مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور

مع اقتراب الرابع عشر من شباط/فبراير من كل عام، تنطلق طائرات محملة بأطنان من الورود من مزارع شرق أفريقيا وأميركا الجنوبية، لتصل إلى الأسواق العالمية في رحلة لوجستية معقدة تضمن وصولها في ذروة نضارتها. وبينما يحتفل الملايين بعيد الحب بتقديم الورود الحمراء، تبقى خلف هذه الزهور قصة أخرى تمتد عبر القارات، تحمل في طياتها تحديات بيئية واقتصادية واجتماعية.
يُعدّ عيد الحب أحد أكثر الفترات ازدهاراً في تجارة الزهور، حيث يتم شحن مئات الملايين من الورود خلال أسبوع واحد. وعلى الرغم من إمكانية زراعة الورود محلياً في بعض الدول مثل المملكة المتحدة، فإن الطلب العالي والتنوع المطلوب يدفعان السوق نحو الاستيراد من دول ذات مناخ ملائم وتكلفة إنتاج أقل.
تتربع هولندا على عرش تجارة الزهور، ليس فقط بسبب إنتاجها المحلي داخل البيوت الزجاجية، ولكن أيضاً بسبب موقعها كمركز رئيسي لإعادة التوزيع العالمي. غير أن الورود الهولندية ليست الوحيدة في الأسواق، إذ تعدّ كل من كينيا، إثيوبيا، كولومبيا والإكوادور من كبار منتجي الزهور، نظراً لمساحاتهم الزراعية الواسعة وكلفة الإنتاج المنخفضة.
كذلك تلعب العوامل البيئية دوراً رئيسياً في جدوى إنتاج الزهور، حيث تختلف بصمتها الكربونية وفقاً لظروف الزراعة والنقل. وبحسب دراسات أكاديمية، فإن الورود المزروعة في البيوت الزجاجية الهولندية تستهلك كميات كبيرة من الطاقة بسبب الحاجة إلى الإضاءة الاصطناعية والتدفئة، ما يجعلها تنتج نحو 2.91 كجم من ثاني أكسيد الكربون لكل وردة. في المقابل، تنتج الورود المزروعة في كينيا نحو 0.5 كجم فقط، إذ تعتمد على المناخ الطبيعي دون الحاجة إلى موارد طاقة إضافية.
لكن ذلك لا يعني أن الورود منخفضة الكربون تخلو من المشاكل، إذ تواجه المزارع في الدول النامية تحديات أخرى، مثل الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية والمواد الكيميائية، والتي تؤثر على صحة العمال والبيئة المحيطة. كما أن نقل الزهور عبر الطائرات والشاحنات المبردة يزيد من البصمة الكربونية الإجمالية لهذه الصناعة.
إلى جانب الأثر البيئي، تواجه تجارة الزهور تحديات اجتماعية وإنسانية، لا سيما في ما يتعلق بحقوق العمال وظروف العمل. ففي بعض دول أميركا اللاتينية، يعاني العاملون في مزارع الزهور من مشكلات صحية نتيجة التعرض المستمر للمواد الكيميائية. كما أن قضايا مثل عدم الاستقرار الوظيفي، والتمييز في الأجور، وحقوق الأراضي لا تزال محل جدل عالمي.
المثير للاهتمام أن جزءاً من طفرة إنتاج الزهور في كولومبيا والإكوادور كان نتيجة لمحاولات الولايات المتحدة الحد من تجارة المخدرات، حيث شجعت هذه الدول على زراعة الزهور بدلاً من نبات الكوكا المستخدم في إنتاج الكوكايين، ما أدى إلى ازدهار الصناعة ولكن على حساب إنتاج محلي في دول مثل الولايات المتحدة.
ليس من السهل على المستهلك العادي تحديد مصدر الزهرة التي يشتريها أو ظروف إنتاجها، لكن هناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان شراء أزهار أكثر استدامة وأخلاقية. ينصح الخبراء في جامعة كوفنتري بتحديد الأولويات عند الشراء، مثل البحث عن العلامات التجارية التي تلتزم بمعايير بيئية واجتماعية صارمة، واختيار الورود المزروعة محلياً عند الإمكان، أو حتى استبدال الزهور الطازجة ببدائل أكثر استدامة، مثل النباتات أو الزهور المجففة.
تظل الورود رمزاً خالداً للرومانسية في عيد الحب، لكن خلف جمالها تكمن صناعة معقدة تتأرجح بين الربحية والاستدامة. وبينما يحتفل الملايين بهذه المناسبة بتبادل الزهور، يبقى السؤال مطروحاً: كيف نوازن بين تقاليدنا الرومانسية والمسؤولية البيئية والاجتماعية؟ ربما يكمن الجواب في وعي المستهلك واتخاذ خيارات أكثر أخلاقية عند شراء باقة ورد في هذا اليوم المميز.
رابط النشر-https://arabsaustralia.com/?p=40769