواطن وهدر وقته والهبوط بذائقته، وتوازى مع هذا الهدر مواد إخبارية في تلك الفضائيات أو مثيلاتها أعلت من شأن الصراعات، فزادت في إحباط المتلقي وسببت له الاكتئاب، خصوصاً في وقت كان الحلم القومي الوحدوي يتراجع.(4)
استطاع الإعلام الرقمي الجديد في منتصف التسعينيات أيضاً أن يجتذب أعداداً كبيرة من جمهور وسائل الإعلام تشير الدراسات والإحصائيات حتى اليوم إلى أن النسبة الأكبر منهم هم الشباب من مختلف الفئات العمرية الشابة، ليصبحوا من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعية، فيتيح لهم اتصالاً معلوماتياً أكثر تفاعلية وجاذبية وسهولة استخدام في أثناء التنقل، سواء بالكتابة أو الصور أو الفيديو. وإذا كانت هذه المواقع قد عملت على زيادة الاهتمام بالقضايا الاجتماعية وقضايا المواطنة، إلا أن العنف اللفظي يتصاعد فيها باتجاهات سياسية وطائفية وعنصرية وما إليها، كما تنتشر من خلالها المواد الإباحية والمواد التي تمسّ القيم الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية، وبعضها له مخاطر ونتائج وتداعيات جرمية عن بُعد.(5)
وإذا كان هناك ما نسمّيه نشراً سيئاً، فإن الاستخدام السيءوالتفاعل السلبي – إذا جازت التسمية – بمختلف صوره يؤدي دوراً لا يقل خطورة وسوءاً في تبديد قيمة استخدام التكنولوجيا المتطورة وسماتها المتمثلة في توفير حرية الاختيار للفرد بمفهومها الفكري من جهة الارتقاء بالعقل والذوق وتعزيز الشعور بالمسؤولية. لكن من المؤكد أن تحقيق ذلك يرتبط بالبيئة الثقافية الاجتماعية ومقدار مناعتها في إيجاد الوازع لدى الأفراد والمجموعات في الاستخدامات غير السوية لمواقع التواصل أياً كان شكلها أو أسلوبها، وإيجاد الآليات الإرشادية التي تجعل من استخدام المواقع التواصلية والإنترنت عموماً له عائد معرفي مفيد ومُعزِّز لوعي الذات والعالم وتطوير الشخصية وترشيح المعلومات كمفاهيم ومعارف يمكن أن تساعد على حل المشكلات والتعامل مع تعقيدات الحياة المعاصرة.
ولا ريب أن جزءاً كبيراً من وقوع الشباب أسرى الفضاء الافتراضي والابتعاد عن الواقع ومواجهته هو افتقاد التفهم والحوار والتواصل بين الأجيال، بحكم التغيّرات الحادة التي قللت من فرص التواصل الوجاهي الاجتماعي. ولذلك من المهم أن تعتني المدارس والجامعات والمنتديات الاجتماعية بتكثيف أنشطتها الحوارية حول قضايا الطلبة أنفسهم والقضايا العامة خارج المناهج، وفي الوقت نفسه العناية بتطوير التعليم الإلكتروني بشكل مستمر، وتوفير بيئة آمنة للطلبة والشباب في مناقشة آرائهم والاستماع إليهم ومشاركتهم في طرح الحلول، وتشجيع الأنشطة الثقافية التي تشارك فيها الأسر والعائلات، ومساعدة ذوي الدخل المنخفض والفقراء من الطلبة والشباب والأسر على الاستفادة من وسائل الاتصال والتواصل في اكتساب المعارف والمهارات ومناقشة قضاياهم والتواصل بينهم وبين مؤسسات المجتمع المدني والجهات المسؤولة، وفق برامج خاصة تضمن لهم المساواة في الاستفادة من التكنولوجيات الحديثة، ودعم وتشجيع المبادرات المجتمعية الهادفة إلى تقوية التضامن والتماسك الاجتماعي، والتي تقوم بها مجموعات على وسائل التواصل والاعتراف بها قانونياً، وتقديم العون والتشجيع لها على إبراز مفاهيم التعايش والتسامح والتضامن والسلم الأهلي والتعاون.
وأشير هنا إلى ما أكدته وثائق “القمّة العالمية لمجتمع المعلومات ما بعد عشر سنوات” من فرص المنطقة العربية في إثراء المحتوى الرقمي المحلي، الذي يخدم حاجات المجتمعات وتطلعاتها، ويفسح المجال لخطاب التنوّع اللغوي والثقافي على الإنترنت، ويدعم الحكومات في وضع سياساتها التحفيزية لتطوير المحتوى المحلي وتعزيز الهوية الثقافية، والأنشطة الريادية والأعمال.(6)
كما من المفيد الإشارة إلى ما سبق لتقرير صادر عن قمّة روّاد الإعلام الاجتماعي في دبي 2016 أن أوضحه حول دور منصات الإعلام الاجتماعي وتأثيرها الواسع في مجال انتشار المشاريع الصغيرة والمتوسطة لروّاد الأعمال الشباب، والتي تعد أحد الحلول الفعالة للحد من البطالة أو التغلّب على عقبة ضآلة فرص العمل. ويُلاحظ أن هذا الانتشار يتزايد في المنطقة الخليجية العربية مُحدثاً تغييرات ملموسة في نمو المشاريع وتسويق الخدمات والعلامات التجارية، وتحسين صورة وأداء المؤسسات، وإنشاء الأعمال الجديدة، وازدهار ريادة الأعمال. ويتجلى ذلك كما يبيّن التقرير في دعم التجارة المحلية للدول، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، وفتح منافذ تسويقية جديدة، وأزالة الحواجز التقليدية والعقبات أمام حرية تبادل الأموال والسلع والخدمات، وتقليل الرسوم الجمركية، وزيادة الشفافية والإصلاح الاقتصادي، وجلب الاستثمار وإتاحة المعلومات للمستثمرين، فضلاً عن تحسين مستوى المعيشة وزيادة الرفاهية للمواطن العادي.(7)
ختاماً، فإن توجيه الدراسات والاستطلاعات في المنطقة العربية نحو الجوانب الإيجابية لمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، وإبراز الفوائد التي يمكن أن تنعكس على تحسين مستوى الحياة للمواطن العربي معيشياً واجتماعياً ومعرفياً، يمثل في الحصيلة جزءاً من التوعية الضرورية التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات الأكاديمية ومراكز البحث لتعزيز آليّات الحد من مخاطر النشر والاستخدام السيئين للتكنولوجيا الحديثة، وتوسيع مساحة الإيجابية في التعامل مع التقنيات الاتصالية، وإيجاد الثقة بين مستخدمي مواقع التواصل ومصادر المعلومات، والتوعية وفق أسس علمية، وعدم ترك الساحة مقتصرة على دراسات التسويق والاستطلاعات لأغراض تجارية أو خدمية بحتة هدفها الترويج والانتشار الإعلانيأوزيادة الاستهلاك.
رابط مختصر .. https://arabsaustralia.com/?p=13227
الهوامش
(1)برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2016، بيروت، 2016، ص18.
(2)المصدر السابق، ص 30-33.
(3)ينظر: د. نسرين الشمايلة، “الاغتراب عند الشباب العرب: أشكاله وأزمته”، في “المؤتمرات الشبابية 2004-2010: خلاصات وتقارير”، منتدى الفكر العربي، عمّان، 2012، ص 47-48.
(4)عصام سليمان الموسى، “الإعلام العربي الرقمي والتحديات الراهنة”، نقابة الصحفيين الأردنيين، عمّان، ص 50-51.
(5)ينظر: نائلة إبراهيم عمارة، “التشبيك والتواصل والتوعية الإعلامية في إطار ظاهرة العنف عند الشباب”، في “الشباب وظاهرة العنف”، منتدى الفكر العربي، عمّان، 2012، ص 109، وص116-117.
(6)الأمم المتحدة / اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”، نشرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتنمية في المنطقة العربية، العدد 22، ص
(7)ينظر نوره الزعبي: “التجارة الإلكترونية عبر شبكات التواصل الاجتماعي”، جريدة “أخبار الخليج”، البحرين، العدد 15216، الأربعاء 20 نوفمبر 2019م.