مجلة عرب أستراليا سيدني
بقلم الكاتب فؤاد الصباغ
إقتصاديات القارة الإفريقية بين الأزمة والحلول
تعتبر القارة الإفريقية اليوم من أفقر قارات العالم وتعاني شعوبها من الأمرين من جهة، حكومات فاشلة نهبت وخربت تلك البلدان علي بكرة أبيها منذ إستقلالها عن مستعمراتها السابقة ومن جهة أخري، تراكم للفقر المدقع وللأزمات الإجتماعية والإقتصادية وغياب كلي للعدالة الإجتماعية وتلبية الحاجيات الأساسية. فعلي الرغم من تلك الثروات الطبيعة الهائلة التي تمتلكها تلك القارة السمراء من نفط وغاز وفسفاط ومناخ ملائم لإنتاج الطاقات المتجددة، إلا أن شعوبها مازالت إلي يومنا هذا تعاني من الفقر والحرمان. أما الأدهي والأمر يكمن في غياب الحقوق الإجتماعية والقانون داخل دول تراهن علي الحرية المالية والقطاع الخاص أيضا إختلال ميزان القدرة الشرائية والدخل الفردي الخام. أما نسب البطالة فحدث ولا حرج عنها بحيث تجد آلاف الخريجين من الجامعات يشتغلون عمال بمقاهي وباعة متجولين وأحيانا تكون حياتهم بطالة في بطالة تتجاوز العشرين سنة بحيث تعبر سنوات دراستهم بتلك الجامعات إضاعة للوقت لا أكثر ولا أقل. فأسباب تلك الحالات العقيمة لدى شعوب مضطهدة بأتم معني الكلمة يعود إلي عوامل داخلية بالأساس منها تنصيب حكومات فاشلة تسعي فقط لخدمة مصالحها الشخصية ومن فساد منظومة إدارية وخاصة. فالقارة الإفريقية تعاني بإستمرار من الأوبئة وفقدان الحاجيات الأساسية والأهم من كل ذلك هو توجهات تلك السياسات الإقتصادية التعيسة التي تروج لها بعض المؤسسات الدولية علي غرار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحت شعار إصلاحات إقتصادية وتأهيل شامل وتقوية القطاع الخاص. أما في المقابل نجد أن تلك السياسات التحررية للأسواق والأسعار ودعم ذلك القطاع الخاص الواهن بطبعه والتوجه نحو خصخصة جميع المؤسسات يعتبر المسبب الرئيسي لبروز تلك الأزمات. إذ أينما تواجد صندوق النقد الدولي في أي دولة من دول القارة الإفريقية، إلا وتواجدت معه الأزمات المالية والفوارق والإضطرابات الإجتماعية.
فقر مدقع وأزمة إقتصادية وإجتماعية
إن الفقر المدقع الذي تعاني منه دول القارة الإفريقية ليس وليد اللحظة وإنما هو تراكمات لسنوات ماضية من التهميش والتخريب نتيجة الفساد الداخلي والخارجي ونهب ثروات تلك الشعوب. فعلي سبيل المثال تعد دولة فرنسا التي تروج لنفسها أنها دولة الحرية والديمقراطية كان دورها سلبي في تلك القارة بحيث كانت هي السبب الرئيسي في تفقير تلك الشعوب وإيصالهم إلي مرحلة الحضيض اليوم. فنهب الثروات الطبيعة والإستيلاء عليها بطرق تعتبرها هي شرعية منها فرض توقيع إتفاقيات تصديرية لتلك الثروات بأرخص الأسعار وتفرض عليها أيضا أن تكون أسواق إستهلاكية موالية لمنتجاتها فقط. كذلك تلك الأزمات المتراكمة علي مدى قرون سببها المباشر فرض تلك الإملاءات الإقتصادية الأجنبية وفرض قيود داخلية تجعلها غير مصنعة لمنتجات منافسة لمنتجاتها. أما الثورات الإجتماعية في بعض بلدان القارة الإفريقية ووصول بعض الأنظمة الغير مؤهلة للحكم إيديولوجيا تسببت بدورها في فوضى عارمة خاصة بجل دول شمال إفريقيا وكانت لها تأثيرات سلبية مباشرة علي إقتصادياتها الوطنية الهشة بطبعها. فتلك الإعتصامات المتتالية والإحتجاجات الشعبية تسببت في تعطيل كلي لدواليب تلك الدول علي مدى عشرية سوداء كاملة وكبدت إقتصادياتها خسائر فادحة منها تضرر كلي لقطاع السياحة والمبادلات التجارية وبالنتيجة تضرر المالية العمومية. فكان لعدم الإستقرار الإجتماعي والأمني تأثير مباشر في عدم الإستقرار الإقتصادي خاصة في بيئة إقتصادية هشة بطبعها لا تمتلك الإمكانيات الأولية لتحقيق ثورة صناعية تحقق من خلالها التوزيع العادل للثروة الوطنية. فالعوامل السياسية الداخلية تعتبر الجزء الأكبر في إنتشار الفقر المدقع بالقارة السمراء من خلال نهب الثروات الوطنية لصالح طبقة معينة بحيث كانت هي المستفيدة الوحيدة من الوضع ولا حسيب ولا رقيب لها وللأسف كانت تحظى بدعم خارجي في هذا الخضم التعيس. إجمالا، يعتبر الوضع الإقتصادي والإجتماعي مزري للغاية في بلدان تلك القارة منها إرتقاع نسب البطالة بحيث تتجاوز أحيانا 20℅ أو أكثر في بعض البلدان ومن نسب نمو إقتصادي أحيانا تكون سلبية بحيث تكبح مؤشرات التنمية والإستثمارات بها وتتسبب في تذمر وسخط للطبقات الإجتماعية الفقيرة بطبعها.
غياب العدالة الإجتماعية في صلب قطاع خاص ضعيف
تعتبر حكومات دول القارة الإفريقية عاجزة تمام العجز لمواجهة فساد الفاسدين في الأرض من قبل بعض رجال المال والأعمال اللذين نهبوا المالية العمومية لتلك الدول عبر الإقتراض من بنوكها وعدم إسترجاع أقساطها وأيضا جريمة التهرب الضريبي المستمر. لذلك يكون القانون مشلول وغائب كليا لمتابعة و معاقبة من أجرم في حق إقتصاديات تلك الدول و شعوبها التي حولتهم إلي مجرد عبيد تستغل وتنتهك حقوقهم يوميا. فلا توجد مصالحة وطنية مع من أجرم في حق تلك الشعوب بحيث مازال يعتبر القطاع الخاص بدول تلك القارة بعيد كل البعد عن منظومة القطاع الخاص بالدول المتقدمة التي تحترم القانون في أبسط جزئياته. فغياب العدالة الإجتماعية في صلب ذلك القطاع الخاص الهش بطبعه تسبب بدوره في بروز أزمات إجتماعية متراكمة علي مدى سنين طويلة. أما الأهم في هذا السياق هو تزايد عدد المهاجرين والمغادرين لتلك البلدان الفقيرة بسبب غياب كلي لحقوقهم ونتيجة للوضع الإجتماعي التعيس. فعجز تلك الحكومات لتشغيل أبنائها بالقطاع العام وتوفير لهم حياة كريمة ولائقة يعتبر نقطة ضعف ووهن مما يتسبب في خلق النقمة لدى تلك الشعوب. أما في المقابل نجد أن القطاع الخاص يلعب دور سلبي بإقتصاديات تلك الدول نظراً لتهربه الضريبي من جهة ويستغل تلك الطبقات الفقيرة بأجور زهيدة وأحيانا لا يوفر لهم تغطية إجتماعية ويسلب حقوقهم ولا أحد يحاسبه علي العدالة الإجتماعية من جهة أخري. أيضا يعتبر ذلك القطاع ضعيف جدا نظرا لنقص الإمكانيات والتكنولوجيات التصنيعية الضخمة إلي جانب بروز طبقة من رجال المال والأعمال الفاسدين التي أضحت بدورها تنهب في أموال الدولة وتودعها بالبنوك الأجنبية ولا تفيد إجمالا الإقتصاد الوطني لدول القارة الإفريقية الفقيرة والتي مازالت تعاني من أزمات إجتماعية وإقتصادية متراكمة.
سياسات إقتصادية تعيسة
إن الأزمات المتراكمة بدول القارة الإفريقية لم تكن لها علاقة بعوامل خارجية فقط ولا تعتبر في جوهرها هي المسبب الحقيقي لتلك الأوضاع الإجتماعية التعيسة. فإنتشار الأزمات المالية والفيروسات دوليا يمثل جزء بسيط من عدوى الأزمات بها. إذ يتركز الجانب الأكبر لتراكم تلك الأزمات علي العوامل الداخلية منها بالأساس التوجهات للسياسات الإقتصادية الداخلية. فتلك التوجهات التي إنتهجتها أغلب دول القارة الإفريقية تندرج في إطار السياسات التحررية و دعم القطاع الخاص وتقوية المنافسة الداخلية من خلال فتح فضاءات تجارية لإقليمية ودولية. لكن في المقابل يدفع الفقير ثمنها باهظا لأنها تسلب حقوقه لصالح طبقات إجتماعية أخري لا تراعي القوانين وتعتبر نفسها خارجة عن نطاقه. فهنا نحكي علي قطاع خاص فاسد وضعيف لأنه يعتبر نفسه فوق القانون ولا يستجيب لتوجهات تلك الحكومات من جانب المساهمة لتغطية عجز القطاع العام من خلال تسديد الضرائب الجبائية أو إسترجاعه للقروض المالية الحكومية. فتلك السياسات الإقتصادية العمياء تسببت في خلق الفوارق الإجتماعية وإختلال كلي في توزيع الثروة الوطنية وتلبية الحاجيات الإجتماعية لتلك الطبقات المهمشة. فغياب العدالة الإجتماعية تسبب في تدهور الوضع الإقتصادي من خلال تزايد نسب التذمر والسخط الشعبي بحيث إزدات نسب الإنتحار في الأماكن العمومية أو التوجه نحو المغادرة الغير شرعية نحو دول الشمال.
الزحف نحو دول الشمال
تعتبر ظاهرة الزحف نحو دول الشمال بالقارة الإفريقية حدث الساعة بحيث تزايدة أعداد الوافدين من دول الساحل والصحراء الإفريقية نحو دول شمال إفريقيا ليبيا، تونس والجزائر والمغرب. أما من الجهة المقابلة فكانت العشرية الفارطة عشرية الهجرة السرية لأغلب شباب دول شمال إفريقيا المفقرين والمعطلين نحو الدول الأوروبية لعلهم يجدون بها شغل لائق و حياة أفضل توفر لهم حياة كريمة. فأضحت اليوم دول القارة الإفريقية مقبرة لسكانها بحيث لا يطيب بها العيش و زادت الأزمات الإجتماعية وإتسعت الفوارق بين الطبقات و إختلت القدرة الشرائية مقابل الدخل الفردي الخام. بالنتيجة تسبب ذلك التدهور الإقتصادي والإجتماعي في زحف تلك الشعوب من دول الجنوب الفقيرة إلي دول الشمال التي تعتبر أوضاع معيشتها أفضل نوعا ما من وجهة نظرهم. أما الأدهي والأمر هو تحطيم أجيال كاملة من الشباب المثقف بحيث أضحى المتحصل علي شهادة جامعية لا قيمة له في وطنه بجل دول القارة الإفريقية وأصبح ضحية “التعليم والتعلم”. فالمخططات التنموية لبعض حكومات دول القارة السمراء تعتبر في مجملها فاشلة لأنها لم تحقق نتائج إيجابية تحسن من ظروفهم المعيشية بل ساهمت في تراكم الأزمات وإنهيار إقتصادياتها.
الحلول التنموية
تكمن الحلول الإقتصادية التنموية بدول تلك القارة الفقيرة السمراء والتي أضحت شعوبها تغادر يوميا تلك البؤر التعيسة نحو دول الشمال في التوجه نحو تعديل السياسات الإقتصادية المنتهجة من قبل بعض الحكومات الفاشلة والإنفصال الكلي عن المستعمر السابق لغويا، سياسيا وإقتصاديا. كذلك مراجعة تلك الحكومات الإفريقية علاقاتها مع مؤسسات البريتن وودز المالية الإستعمارية لأن دورها سلبي أكثر من الإيجابي بتلك الدول. فالتنمية الإقتصادية الحقيقية تنطلق من التعويل علي الذات و خلق فكر جديد عبر الإبتكار والتطوير المحلي في شتي القطاعات خاصة منها الفلاحة، الخدمات وأيضا الصناعة. كذلك التركيز علي زيادة الإنتاجية المحلية وخاصة زيادة نسبة الصادرات المحلية والتكتل والتكامل الإقتصادي الإفريقي بين بلدانه. أما الأهم فهو يكمن في إستغلال ثرواته الطبيعية وتوظيفها في مجال التنمية الإقتصادية وتحسين الظروف الإجتماعية لشعوبه. فالقارة الإفريقية تزخر بموارد طبيعية هائلة لكنها للأسف تعتبر أفقر قارة في العالم وشعوبها أضحت تهجرها بإستمرار بسبب الفقر المدقع. أيضا التخصص في إنتاج الطاقات المتجددة علي غرار الوقود الحيوي من نبتة الجاتروفا الإفريقية ومن الطاقة الشمسية نظرا للمناخ الملائم وتصدير تلك الطاقات البديلة بحيث تكون قادرة علي أن تخلق فرص شغل حقيقية وتحسن من نسب النمو والتنمية المستدامة. أما العلاقات التجارية والإقتصادية الدولية تعتبر دول البريكس “البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا” أفضل حليف تنموي قادر بدوره علي توفير التوازن الداخلي بأسواق تلك القارة السمراء الفقيرة وتوفير الإمكانيات الأولية والمادية لتحويلها إلي دول منتجة زراعيا ومتطورة وأيضا دول صناعية متقدمة.
رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=28454