مجلة عرب أستراليا سيدني
رئيس لبنان بين زواج المتعة والتجربة الأنبوبية
بقلم علي شندب
رغم الإنهيارات التي تبدو بلا قعر، تحفظ الوقائع السياسية لرئيس مجلس النواب نبيه بري المشهور بامتلاكه الحصري “أرانب” التسويات والحلول، قدرته شبه الحصرية على رفد قاموس الأدب السياسي اللبناني بمصطلحات غير مسبوقة، تشعل بعد لحظات من إطلاقها السجالات النارية التي يعمل برّي على تمحيصها ومن ثم تخصيبها لموازنة النتائج المتوخاة من إطلاقها. آخر مآثر نبيه بري كانت في وصفه تبنّي قوى المعارضة ترشيح النائب ميشال معوض لرئاسة الجمهورية بالتجربة الأنبوبية.
ردود الفعل على مصطلح “التجربة الأنبوبية”، كشفت عن شخصنة وتحوير الموضوع بأن برّي تقصّد القول أن ميشال معوّض نجل الرئيس الشهيد رينيه معوّض “طفل أنبوب” وهذا ما لم يقله بري، وربما تقصّده بلغة الإيحاء حمّالة الأوجه. ولكون برّي أطلق رصاصتين في آن واحد، وهما إلى التجربة الأنبوبية، المجاهرة للمرة الأولى بترشيح سليمان فرنجية، فقد فعلت الرصاصتين فعلهما في المشهد السياسي فزادت من سوداويته وانسداداته المستعصية، حيث بيّنت رصاصتا برّي حجم الإنقسام العامودي بين القوى السياسية.
ولأن برّي المعروف ببلاغته الأدبية والخطابية، دائماً ما يخضع مطالعاته السياسية لأوسع مشاورات من الآراء الموثوقة لديه. فهو لا يطلق مواقفه على عواهنها، بل استدراجاً لتحريك المياه الراكدة هنا، أو فتح ثغرة في جدار مسدود هناك، ودائماً ما يغلّف برّي مواقفه بالمصلحة الوطنية العليا. وعليه فإن إعلان ترشيحه فرنجية، بذات السطر الذي تحدث فيه عن التجربة الأنبوبية لم يكن سوى رمية مدروسة ومقصودة، بخلاف بعض الردود المرتجلة عليه، وفيها إعلان رفض المعارضة المطلق لوصول مرشح من 8 آذار لرئاسة الجمهورية.
لكن الردّ غير المتوقع والذي بدا كهدية غير منتظرة لبرّي، هو الذي أورده القيادي في القوات اللبنانية الوزير السابق ريشار قيومجيان، وفيه أن تجربة الأنبوب التي تكلم عنها برّي “تأتي بمولود شرعي من أب وأم معروفين، بينما زواج المتعة ولو شرّعه الفقه يبقى حالة زنا تأتي بلقيط تخجل به أمه، وأبوه الفعلي غير أبيه الرسمي”.
وفيما لم تدفع ردود معوّض وحلفائه نبيه بري أو حركة أمل للاعتذار، فإن تغريدة قيومجيان دفعته بعد سيل الردود والبيانات الشيعية ومنها للمجلس الشيعي وحزب الله وآخرين اتهموا قيومجيان بالنيل من “العقيدة المقدسة للشيعة”، ما دفعه للاعتذار ومحاولته تفسير مقاصده بأنها مقاصد سياسية وبعيدة عن “الفقه الديني الذي لا يفقه فيه شيئاً” حسبما صرّح. ويبدو أن قيومجيان ومن خلفه سمير جعجع أرداوا تظهير الاشتباك الندّي مع خصمهم حول رئاسة الجمهورية، فتفتقت عبقريتهم عن وضع “زواج المتعة مقابل التجربة الأنبوبية”، وهي المحاولة التي لم يكتب لها الحياة رغم ما كتب حولها.
مقولة القوات اللبنانية عن “زواج المتعة” ذكّرت بواقعة مماثلة أوردها منذ أقل من شهرين، القيادي الآخر في القوات اللبنانية النائب السابق انطوان زهرا الذي وفي سياق انتقاده للرئيس السوري بشّار الأسد، طعن بعروبة العلويين، وبكثير من السخرية تساءل أنطوان زهرا “علوي وعروبة، كيف.. ليشرحها لي أحد ما”. وقد أثار كلام زهرا عاصفة من الردود حتى من علويين معارضين لبشّار الأسد، ودفعت بنائب طرابلس العلوي حيدر ناصر لرفع دعوى قضائية ضد زهرا بجرم الإساءة للطائفة العلوية وتهديد السلم الأهلي في لبنان. وعلى طريقة رفيقه قيومجيان قدّم زهرا، بعد هذه السقطة، اعتذاره للطائفة العلوية، ومن ثم غادر لبنان “لأسباب أمنية”.
بعد اتهام النظام السوري وحزب الله باغتيال رفيق الحريري، ساد جو من التحالف بين غالبية الطائفة السنية المكلومة بقتل زعيمها، وبين القوى المسيحية اليمينية التي أخذت تتصرّف بأنّ الغالبية السنية معهم ضد “الغول الشيعي”. والحقيقة أن هذا غير صحيح بشهادة نتائج الانتخابات النيابية، كما وبشهادة عدم انخراط نوّاب الغالبية السنية في انتخاب ميشال معوض مرشح التجربة الأنبوبية كما وصفه بري. فبعض غالبية النوّاب السّنّة يحفظون لسمير جعجع دوره في الغدر بسعد الحريري، وبعضهم يحفظ له اغتياله لرئيس وزراء لبنان الأسبق رشيد كرامي، وفي هذا يتساوى قتلة رفيق الحريري مع قتلة رشيد كرامي!
وسط هذه المشهدية غير المجحّظة بأبعادها العميقة، يتبدّى استعصاء الحلول انطلاقاً من انتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة تواجه الانهيارات وتحديات استنقاذ الدولة من التحلّل والتفكّك والفوضى كما بشّرت مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف، لكن ما الذي يمنع حقيقة من انتخاب رئيس جديد؟ وهل فعلاً أن انتخاب رئيس من شأنه دفع المجتمع العربي والدولي لمساعدة لبنان؟ ألم تربط المساعدات الخارجية بالانتخابات النيابية، وقبلها بتشكيل حكومة؟ واليوم من يضمن أن تأتي المساعدات بعد انتخاب رئيس جديد.
مما لا شك فيه، أن خيارات حزب الله بوصفه ناظم المنظومة اللبنانية، باتت صعبة لكنها غير مستحيلة. فما يريده الحزب هو انتخاب رئيس في سياق تسوية اقليمية دولية تمكنه من تنفيذ “إتفاق الترسيم مع اسرائيل” واستخراج الغاز. لكن الذي يصعّب مهمة الحزب هو تمرّد حليفه جبران باسيل الذي يرى بأن اختيار الرئيس المسيحي هو شأن خاص به وعلى الحزب أن يدعم خياراته، وليس على التيار المسيحي أن يدعم خيارات الحزب الشيعي، وفي هذا شيء من المنطق في ظل النظام الطوائفي. لكن المعادلة التي يريدها باسيل من زعيم الحزب، داسها بقدميه عندما فرض مع حزب الله حسّان دياب العاري من أي حيثية سنية رئيساً للحكومة.
بهذا المعنى يجد باسيل نفسه يشرب من ذات الكأس الذي جرّعه وحزب الله للطائفة السنية. وبهذا أيضاً تثبت نظرية القوي في مكونه الطائفي عقمها وفشلها، بدليل أن عهد ميشال عون الرئيس القوي سابقاً، قد أوقد الكثير من الحطب لجهنّم قبل أن يبشر اللبنانيون بها.
رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=28136