مجلة عرب أستراليا سيدني – يوم الأمونيوم العالمي
بقلم علي شندب
تطل الذكرى السنوية الأولى لتفجير مرفأ بيروت الهيروشيمي، في لحظة سياسية وأمنية بالغة التوتر والهشاشة والتعقيد. فنيران تفجير المرفأ لم تخبو، وأغلب الظنّ أنها لن تخمد في زمن قريب. فألسنة اللهب وسحب الدخان التي ظللت بيروت، استوطنت صدور أهالي ضحايا الإنفجار غير المسبوق فصعّدوا من غضبهم وكثفوا من تحركاتهم بعدما مأسسوا أنشطتهم، وأسّسوا جمعية لمتابعة القضية بأبعادها المختلفة.
4 آب 2021 لحظة مفصلية في المشهد اللبناني والعربي والعالمي. وقد حدّده أهالي ضحايا الإنفجار موعداً نهائياً لمنظومة السلطة كي تستجيب وترضخ لشروط معرفة الحقيقة التي تبدأ من رفع الحصانات وتعليقها عن الجميع ليتحرّر المحقق العدلي من القيود القانونية والدستورية التي تكبله وتعيق عمله في إستكمال التحقيق وإحالة المتهمين المفترضين الى محاكمة العصر الواجبة.
وقد جهدت السلطات في جمهورية النيترات وجاهدت لتجويف التحقيق وشلّه وإعاقته، ومحاولة العمل على توجيه مساراته وضبطها بحدود وسقف الإهمال الوظيفي. في حين أن جوهر التحقيق بحسب أهالي الضحايا ينبغي أن يكشف أسماء وصفات ومناصب وحماة مستوردي نيترات الأمونيوم ومخزنيها، وأيضاً الساهرين على حراستها وتلحيم باب عنبرها، ومن ثم على إستخراجها من المرفأ الى خارجه القريب وربما البعيد، لتحدث مئات الكيلوغرامات المتبقية الإنفجار المهول.
سلوك منظومة الأمونيوم والفساد في ليّ عنق الحقيقة، كان أكثر فتكاً على أهالي الضحايا من الإنفجار نفسه. لهذا فالغضب المتفاقم ضد أطراف المنظومة، بدا شبيهاً بأوار النيران التي تلتهم قلب لبنان الأخضر في عكار، وسط عجز منظومة النهب والصفقات والعمولات عن إطفاء النيران المتمادية والممتدة باتجاه منطقة الضنية المتصلة حرجياً ووجدانياً ومصيرياً بمنطقة عكار. وكلّنا يعلم تنكيل المنظومة بمتطوعي الدفاع المدني وفوج الإطفاء والتسويف المهين والمذل في إعطائهم حقوقهم وفي إدخالهم الملاك الوظيفي، فضلاً عن التجهيزات اللوجستية اللازمة لمواجهة كارثة الحرائق السنوية العفوية منها والمفتعلة.
ربما الطريق الى جهنم التي بشّر رئيس الجمهورية اللبنانيين بها، ويقودهم إليها بعزيمة وثبات، تستوجب أن يكون لبنان منزوعاً من آليات وطائرات الإطفاء اللازمة، كما وفي إبقاء لبنان وأمام كل حريق متسولاً نجدة دول الجوار، من سوريا والأردن وقبرص واليونان وغيرهم، علماً أنّ جهنم ميشال عون هي تلك التي تحرق اللبنانيين بنار المحاصصة الطائفية والمذهبية والمناطقية، والصلاحيات الكرتونية، والصفقات الكهربائية، والسدود المخزنة للهواء لا الماء، فضلاً وأساساً عن تبخّر ودائع اللبنانيين وأموالهم من المصارف، وعن حلول سياسة النكايات وليّ الأذرع والأعناق محل الإردات الوطنية المتعاضدة لإنقاذ لبنان من جهنم، وعن ربط مسار تشكيل الحكومة بمقايضات مسمومة، تتناسل منها تسوية جديدة تؤدي الى فرض صهر ساكن قصر بعبدا جبران باسيل رئيساً لجمهورية النيترات والبواخر والسدود والصفقات والأهم حقوق المسيحيين.
لكن أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت المتآخين مع 17 تشرين، باتوا الفاعل الأبرز والأكثر فتكا في منظومة الأمونيوم، وبات تصميمهم لمعرفة الحقيقة أشبه بكاسحة عملاقة تعمل على إزاحة المعوّقات من أمام التحقيق. إنها الكاسحة التي فرضت على أطراف المنظومة التنافس شعبوياً في إبتداع الأفكار المؤدية لنزع الحصانات المحمّية بتابوات طائفية ومذهبية، ومنها إقتراح قانون تيار المستقبل القاضي بتعليق كل المواد الدستورية الخاصة بالحصانات. والذي قوطب عليه التيار الوطني الحر باقتراح قانون لرفع الحصانات عن النواب دون رئيس الجمهورية. لكن ميشال عون الذي سبق وقال “أنه يعلم” أبدى في سياق تنفيسه محاولة رفع الحصانة عنه، إستعداده كي يستمع المحقّق العدلي لإفادته.
أغلب الظن أنّ ملف رفع الحصانات الذي يصرّ عليه أهالي الضحايا، مرشح أن يتحول الى كرة نار يجري تطييفها ومذهبتها، على اعتبار أن غالبية المتهمين المطلوب رفع الحصانة عنهم مسلمين بحسب باسيل العهد القوي. ولهذا يريد باسيل رفع الحصانة عن النواب الوزراء، وعدم رفعها عن الرئيس رقم إقراره أنه “كان يعلم”.
لا أحد قادر على التكهن بمسارات يوم 4 آب ومندرجاته والتداعيات التي ستلي إحياء الذكرى السنوية الأولى لتفجير المرفأ. خصوصاً في ظل إستفحال الإنسداد السياسي والإستعصاء في تشكيل الحكومة، وقد استهلك ميشال عون لأجل عدم تشكيلها ثلاثة مكلفين بتشكيلها، ويرجّح أن يكون نجيب ميقاتي المعروف بليونته وقدرته الإمتصاصية الفائقة رابعهم بعدما دقّ بالأمس جرس الإستعداد لمغادرة المسرح والإعتذار.
شراهة ميشال عون في إستهلاك رؤساء الحكومة لا حدود لها. إنّها بحجم الأحقاد المكنونة وغير المكبوتة على إتفاق الطائف الذي طرده من قصر بعبدا لحظة إقراره. شراهة تستبطن أخذاً بالثأر بهدف استعادة الصلاحيات التي وضعها الطائف بيد مجلس الوزراء مجتمعاً، ولهذا يصرّ مدعوماً من حزب الله على إستملاك الثلث المعطّل وضمناُ وزارتي الداخلية والعدل، فضلاً عن تسمية الوزراء المسيحيين والموافقة على المسلمين. إنّه الثأر الذي استهدف ويستهدف لي ذراع رئيس الحكومة المكلّف أيا يكن، ومن خلفه نادي المسترئسين ودار الفتوى وأغلبية الطائفة السنية. إنّه الثأر غير المبالي بمآلات لبنان واللبنانيين وبمآسيهم المتناسلة من منظومة النيترات والفساد.
وهو الثأر الذي وضع لبنان بالأمس على كفّ العفاريت. فالإستنسابية في تطبيق القانون والعدالة، دفعت عشائر عرب خلده الى إستعمال حقهم المكرّس في قانونهم العشائري الأقوى من القوانين الوضعية، بالثأر بعد نحو عام على مقتل أحد أبنائهم على يد أحد جيرانهم العضو في حزب الله. إنّها الإستنسابية المرتكزة على فوائض القوّة الحزبلّاهية. إنّ القوّة عندما لا تتسم بالحكمة تصبح قوة باغية، وغالبا ما تحوّل حزب الله بعد هجرته الى سوريا وغيرها من مقاومة الى قوّة باغية. ردّة فعل الحزب الإعلامية على مقتل ثلاثة أشخاص من مشيعي قتيله الأول، اتسمت بالبغي والإستقواء والتهديد والوعيد لعرب خلده المقيمين في منطقتهم قبل إستيلاد حزب الله بمئات السنين.
الحكمة سلاح الأقوياء. أمّا حزب الله، فيستمد قوته من سلاحه، الذي بواسطته أسكن ميشال عون في قصر بعبدا، وجعله بهذا السلاح مستقوياً في وضع العقد والعراقيل أمام تشكيل الحكومة. مفارقة ميشال عون أنه يأتى بالسلاح ويذهب بالسلاح. ومشكلة ميشال عون الفقيه بالمتفجرات والسلاح أنه علم بشحنات الأمونيوم، ومع إدراكه ومعرفته بمخاطرها الهائلة لم يمنع إنفجارها.
ربما على أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، وبغض النظر عن مآلات الحقيقة المرّة في جمهورية النيترات والأشلاء، أن ييمّموا وجههم شطر الأمم المتحدة، ليس للمطالبة بتحقيق دولي ومحاكمة المجرمين. بل لحثّ الأمم المتحدة على إستصدار قرار بتخليد ذكرى 4 آب.
فتفجير مرفأ بيروت وتداعياته المتواصلة والنازفة، فضلاً عن مئات الشهداء الذين سقطوا وآلاف الجرحى، وعشرات الآف الأبنية الشهيدة والجريحة. ولتخليد هذه الذكرى المقيمة في وجدان الضمير، والشاهدة على جرائم منظومة النيترات والكابتغون والسلاح التي تناوبت على ذبح بيروت وكل لبنان من الوريد الى الوريد، تستحق وباقتدار كبير أن تعطى ذكرى 4 آب أبعادها الإنسانية والقيمية العالمية، وأن تتحول الى يوم إنساني عالمي باسم “يوم الأمونيوم العالمي” ليكون شاهداً وعبرة وذكرى.
وتذكروا إن نفعت الذكرى..
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=18008