مجلة عرب أستراليا
إنفجار مرفأ بيروت: بين الحقيقة والتكهنات”1″.
بقلم الكاتبة كارين عبد النور
الجزء الأول
دخول الباخرة وحجزها
على مساحة تقدّر بمليون ومئتي ألف متر مربّع يقع مرفأ بيروت. الميناء البحري الرئيسي للبنان في الجزء الشرقي من خليج السان جورج على ساحل بيروت شمال البحر الأبيض المتوسط وغرب نهر بيروت. موقعه الاستراتيجي هذا جعل منه مركزاً للتجارة الدولية وعقدة مواصلات بين شرق اسيا وأوروبا وأفريقيا. يضمّ خمسة أحواض ويتضمن العديد من المستودعات كما إهراءات القمح والمنطقة الحرة. يتّصل بستة وخمسين خطاً ملاحياً عالمياً وتمّ تصنيفه من أفضل الموانئ أداءً على مستوى العالم والمنطقة.
مرفأ بيروت: أهمية تاريخية وعالمية
إدارة ورقابة
يخضع مرفأ بيروت بشكل أساسي لإدارة اللجنة المؤقّتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت التي شكّلتها الحكومة اللبنانية برئاسة الرئيس رفيق الحريري في العام 1993، بعدما انتهت مدّة الامتياز التي كانت ممنوحة للشركة اللبنانية التي كانت تشغّل المرفأ. فتعاقبت أربع لجان مؤقّتة على إدارته آخرها كان عام 2001، والتي أصبحت بحكم الدائمة برئاسة السيّد حسن قريطم. هذا بالإضافة إلى صلاحيات للجمارك التي تتبع وزارة المالية والمديرية العامة للنقل البري والبحري التي تتبع بدورها إلى وزارة الأشغال العامة والنقل. فضلاً عن وجود أغلب الأجهزة الأمنية والعسكرية على المرفأ أبرزها الجيش اللبناني.
يتولّى الجيش اللبناني، من خلال جهاز أمن المرفأ التابع له، مراقبة الحدود البحرية لمنع عمليات التهريب بكافة أنواعها إلى خارج البلاد عبر المرفأ، وتقديم المساعدة للسفن العائدة إلى الأمم المتحدة التي تقوم بمهمة مراقبة المياه الإقليمية اللبنانية، إضافة إلى السفن الحربية الأجنبية الزائرة ومنع إدخال البضائع المفروضة عليها قيود من دون إذن مسبّق مثل الأسلحة، الذخائر، الأسمدة الكيميائية المستوردة، الطائرات المسيّرة عن بعد، الألعاب النارية وغيرها.
الجيش اللبناني يراقب الحدود البحرية
Rhosus في بيروت
في أيلول 2013 أقدمت شركة Savaro Limited ومقرّها في أوكرانيا عبر وكالة الشحن Agroblend Export Limited على إبرام عقد استئجار سفينة مع شركة Teto Shipping Limited، وهي الشركة المالكة للسفينة MV Rhosus. كان الهدف نقل ما يعادل 2,750 طناً من نترات الأمونيوم موضّبة ضمن أكياس كبيرة مصنّفة بالخطرة، بحيث بلغت سعة الكيس طناً واحداً، لشحنها من مرفأ باتومي في جورجيا إلى مرفأ بيرا في موزمبيق، وذلك لأمر بنك موزمبيق الدولي لمصلحة شركة Fabrica De Explosivos.
أبحرت الباخرة Rhosus من مرفأ باتومي في جورجيا باتجاه مرفأ بيرا في موزمبيق في 2013/09/27 محمّلة بنترات الأمونيوم. ولدى وصولها إلى مرفأ اسطمبول توقفت ليومين وتمّ تبديل طاقم السفينة لأسباب مالية، ثمّ عاودت إبحارها باتجاه مرفأ بيرايوس في اليونان بانتظار تأمين بضاعة إضافية لتسديد رسوم عبور قناة السويس، فكانت الوجهة بيروت. وفي 2013/11/21 دخلت الباخرة المياه الإقليمية اللبنانية بعد السماح لها من قِبَل رئاسة مرفأ بيروت، رغم أن مانيفست الباخرة يفيد بأنها تحمل 2,750 طناً من نترات الأمونيوم عالي الكثافة برسم الترانزيت وأنها في صدد شحن معدّات من مرفأ بيروت.
Rhosus ترسو في مرفأ بيروت
اليونيفل تحذّر
عملاً بالقرار الدولي 1701 أعطيت اليونيفل صلاحية مناداة السفن الداخلة إلى المياه الإقليمية اللبنانية والتحقق منها بالتعاون مع القوات البحرية التابعة للجيش اللبناني. ومع اقتراب السفينة Rhosus من المياه الإقليمية اللبنانية أبلغت اليونيفل السلطات اللبنانية أن السفينة في طريقها إلى مرفأ بيروت، وأن حمولتها هي من نوع نترات الأمونيوم زنة 2,755 طناً وبكثافة 10%.
عندها طلبت اليونيفل من الجيش اللبناني إجراء التحقيق بشأن هذه السفينة وإبلاغها النتيجة. وفي اليوم نفسه، أعلنت غرفة العمليات البحرية في الجيش اللبناني أن السفينة Rhosus دخلت مرفأ بيروت وأنه جرى تفتيشها وتبيّن أنها نظيفة ولم يسجّل أي شيء غير قانوني. إلا أن تقرير لائحة السفن المتوقّع وصولها إلى المياه الإقليمية اللبنانية الذي يتمّ تبادله بين بحرية الجيش اللبناني وبحرية اليونيفل يومياً، وردت فيه إشارة إلى أن السفينة تحمل مواداً شديدة الانفجار.
مسار الباخرة Rhosus حتى وصولها إلى مرفأ بيروت
خطر يهدّد الملاحة البحرية
دخلت الباخرة Rhosus المياه الإقليمية اللبنانية ورست في مرفأ بيروت بهدف شحن معدّات ثقيلة تستخدم في عمليات المسح الزلزالي بحثاً عن النفط إلى مرفأ العقبة في الأردن، وذلك من دون علم مسبق وتنسيق مع أصحاب حمولة نترات الأمونيوم. وبحسب ما تؤكده المراسلات بين شركة Agroblend Export Limited مالكة الشحنة وسمير نعيمي صاحب شركة Sea Line للشحن، فإن Agroblend لم تكن على علم بتوجّه الباخرة إلى لبنان. كما تظهر الوثيقة أن Agroblend طلبت من نعيمي مساعدتها لإنقاذ شحنتها وإيجاد تسوية مع مالكي الباخرة Rhosus بعد ابتزازهم لها بطلب أموال إضافية.
أثناء تحميل المعدات التابعة لشركة Geophysical Services Centre التي يديرها الأردني عصام فايز سمارة والتي كانت قد عقدت عام 2013 اتفاقاً مع شركة Spectrum البريطانية للتنقيب عن النفط في البرّ اللبناني، لَحِق ضرر كبير بأحد عنابر السفينة، فطلبت المديرية العامة للنقل البري والبحري من جهاز الرقابة على السفن التابع لها إجراء الكشف على الباخرة. وخلص تقريره الصادر في 2013/11/25 إلى عدم استيفاء الباخرة شروط سلامة الملاحة البحرية وضرورة حجزها لحين إصلاحها.
توصيات جهاز الرقابة على السفن في مرفأ بيروت
حجز الباخرة وطاقمها
وبين هذين الكشفين من قِبَل جهاز الرقابة على السفن صدرت عدة إشعارات تبليغ بحجز إحتياطي على السفينة من دائرة تنفيذ بيروت تتعلق بدين لصالح عدة شركات لتزويدها بالوقود وغيرها. فتمّ الحجز على الباخرة وطاقمها ومُنعت من مغادرة المياه الإقليمية. لكن المادة المحمّلة من نترات الأمونيوم لم تندرج ضمن الحجز وكذلك المعدّات التي كان من المفترض أن تنقلها الباخرة إلى الأردن. وبسبب الحجوزات القضائية بقيت السفينة راسية على أحد الأرصفة في مرفأ بيروت مدّة تزيد عن ثلاثة أشهر مُنع خلالها البحّارة من مغادرتها. عندها أرسل الضابط الجمركي جوزف سكاف مع نهاية شباط 2014 رسالة إلى إدارته محذّراً فيها من خطر البضاعة المحمّلة على متنها، مقترحاً إبعاد الباخرة عن أرصفة المرفأ إلى كاسر الموج ووضعها تحت رقابة الأجهزة الأمنية.
على إثر رسالة سكاف التحذيرية، قام رئيس دائرة المانيفست في حينها بدري ضاهر بفتح تحقيق، خاصة بعد أن تبيّن بأنّ الوكيل البحري للسّفينة Rhosus لم يذكر جنس البضاعة على اللائحة الموحّدة عند دخولها مرفأ بيروت، ما يعني أنّ حمولة السفينة كانت خفيّة عن الأجهزة الأمنية طوال فترة مكوث الباخرة في مرفأ بيروت. لكنّ تحقيق الجمارك غضّ النظر عن المخالفة بذريعة القانون الجمركي وتعاميمه الملحقة التي لا تلزم ذكر جنس البضاعة ونوعها إلّا في حال كانت ممنوعة أو محتكرة. ولمّا كانت البضاعة قد دخلت مرفأ بيروت في وضعيّة ترانزيت تمّ التغاضي عن المخالفة. في 2014/04/02 تبيّن من خلال التقرير الذي تمّ رفعه إلى المدير العام للنقل البري والبحري في وزارة الأشغال العامة، عبد الحفيظ القيسي، أن وضع الباخرة يزداد سوءاً وأنه لا بدّ من معالجة حالتها وأنها تتجه نحو الغرق.
حجز لصالح شركة Aggreco Iburia
البضاعة علقت رغم المساعي
علمت شركة Savaro، مالكة شحنة نترات الأمونيوم، بقرار الحجز على الباخرة وقامت بمراسلة مالك السفينة لمعرفة مصير الحمولة. وأظهرت المراسلات والمستندات إصرار شركة Savaro لحلّ معضلة شحنتها وإيصالها إلى ميناء بيرا في موزمبيق، فيما كان مالك السفينة يطلب أموالاً إضافية لسداد ما عليه من ديون لصالح شركات الوقود. كما بقيت Savaro على تواصل مع سمير نعيمي صاحب شركة Sealine للشحن لإيجاد تسوية مع مالك الباخرة أو محاولة تأمين باخرة متوجّهة إلى مرفأ بيرا في موزمبيق لنقل شحنة نترات الأمونيوم.
في موازاة ذلك، عملت شركة Savaro، بالتواصل مع عدة مكاتب لشركات شحن البضائع في لبنان، لتقديم عروض لإعادة شحن نترات الأمونيوم إلى موزمبيق. وشرحت لهذه الشركات نوعية ومواصفات البضاعة الموجودة، وأكدت أنها على استعداد لتسديد كلفة الشحن مسبقاً في لبنان. كما لوحظ اهتمامها بالحفاظ على جودة البضاعة وطريقة تخزينها والحرص على عدم وصول الرطوبة إليها.
من المراسلات المطالبة بتسليم الشحنة إلى مرفأ بيرا في موزمبيق
رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=35397