مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور
قرار وزير التربية اللبناني تأجيل العام الدراسي في المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية إلى الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، مع إعطاء المدارس الخاصة الحرية في تقدير جهوزيتها لفتح أبوابها، أثار البلبلة مجدّداً بين مؤيّد ومعارض. ففي حين يرى البعض أن القرار غير إنساني ولا يساوي بين طلّاب الوطن ككلّ، يصرّ آخرون على ضرورة استمرار القطاع التربوي في عمله منعاً لشلّ هذا المرفق والعودة إلى زمن التخلّف.
في ظلّ تصاعُد حدّة العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من لبنان وتفاقُم حركة النزوح، وأمام سلطة عاجزة عن الارتقاء بأدائها للخروج بخطة طوارئ شاملة لاستيعاب “طوفان” النازحين الذين تخطّى عددهم المليون ومئتي ألف نازح، لجأت الحكومة اللبنانية، كعادتها، إلى أسهل الحلول وأسرعها. فكان اعتماد المدارس والجامعات كمراكز إيواء للنازحين رغم أن العام الدراسي كان على الأبواب.
بحسب الأرقام، يتوزّع النازحون حالياً بين 505 مدرسة رسمية، 54 مدرسة مهنية رسمية، 50 مدرسة خاصة وعدد من مباني الجامعة اللبنانية. بينما وصل عدد التلامذة النازحين إلى ما يقارب 116 ألف نازح من التعليم الرسمي، 278 ألفاً من المدارس الخاصة، 35 ألفاً من التعليم المهني والتقني و37 ألفاً من الجامعة اللبنانية. أما عدد الأساتذة، فقد تجاوز عدد النازحين منهم الـ19 ألفاً من المدارس الرسمية و17 ألفاً من المدارس الخاصة.
بإزاء هذا الكابوس الذي يُضاف إلى كوابيس الحرب الأخرى التي تؤرق اللبنانيين، وفي ظلّ غياب أي أفق لإيجاد ملاذات آمنة بديلة للنازحين، يُطرح السؤال: ما هي الخيارات المتاحة لاستمرارية التعليم وإنقاذ العام الدراسي والانطلاق به بأسرع وقت ممكن، خصوصاً وأن البعض يعتبر أن إبقاء المدارس مقفلة في المناطق التي لا تشهد أعمالاً قتالية سيدفع بأهلها للتفكير بالهجرة تأميناً لمستقبل أبنائهم؟
لمزيد من التفاصيل، تواصلت جريدة “الحرة” مع رئيس المجلس التربوي في حزب “الكتائب اللبنانية”، الدكتور شليطا بو طانيوس، الذي أشار إلى أنه بناء على سلسلة اتصالات أجراها مع مدراء المدارس الخاصة والمعنيين (أبرزها مع أمين عام المدارس الخاصة، الأب يوسف نصر)، كان هناك توافق على أن إقفال المدارس إنما يصبّ في مصلحة إسرائيل التي تسعى إلى شلّ قطاع التعليم في لبنان والعودة باللبنانيين إلى زمن التخلّف.
“من هنا نعتبر أن التعليم والتثقيف جزء لا يتجزّأ من المقاومة، وطالبنا بترك الحرية للمؤسسات التربوية اللبنانية الخاصة لاتّخاذ القرار الذي يتناسب مع وضعها الجغرافي والاجتماعي والتربوي. كما ناشدنا بضرورة التعاون بين المؤسسات تلك ووزارة التربية ولجان الأهل لإيجاد حلّ يسمح للطلّاب النازحين بالحصول على حقّهم في التعليم أسوة بباقي الطلّاب اللبنانيين”.
المعضلة الأساسية، كما يراها بو طانيوس، تتمحور حول خطة الطوارئ التي لم تلحظ تداعيات استقبال النازحين في المدارس، رسمية أكانت أم خاصة. ورغم التصاريح التي أدلى بها العاملون عليها والتأكيد على أن الأمور كلّها تحت السيطرة، إلّا أن وقوع الكارثة كشف عن عدم وجود أي تدابير جاهزة ومدروسة وأن كلّ ما جرى تداوله كان مجرّد كلام لا أساس له. “للأسف، الحلول في لبنان هي دوماً ترقيعية، حيث كان يجب على خطة الطوارئ أن تلحظ أماكن أخرى لإيواء النازحين. فكانت النتيجة تأجيل العام الدراسي رغم غياب أي ضمانات أو تأكيدات حيال انتهاء الأزمة قبل الرابع من الشهر المقبل. إنها سياسة الهروب إلى الأمام التي تبرع الدولة اللبنانية في اعتمادها بدلاً من اتّخاذ خطوات تنصف الطالب النازح وغير النازح على السواء”.
أن يبقى طالب بلا تعليم، أيّاً كان انتماؤه أو خلفيّته، لهو أمر مرفوض بأي شكل من الأشكال. فكما أن الشعب اللبناني ليس هو من يتّخذ قرار الحرب والسلم، من غير المنطقي أن يكون الطلّاب رهينة تهجير فُرض عليهم وعلى ذويهم من جهّة تنصّلت تماماً من مسؤولياتها. ما الحلّ إذاً؟ “لقد اقترحنا وضع خطة لإلحاق الطلّاب النازحين في مدارس خاصة قريبة من أماكن إيوائهم، ليتلقّوا التعليم خلال فترة بعد الظهر، مع تحويل المبالغ التي كانت مخصّصة للمدارس الرسمية لدعم المدارس الخاصة المعنيّة. ورغم الترحيب الذي لمسناه من مدراء تلك المدارس إلّا أن الخطة لم تبصر النور حيث يصعب تحميل المدارس أعباء مالية إضافية، لا سيّما مصاريف التدفئة خلال فصل الشتاء وبدل أتعاب العاملين في فترة بعد الظهر”.
إذاً، بين الإقفال التام للمدارس الذي يطالب به البعض – منعاً للتمييز بين طلّاب القطاع الرسمي من أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة من المجتمع اللبناني بالمبدأ، وطلّاب القطاع الخاص الذين باتوا يُصنَّفون تجاوُزاً بـ”الأغنياء” نظراً للأقساط الخيالية التي فرضتها المدارس الخاصة لهذا العام – وبين مراعاة المدارس المهيّأة لفتح أبوابها والطلّاب والأساتذة القادرين على الالتحاق بها، على الحكومة اللبنانية ووزارة التربية اتّخاذ قرار مسؤول وبلورة خطة إنقاذية لحماية الطلّاب والكفّ عن ضرب مفهوم المواطنة العادِلة في الصميم.
اليوم تحديداً، عادت معظم المدارس الخاصة وفتحت أبوابها أمام طلّابها، وهو قرار حمّلها وزير التربية مسؤوليته كاملة. وقسم منها التزم التعليم عن بعد رغم إثبات هذا النظام فشله لمّا اعتُمد إبان جائحة كورونا. أما المدارس الرسمية، فمقفلة لأجل غير مسمّى والطلّاب النازحون يواجهون مصيرهم الأسود. “هي حرب يدفع ثمنها كلّ لبناني بشكل مختلف، وتُكلّفنا الكثير على مستويَي الحجر والبشر. القطاعات جميعها مشلولة من تعليم إلى اقتصاد وسياحة وغيرها. والحكومة في حالة عجز تام والأفق مسدود. ألم يحن الوقت لنعود جميعاً إلى وطنيتنا ولبنانيتنا ونقول “لبنان أولاً” سعياً لإنقاذ ما تبقّى من هذا الوطن ومن أجيال الغد؟”، كما يختم بو طانيوس.