spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 53

آخر المقالات

غدير بنت سلمان ـ ومن الحُبِّ ما قَتَل ـ حين يتحوّل النور إلى قيد

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة غدير بنت سلمان ومن الحُبِّ...

أبو غزاله العالمية تقاضي حاكم مصرف لبنان السابق

مجلة عرب أسترالياـ أبو غزاله العالمية تقاضي حاكم مصرف...

عباس مراد- عرض لكتاب بشارة مرهج “ما لم ترى عين” جذور الانهيار الاقتصادي في لبنان

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب عباس علي مراد في مجموعة...

أ.د. عماد شبلاق ـ ومن كان يرجو لقاء (ضيوفه) فليعمل عملاً صالحاً!

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم أ.د. عماد وليد شبلاق...

كارين عبد النور ـ أوطان من ورق وروايات عربية تكتب مدنها المكسورة

spot_img

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور

هنا بيروت، ترقد كأيقونة حرية منكّسة، بجمالٍ موجوع يأبى أن يندمل، كجرحٍ يزهر رغم النزيف. وهناك بغداد، مرآةُ حضارة مفقودة، مقهورة، لكنّ ملامحها العباسية لا تزال تطلّ حتى من بين ركام الانكسارات.

وفي الزاوية الأخرى، دمشق، المدينة التي تختبر التحوّلات في صمت الأمهات الثكالى، تقاوم التفتّت كما تُقاوِم أمٌّ فكرة الغياب النهائي لأبنائها. أما القاهرة، فهي تلك العاصمة التي يغمرها النيل كل مساء، ليعيدها إلينا كل صباح مغتسلة، كأنها تنبعث من جديد بلون الأمل ورائحة البدايات.

وتونس، تلك المجبولة بالقلق، واقفة على شفا الأسئلة، تتأرجح بين حلم التغيير العادل وشراك السلطة المتحكمة. والخرطوم، تتحدث بلسان المهمشين، بلكنات الأسواق وجراح العامّة، لا ببلاغة اللغة الرسمية.

وصنعاء، تمامًا كما وصفها وجدي الأهدل في” قوارب جبلية”، مدينة مكتظة بما لا يُقال، معلّقة بين عبء التراث وفجيعة الحاضر. وأما القدس، فتظلّ الحلم المحفوظ في ذاكرة الطفولة، مدينة الصلاة والحرب، والمختبر الأزلي لما تبقّى من انتماء في زمن العجز.

هناك حيث تتبدّل الجغرافيا السياسية وتتغيّر شخصيات الرواية، تطلّ علينا المدن العربية من زوايا الأدب، كأبطال خفية تدير تفاصيل الحكاية. من بيروت التي تكتبنا بالحبر والركام، إلى بغداد التي تنهض من موتها كل يوم، مروراً بدمشق الحزينة، والقاهرة المتناقضة، وطنجة التي تبيع الألم، وصنعاء التي لا تقول كل شيء. هي مدن لا تسكن الرواية فحسب بل تسكن فينا عبرها.

في الرواية العربية ليست المدن مجرّد مسارح سرد، بل شخوص حية، تتألم، تشتاق، تتهالك، وتنهض. حتى باتت البطل الصامت الذي لا يقول الكثير، لكنه يعني كل شيء. وربما كانت هذه المدن الأدبية هي الترجمة الأصدق لما نحياه كعرب. فهي أرشيف الألم الجماعي، والمسرح الوحيد الذي ما زال يسعُنا جميعاً رغم اختلافاتنا. هي تكتبنا. تكتب هزائمنا، أحلامنا، حروبنا السرية والعلنية.

بيروت: بين الضوء والركام

يقول إلياس خوري في روايته “باب الشمس”: “بيروت مدينة بلا ذاكرة، تمشي فوق أنقاضها دون أن تتوقف. مدينة تتجدد في كل كارثة، لكنها لا تتعلم منها.”
وكأنه يُشبّه المدينة بإنسان يمشي رغم الجراح. بيروت، مدينة النقيضين، هي ذلك الكائن المعذّب، الجميل، والعنيف.

وفي روايتها “ملكوت هذه الأرض”، تصف هدى بركات بيروت كرمز للضياع الأخلاقي والسياسي، مدينة تتخبط في خرابها دون خلاص. “كل مدينة تحبك تمتحنك، لكن بيروت تأكلك… مدينة تستهلك من يحبها”.

بغداد: الحكاية التي لا تنتهي

في رواية “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد سعداوي، تتحوّل بغداد إلى مسرح للجريمة الجماعية والعبث. شخصية “الشمّاسه” المصنوعة من أشلاء الضحايا ترمز إلى مدينة تنهض من موتها، لكن بلا وجه واضح. “بغداد لا تموت، بل تستبدل جثثها يومياً لتستمر”.

كذلك، في أعمال علي بدر، نجد بغداد النخبة الثقافية المترددة، الباحثة عن خلاصها في الكتب والمقاهي التي تقاوم الخراب بالحديث.

دمشق: زمن يسيل من الجدران

دمشق في روايات الحرب السورية لا تحضر فقط كمكان، بل كزمن مفقود. تقول سمر يزبك في روايتها “صلصال”: “دمشق مثل عجوز ترفض الموت. جميلة، لكنها لا ترى ولا تسمع.”

القاهرة: زحام يحلم بالتغيير

أما القاهرة فيقول عنها نجيب محفوظ في روايته “الكرنك”: “القاهرة، تلك المدينة التي يبتلعها النيل كل مساء ويعيدها إلينا كل صباح، نظيفة، رغم قذارتها.”

وفي “عمارة يعقوبيان” لعلاء الحسواني، تتحوّل البناية إلى مجاز عن القاهرة نفسها، حيث تتقاطع الطبقات والفساد والطبقية مع الحنين والعنف والرغبة في التغيير.

الدار البيضاء وطنجة: هشاشة الهويات

في “الخبز الحافي”، يكتب محمد شكري عن طنجة: “كل شيء في هذه المدينة يُباع… حتى الألم.”

أما الطاهر بنجلون، في “تلك العتمة الباهرة”، فيرسم الرباط كمساحة للاختناق الوجودي، لا الجغرافي فحسب. مدينة يُعاد فيها بناء الإنسان من داخله بعد سجنه وتعذيبه.

تونس والخرطوم وصنعاء والقدس: أصوات تصرخ على الورق

وماذا عن تونس؟ هي التي نجدها، في “الطلياني” لشكري المبخوت، حائرة بين أمل التغيير ومؤامرات السلطة: “المدينة تبتسم، لكن وراء كل ابتسامة رغبة في الصراخ”.

وفي “الجنقو مسامير الأرض” لعبد العزيز بركة ساكن، تتكلم الخرطوم بلسان المهمشين، بلهجات السوق لا اللغة الفصحى، مدينة مليئة بالصراعات الطبقية والعرقية.

أما صنعاء، في رواية “قوارب جبلية” لوجدي الأهدل، فهي مدينة تُخفي بداخلها ما لا يقال، مشدودة بين التراث والمأساة.

وتبقى القدس، الحلم الذي يتوارثه الأطفال. مدينة الصلاة والحرب، ومختبر العجز والانتماء.

نعم، في الأدب العربي، لا تموت المدن. هي فقط تغيّر أسماءها، وتستمرّ الحكاية.

رابط النشرـ https://arabsaustralia.com/?p=41836

ذات صلة

spot_img