مجلة عرب أستراليا سيدني
(التاريخ يعيد نفسه) مسار الإنسان والأحداث العظيمة المقبلين عليها.
بقلم الكاتبة غدير بنت سلمان
قد لا يكون شططًا بلاغيا ًمن فلسفتي، إذا ما شبهت مسارات التاريخ الإنساني بمسارات الأنهار. حتى أننا نبرر عادةً حدوث التغيرات التي تصيب شروط ومعطيات الحياة الإنسانية بأن مثل هذه التغيرات قد حدثت لأنه قد جرت في النهر مياه كثيرة، فلم يعد هو نفس النهر قبل أن تجري فيه هذه المياه الجديدة، على أنّ أهم ما يربط بين مسارات الأنهار ومسارات التاريخ من أوجه الشبه هو ما يطرأ عليهما من تغيير في هذه المسارات، فكما أنَّ تغير مسار النهر لا يتم بين غمضة عين وانتباهتها وإنما هو يمر بحقب جيولوجيا قد تستغرق عشرات أو مئات القرون، فإن تغير مسار التاريخ بدوره لا يتم بين ليلة وضحاها! وإنما قد تستغرق مرحلة الانتقال بين العصور التاريخية قرونًا طويلا مليئة بمناطق أشباه الظل التي تتداخل فيها العصور، حتى وإن بدأت مرحلة الانتقال الجيولوجي أو التاريخي بحدث عظيم يدشن عملية الانتقال. مثال يحدث زلزال قوي أو يثور بركان ثورة هائلة أو تسونامي وهذا بالضبط ما حدث عند الانتقال التاريخي من العصور الكلاسيكية القديمة إلى العصور الوسطى أو من هذه العصور الوسطى الى العصور الحديثة. فقد حدث هذا الانتقال أو ذاك بعد أحداث عظيمة ثم استمرت مرحلة الانتقال التاريخي بعد هذه الاحداث لقرون طويلة.
بدأت مرحلة الانتقال التاريخي من العصور الكلاسيكية القديمة إلى العصور الوسطى بعد هزيمة كليوباترا بسبب الأخطاء السياسية الجسيمة التي وقع فيها زوجها وحليفها ماركوس أنطونيوس رغم مهارته العسكرية التي لا تنكر، وبعد نجاح روما بانتصارها في أن تكون مركز الثقل السياسي الوحيد في حوض البحر المتوسط وانحصار نفوذ الإسكندرية السياسي حتى وإن كان قد بقيا لها نفوذها الحضاري الذي لم يختفي فجأة بعد هزيمته العسكرية والسياسية، لتبدأ بعدها مرحلة الانتقال التاريخي التي امتدت لأكثر من أربعة قرون منذ نهاية القرن الأول قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الرابع الميلادي.
كانت لروما خلال فترة الانتقال التاريخي هذه، قوة سياسة وعسكرية طاغية لكنها كانت تفتقر لحكمتين التاريخية والأخلاقية، وهو ما سمح للآخرين بالنفاذ إلى المشهد التاريخي بعد أن أصاب أساسات البنيتين التاريخية والأخلاقية للعالم القديم من التصدعات ما أصاباها بسبب رغبة روما المحمومة في بناء عالم جديد يمحو من الذاكرة كل أثر لبنية عالم قديم التي تحمل بصمةً مصرية متأصلة في عقول البشرية وفي ضميرها الحضاري الموروث من حضارة بابل العظمى.
وسبحان من أحصى كل شيء في كتاب العزيز القرآن الكريم (غلبت الروم) .
التاريخ يعيد نفسه في لباس جديد!! اختلفت الملوك والأسماء ولكن لم ولن تختلف سنة الخالق وحكمته التي في كل عصر ومكان، وبين الحرب والسلام أوزار الأمانة الإنسانية وضعت شئنا أم أبينا.
وها نحن نشهد اليوم نقطة تحول كبيرة العالم بأكمله مقبل عليه، العالم الآن متجهًا إلى انتقال مرعب وأسرع مما نتصور وخاصة على أمم تعرف نفسها والتي تتداول أخبارها عالميًا في الانحطاط الفكري والأخلاقي والفساد الجماعي الذي أدى الى انحدار أمم عربية كانت تفتخر بشيء ولكن للأسف حتى هذا الشيء لم يعد شيئًا مذكوراً.
ما نرى الآن لعنات الله الرحيمبين القرود والخنازير تتقلبفي صفحات السوشيال ميديا والتي وعد بها فقط من ينبذ العهد والميثاق ويسعى في خراب وتدمير الأرض والفساد العلني المنحط الذي اغتصب عقول الناس من صغار وكبار لتهدم الأخلاق والقيم ولا يبقى سوى سلوك الكلاب في اللهاث.
ومع كثرة باعة الأوهام تحت اسم الدين والمنجمين الذين يتمارون في الساعة وعلم الغيب غاب عن عقولهم حكمة أن هذا العلم الشمولي لا يملكه إلا خالق الأكوان، وأن الإنسان مهما بلغت علومه فيبقى جزء من العلم الشمولي الذي لا يطلعه المولى على أحد إلا لمن إرتضى لينذر ويبشر.
نحن في مرحلة وعي هائلة لسنا بحاجة إلى أن نتطلع على علوم النجوم والفلك الموروث من أسماء الحضارات الاغريقية والرومانية الباطلة، نحن الذين آمنا حق الإيمان وتاجرنا مع الحق تجارة لن تبور، فإنّ أسماعنا سمعت وأعيننا شهدت لحن أقوالهم الباطلة وما قدمت أيديهم من اختراق كل ذرة طبيعية وكسر فطرتها لإشباع الكبر الاهوتي البشري.
الكتب ليست أكوامًا من الورق الميت!! انها تحمل لنا إرشادات كثيرة وحقيقة تنسف الأخطاء والخوف المتوارث.
علم الكتاب جعلني أكتب وأُذَكْر فهل من مُذكر! أنا لست هنا كي أعطيك عقيدة أو مذهباً، بل أنا أحاول أن أحرض شيئاً ما في بداخلك إنها ليست مسألة أقوم من خلالها بتقديم عبارات محددة أو إعراب لغوي تعبر عن فلسفتي الخاصة لكنني أنا نفسي عبارة عن نفسك كلنا عابرون وكلنا من نفس واحدة ويكفيني تحريض نفسك على التفكر والتأمل والتسابق في مساعدة الغير لرفعهم إلى طبقة وعي تدرك أنفسهم أنه آن الأوان لكشف الساق عن الساق.
لقد حان الوقت ألاّ نكتفي بتطبيق أسرارنا في الخفاء داخل أي محفل ديني من مسجد كنيسة او أي معبد، علينا ان نخرج الى العلن وآن نبدأ بالعمل على تطبيق مبادئنا على الأرض الواقع. الأمة العربية في حالة خدر تظن انها مكتفية في طقوس العبادة بينما عليها أن تستيقظ وترى بعينها كيف رفع الله أقوام درجات لأنهم سعوا وحتى لو كان سعيهم باطل تابوا فأصلحوا (مثالًا من أقوام كانوا في خيم أصبحوا الآن في ناطحات السحاب) وأن نعمل من أجل نشر الحقيقة الصافية، ومن أجل ان نكفل النصر للفضيلة يجب علينا أن نخلص الناس من الأحكام المسبقة التي تسيطر عليهم ونضع الأغلال عنهم من خلال القواعد التي تناسب روح لله و روح العصر، ومحاولة انقاذ قدر المستطاع من هم على حافة منهج جهنمي، وأن نتولى مهمة تربية النشأة وأن نتوحّد ونترابط بروابط متينة مع أصحاب العقول المستنيرة. وان نتغلب معًا بعزيمة وجرأة على الخرافة وسحر الأوهام التي عقمت العقل عن الإنتاج ونتغلب على ضعف الإيمان والحماقة الإنسانية المتكبرة .وان نكون فريقًا من الناشطين من بين المخلصين لقضيتنا الذين تجمعهم وحدة الهدف.. ألا وهي في اختصار أن نعمل لتغليب الفضيلة على الرذيلة، ولا نجعل المؤساسات السياسية القائمة حُجة مخيفة أي حجر عثرة في تحقيقنا لهذه الغايات النبيلة.
بعيدًا على إثارة النزعات الثورية واستخدام القوة بالقوة والشغب وقلب الأوضاع ما يحتاجه الآن بلادنا العودة إلى جذورنا الحقيقية ونشر دعوة إصلاحية بعيدًا عن العنف، العودة إلى اسم بسم الله الرحيم الرحمن ومكارم الأخلاق، فالعنف لن يتمكن من اقتلاع الشر العنف دعوة مدانة تحمل أوزارها إلى أجيالنا القادمة، فالحقيقة التي نسعى لنشرها ونصرها مثلما فعل الأولون لن تنتصر إلا إذا فرضت نفسها دون أن نضطر سلك سبيل المجرمين الذين مكثوا فيها.
الحراك المنشود المنتظر آتية بإذن الله الذي كفى المؤمنين القتال. وسنبقى نقاتل في الوعي بعيدًا عن من هم في ضلال مبين.
رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=31048