spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 52

آخر المقالات

كارين عبد النورـ هل “تُردي” الحرب العام الدراسي اللبناني قبل أن ينطلق؟

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة كارين عبد النور قرار وزير...

الإيجابية الواقعية… كيف نتقبلُ عواطفنا بحبّ ومن دون نكران؟

مجلة عرب أسترالياـ الإيجابية الواقعية... كيف نتقبلُ عواطفنا بحبّ...

د. زياد علوش ـ الخيار الثالث يقتحم المشهد الرئاسي اللبناني

مجلة عرب استرالياـ د. زياد علوش على وقع التطورات الدراماتيكية...

سهير سلمان منيرـ تحسين الذكاء بالغذاء !

مجلة عرب أسترالياــ بقلم مستشارة التغذية سهير سلمان منير...

 أ.د .عماد شبلاق ـ “أيام الآحاد في سيدني والذكرى السنوية لأكتوبر!”

 بقلم أ.د . عماد وليد شبلاق-رئيس الجمعية الأمريكية لمهندسي...

علي شندب-“رحلة سفر” سيّد قذّاف الدّم ورحيله

مجلة عرب أستراليا سيدني

“رحلة سفر” سيّد قذّاف الدّم ورحيله

علي شندب

بقلم الكاتب علي شندب

سيّد قذّاف الدّم، من الشخصيات الليبية التي راكمت بصمتها بدءاً بالأدوار التي لعبها والده محمد قذّاف الدّم قائد القوة المتحركة في اقليم فزّان حتى أواخر فترة الاستعمار الإيطالي الذي اُجلي عن ليبيا في 11 يونيو 1970 بعد سيطرة ثورة الفاتح على السلطة بقيادة العقيد معمّر القذّافي الذي شاءت مقاديره أن يتلقى تعليمه في مدرسة سبها بعناية محمد قذّاف الدّم وفي بيته وبين أبناءه سيّد وأحمد وعلي وأبو بكر الذين كانوا أشقاء الصبا ومن ثم رفاق درب معمّر القذّافي طالباً ثمّ شدّ بهم عضده، فقد كانوا عصب القبيلة خصوصاً بعد عودتها من تشاد ومصر اثر ملاحقة الطليان وقبلهم الأتراك لها ولقبائل أخرى، ليعيدوا تجميع صفوفهم في مدن: غريان، سبها وسرت.

ما نحن بصدده ليس تسليط الضوء على القذاذفة. إنما هذه المقدمة ضرورية لمحاولة كشف بعض جوانب شخصية سيّد قذّاف الدّم الذي تبوّأ طيلة عهد ثورة الفاتحعديد المناصب العسكرية والمواقع الدبلوماسية وتوّجها بالمنصب الدستوري الأول “منسق عام القيادة الشعبية الاجتماعية” الذي يتقدم على أمين مؤتمر الشعب العام (رئيس البرلمان)، وأمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الحكومة). وهو المنصب الذي أحدث بعدما تبوّأه قذّاف الدّم نوعاً من التوازن بين مختلف مناطق صنع القرار التي لم تزل مجهولة لعديد المتابعين، فضلاً عن سوء التسويق لتجربة “سلطة الشعب” وهياكلها المختلفة.

ما سنحاوله بمناسبة رحيل قذّاف الدّم تسليط الضوء على جانب من تجربتنا مع الرجل أثناء عملي كمراسل لفضائية”الحياة ال بي سي” في ليبيا لغاية 2010.

ذات يوم من عام 2005، تلقينا دعوة لتغطية مؤتمر حول التنمية تنظمه القيادة الشعبية، بحضور اللجنة الشعبية العامة في “قاعة الشعب” بمدينة طرابلس التي دخلناها رفقة مندوبي الإعلام الخارجي وكان يتصدر منصّتها منسق القيادة الشعبية الإجتماعية اللواء سيّد قذّاف الدّم وأمين اللجنة الشعبية الدكتور شكري غانم. وبعد انتهاء الكلمات الرئيسية، تقدّمنا لاستصراح المسؤولين، وعندما كان قذّاف الدّم يتحدث لأحد الإعلاميين، تقدمت من الدكتور غانم المعروف بغزارة علمه وإسهاباته التفصيلية، وما إن انتهيت من استصراحه، حتى هجم عليّ شخص خشن البنية واللهجة، والشرر يتطاير من عينه، وبلغة هستيرية غاضبة أمر بسجني فوراً.

ولأنّ “قاعة الشعب” مقراً للمؤتمرات، وليست مركزاً للسجناء، فقد سجنني في غرفة خفير حراسة مدخل القاعة، وهي غرفة بطول متر وعرض متر ونصف تقريباً، وكي لا يبدو في الأمر استهداف لي، سجن معي صحفي سوداني، وصادر هاتفي والكاميرا، فاعترضت ونبهته أنه يتعاطى بأسلوب فظّ مع مراسل قناة أجنبية. وبعدما علمت أن “سجّاني” هو أحد الضباط الأحرار اللواء المهدي العربي، أخذتني الظنون والحسابات لأبعاد غير محمودة. وقد ازدادت شكيمتي وثقتي بنفسي بعدما أدركت أن جريمة سجني تكمن بإعطائي الأولوية في الاستصراح للدكتور شكري غانم وليس لسيّده قذّاف الدّم. فانتابتني مشاعر مختلطة من الحزن والألم على دولة يُكاد لها من عواصم كبرى وصغرى، لأكتشف أن بعض الكيد لها، انما بسبب جهل وسوء فعل بعض مسؤوليها.

ثم حضر مدير الإعلام الخارجي جمعة بالخير بعدما أُتيح لي مهاتفته عبر أحد مندوبيه، وسردت له وقائع ما حصل، وأخبرته أن “الحياة ال بي سي” بصدد إصدار بيان يتحدث عن إختطافي في ليبيا. فاستمهلني ليعود بعد نحو نصف ساعة ويخرجني من سجني لمقابلة سيّد قذّاف الدّم في ردهة درج الدور الأوّل من قاعة الشعب وليس في مكتبه، ما جعلني أشعر بالانتقاص من قيمتي كصحفي وإنسان.

وبدون مقدمات، استفسرت قذّاف الدّم عن جريمتي التي أمر بسجني لأجلها، ثم أردفت “أن الناس توسّموا بمسؤوليتك في القيادة الشعبية الإجتماعية خيراً، ليس لأنك جنرالاً ومسؤولاً سياسياً وأمنياً كبيراً، أو لأنّك من سادة القذاذفة.. بل لأنك مثقف، وشاعر، وأديب ونصير للكلمة ولأصحابها، وللحرية وأحرارها. وإذ بك سجّاناً للكلمة دونما وجه حق”. وتابعت “إعلم حضرة الجنرال أني حزين، ليس على توقيفك لي، إنما على ليبيا التي لا يبشر مثل هذا السلوك الفظّ والأرعن الذي مُورس ضدي بأمركم، أو باسمكم، لا يليق بمسؤول خصوصاً اذا كان يحسب نفسه على الأدب والثقافة والصحافة قبل السياسة”.

بهدوء ورباطة جأش كانت كلماتي تخترق عقل الرجل الذي كان مطرقاً رأسه على عصاه ولا ينظر الى وجهي إلّا بعدما شعر أني أفرغت كل شحنة مكبوتاتي، فرفع رأسه وفاجئني بصوت متهدج: “إني أعتذر منك، وأرجو أن تقبل إعتذاري”، ثم كرّرها ثلاثاً. وأجبته مندهشاً: “إعتذارك مقبول، ومدعاة فخري وإعتزازي.. ولقد انتصر المثقف سيّد، على عباءة الجنرال التي ترتديه”.

وجاهة هذه الرواية التي لم أضمّنها كتابي “القذّافي يتكلم” أنّ الرجل زمن إصدار الكتاب كان سجيناً في مصراتة التي اعتقلته إحدى كتائبها عام 2011، ثم أفرج عنه لأسباب صحية عام 2015، وأن مرؤسه المهدي العربي كان بدوره سجيناً، وبعد خروجهما من السجن تواصلنا وتواددنا.

اليوم، وبعد وفاة الفريق الشاعر سيّد قذّاف الدّم ومواراته الثرى بمدينة القاهرة التي شيعته بحشود ليبية ومصرية وعربية وليس في ليبيا (بسببتحظير مجلس الأمن سفره) “عندما هزّه الشوق اليها” دون رفاته، والى “رفاق في رحلة سفر” الذين لم يبخلوا في تأبينه ونعيه خصوصاً من أسرة العقيد معمّر القذّافي التي للمفارقة خوّن بعضها شقيقه، دون إدراكهم حقيقة أن اللواء سيّد لم يفعلها مع شقيقه ورفيقه “أحمد قذّاف الدّم”، وفعلها مع (ابنه محمد) وتبرّأ منه علناً بعدما أعلن “إنشقاقه” عبر فضائيات 2011.

الرحمة لسيّد قذّاف الدّم الذي بقي حتى لحظاته الأخيرة يذكّر بالهوّية العربية والإسلامية لليبيا، ويؤكد على الحل الليبي الليبي لمحنتها، والعزاء لأسرته وقبيلته ومحبيه.

رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=28776

ذات صلة

spot_img