مجلة عرب أستراليا سيدني – تويتر والإستعصاء اللبناني
بقلم الكاتب علي شندب
الإستعصاء يلفّ الواقع اللبناني، المثخن بأزمات تناسلت أزمات تقوّض أي بارقة أمل في إنقاذ لبنان. فالتغيير الكبير الذي طرأ على البُنى السوسيوسياسة، والسوسيولوجية، والسوسيوإقتصادية، فضلا عن السوسيوعسكرية، أدّى لانتاج نسبة توازن قوى جديدة مختلفة عن تلك التي أنتجت إتفاق الطائف.
وباتت الأوزان المتضخمة للبُنى الجديدة متجاوزة للقدرة الإستيعابية لإتفاق الطائف الذي بات دستور البلاد. ونعني بهذه البُنى حزب الله الذي ورث دور سوريا في لبنان بعد خروج الجيش السوري إثر إغتيال رفيق الحريري. وبات حزب الله عبر مروحة تحالفاته وخصوصا “تفاهم مار مخايل” الذي أبرمه عام 2006 مع “التيار الوطني الحر” برئاسة ميشال عون، الناظم الوحيد للنظام اللبناني وضمنا للحياة السياسية اللبنانية.
وقد ضاعف من حالة الإستعصاء الأدوار الإقليمية التي لعبها حزب الله،والتي ضخّمت من قوة الحزب لبنانياً وإقليمياً،ما دفع الحزب لاعتبار لبنان تفصيلا صغيراً في مشروعه الإقليمي المتفرّع من تغوّل إيران في المنطقة عبر العراق. وبهذا المعنى باتت أدوار الحزب أكبر من أن يتحمّل لبنان شعبا ودولة تبعاتها، سيّما وأنها كانت على حساب لبنان وعلاقاته العربية والدولية. وقد انعكست هذه الأدوار إنهياراً إقتصادياً ومالياً، وانتشاراً للفساد، وتعميماً للتهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية.
“لبنان طاعون ينبغي الحجر عليه”، عبارة لوزير الخارجية الأميركية السابق جورج شولتز. إنه الحجر غير الكورونيالذي يعيشه لبنان بعدما بات يعتلي عرش تصنيع المخدرات وتسويقها عبر مرفأ بيروت الذي لم ينهي دوره إنفجار الأمونيوم، فكان لا بدّ من تفجيره بشحنات الكابتغون العابرة للبحار باتجاه السعودية والعالم.
إنّها العلاقة غير السرية التي نشأت بين أطراف الطبقة السياسية إياها، وأدى تخادم هذه الطبقة وتحالفها بهدف تأمين مصالحها، تحت شعار “غطوا على فسادنا، نغطي على سلاحكم”، لإنتاج ما سمّي بمنظومة الفساد والأمونيوم والكابتغون والمال والسلطة والسلاح، التي تدفع لبنان بقيادة رئيس الجمهورية ميشال عون الى جهنم.
فوسط تضخم النفوذ والأدوار المتجاوزة والموازية لتضخم النقد والإقتصاد، يتسيّد الإستعصاء في تشكيل الحكومة وفق المواصفات الفرنسيةما جعل وزير خارجية فرنسا يتعهد بالثأر لرئيسه ماكرون من مفتعلي الخيانة الجماعية التي استهدفته من مسؤولين لبنانيين سبق وأبلغوه في قصر الصنوبر موافقتهم على مبادرته وتعهّدوا بتنفيذ بنودها الإصلاحية، ما دفع فرنسا لفرض عقوبات غير ملموسة على مسؤولين لبنانيين لم تؤثر فيهم العقوبات الأمريكية.
بعد حرب البيانات والقصف المركّز بين جبهتي فريقي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف، كشف الغبار عن المعادلة التي تحكم طبيعة الصراع حول تشكيل الحكومة، التي أوكل زعيم حزب الله بوصفه مرشد الجمهورية الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري مهمة ردم الفجوة بين ميشال عون وسعد الحريري.
إنّها المهمّة التي جعلت من نبيه بري عرّابا للمصالحات وحَكَما بين طرفيتشكيل الحكومة المتخاصمين، بنفس القدر الذي نزعت فيه عن ميشال عون صفة “الحَكَم”وصنّفتهطرفاً. وفي هذا ما ينزع عن عون حياديته وأبوّته لكل اللبنانيين والأهم تظهير عجزه عن تطبيق الدستور والسهر عليه ولو على ضوءشمعة أو قنديل، في لحظة تصاعدت فيها فضائح سمسرات البواخر الكهربائية التي استجلبها وريثه الإيديولوجي جبران باسيل.
ويبدو أن عون وفريقه تنبّها لمهمة الحَكَم نبيه بري، فالتفّوا عليها وقصفوها في مهدها، من خلال إطلاقهم توجيه رئيس الجمهورية الدعوة لطاولة حوار في القصر الجمهوري، وهي الطاولة التي استهجنها البطريرك الماروني بشارة الراعي في سياق استهجانه لما سمّاه الكلام المهين بحق رئيس الجمهورية الذي ورد في بعض البيانات، ويقصد بيانات تيار المستقبل التي رفضت طاولة الحوار ونالت من الرئيس الذي بات واجهة لأجندة صهره باسيل. لكن البطريرك الراعي لم يعبر عن المجروحيةحيال فيديو رئيس الجمهورية الشهير الذي يصف فيه شريكه الدستوري في تشكيل الحكومة سعد الحريري بالكذّاب.
إلتفاف عون وفريقه الباسيلي وتصويبهم على مبادرة نبيه بري، هو استهداف ضمني لحسن نصرالله بوصفه صاحب التفويض الذي لم يستشعر عون وفريقه إنحيازه لمصلحتهم ضد الحريري، بل إنّ نصرالله برأيهم لم يفاضل بينهم وبين الرئيس المكلّف، ما دفعهم الى نسف مبادرة بري فعلياً وإعلان تمسكهم بها قوليا، وينطبق على هذه الحالةكلام للسفير السعودي وليد بخاري عبر تويتر يقول”علّمتني التجارب أن الخطاب السياسي، الذي يحمل وجهاً غير دلالته، لا يضع أساساً متيناً لبناء الثقة”.
إذن لم يعد سراً، أن تشكيل الحكومة إن حصل، سيمر حتماً وحكماً بكسر أحد طرفي التشكيل، وفي هذا ما يجعل الإستعصاء متسيّداً الموقف. فما هي الأسباب الجوهرية لهذا الإستعصاء، وهل هي فعلاً بسبب إختلاف على تموضع وزيري العدل والداخلية، وعلى مرجعية “وزيرين مسيحيين” يرفض فريق عون باسيل أن يسميهم الحريري؟
بداية لا بد من التأكيد أن فريق عون باسيل، يريد تعديل الدستور رسمياً بعدما عدّلوه ممارسة، بخلاف ما يعلنوه حالياً. فقدسبق لميشال عون وتكتله النيابي أن تقدموا بتاريخ 21/ 8/2014 بمشروع قانون لمجلس النواب يقضي بانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب على دورتين، الأولى يختار فيها المسيحيون مرشحهم، والثانية يختار فيها اللبنانيون مرشحاً من المتقدمين بين المرشحين المسيحيين في الدورة الأولى.
لكن سعي فريق عون باسيل باتجاه تعديل الدستور وفقاً لمصلحتهم، يقابله طرح “المثالثة” التي تستجيب مرحلياً لطموحات الثنائي الشيعي وخاصة حزب الله رغم إمساكه بمفاصل الدولة وإدارتها وفقاً لما يخدم أجندته الخاصة. ولهذا كان لافتاً إعلان باسيل المتأخر رفضه صيغة حكومة “الثلاث ثمانيات” لأنها تخفي”مثالثة مقنّعة”، وهذا ما عرضناه في مقالنا السابق بعنوان وساطة “بري بين عون والحريري باتجاه المثالثة”. وفي رفض باسيل هذا ما ينسف أسُس وأعمدة مبادرة بري في حكومة الثلاث ثمانيات المدعومة من مصر أيضاً. هذه هي الأسباب المعلنة للإستعصاء، أمّا الأسباب الحقيقية فتكمن في كيفية ضمان طرفي التشكيل (ونعني باسيل والحريري) لمستقبلهما السياسي.
فسعد الحريري ببساطة متناهية، يريد تشكيل حكومة بعيداً عن جبران باسيل، لأسباب تتصل بتعدّي عون وباسيل على موقع رئاسة الحكومة واستضعافه وتحويله مجدداً الى أقل من “باش كاتب”، عندما أشغلوا الموقع بالتضامن والتكافل مع حزب الله بحسّان دياب،الأكاديمي الذي تنطبق عليه مواصفات الإختصاصي، لكنه لا يمتلك أي حيثية سياسية وشعبية، والعاري من أي رداء سُنّي. وفي هذا الإشغال، تطاول إستفزّ البيئة السُنيّة التي حمّلت سعد الحريري وسوء أدائه مسؤولية ما آلت إليه أوضاع موقع الطائفة الأول في الدولة.والأهم ممّا تقدم، أنّ الحريري يريد من تمسّكه بتشكيل الحكومة فكّ الحجر والعزلة السياسية المفروضة عليه خليجياً لأسباب كثيرة.
أمّا جبران باسيل، المزنّر بعقوبات أميركية صنّفته فاسداً وفق قانون ماغنيتسكي العالمي، فمستعد لدفع لبنان الى ما بعد ما بعد ما بعد جهنم، اذا لم تُعقد التسوية التي توصله الى رئاسة الجمهورية. ولهذا فإنّه يضع العصي كيفما اتفق في دواليب التشكيل، ليقول بأنّه الحاكم الفعلي الذي بدون موافقته فلا حكومة ستتشكل وليذهبلبنان الى الجحيم. وبهذا يقتدي باسيل بعمه ميشال عون الذي سبق وعرقل تشكيل الحكومة عدة أشهر قائلا “لعيون صهر الجنرال ما تتشكل الحكومة”.
إستعصاء صنعه برأي أحد الخبثاء النجباء، وجود تخادم مضمر بين الحريري وباسيل، تخادم يهدف الى دفع فارضي العقوبات الأميركية والحجر الخليجي،الى تعليق العقوبات، وفكّ الحجر، كمهر مسبّق لإطلاق سراح تشكيل الحكومة، في سياق تسوية تنتج جبران باسيل رئيساً للجمهورية.
الإستغباء، بات بديل الذكاء، الذي كان سمة اللبناني حول العالم. لكن ثنائي الحريري باسيل لم يقتنعوا بعد أن 17 تشرين لفظتهم وبقية الطبقة السياسية،وربما “تويتر” وحده القادر على إقناعهم ومن على شاكلتهم بمغادرة المسرح. ربما عليهم أن يتعلموا ويعلموا أن سقوط ترامب عن عرش تويتر يوازي خروجه من البيت الأبيض، كما وأن إيقاف نجل نتنياهو عن التغريد إستهداف له ولوالده الذي يستعد لمغادرة المشهد.
اللبنانيون يتوسلّون تويتر.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=16961