مجلة عرب أستراليا سيدني- اللامنطق وطبول حرب الترسيم
بقلم الكاتب علي شندب
فيما كان لبنان ينتظر عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين رد “إسرائيل” على تعديلات أدخلها على مشروع هوكشتاين، دوّى انفجار القنبلة غير الصوتية التي ألقاها رئيس وزراء إسرائيل يائير لابيد رافضاً تعديلات لبنان على ورقة هوكشتاين، لقد أوحى الجانب الإسرائيلي انطلاقا من رفضه التعديلات اللبنانية استعداده لرفض الاتفاق الذي “قد يلفظ أنفاسه”.
قرار لابيد المفاجىء كان محل نقاش مستفيض في المجلس الوزاري المصغر الذي كلفه ووزير الدفاع بيني غانتس، بالاستعداد لأي تصعيد محتمل مع لبنان، ما دفع غانتس لإطلاق مواقف تهويلية بالحرب على لبنان إذا ما استهدف حزب الله منصات استخراج الغاز.
لوثة عنتريات مستجدة استفاق عليها قادة الكيان، فقد هالهم أن يجدوا أنفسهم في كمين زعيم حزب الله الذي نصب منصّاته وأرسل مسيّراته وفق “معادلة قانا مقابل كاريش” القائمة على منع منصّات”اسرائيل” العائمة من استخراج الغاز قبل حصول لبنان على حقوقه في التنقيب والغاز، وهي الحقوق التي جحّظتها التعديلات اللبنانية على ورقة هوكشتاين وأزالت أي التباس بشأنها.
لقد كان صعباً على يائير لابيد أن يجد نفسه محل تهكم أقرانه ومنافسيه الانتخابيين. ولعلّ عبارة “لقد رضخ لابيد لشروط حسن نصرالله” التي أطلقها نتنياهو قد فعلت فعلها في لابيد وحزبه، ولهذا أخذ يستعرض عنترياته ضد لبنان، حيث اعتبر رئيس المجلس النيابي نبيه بري أن”كلام لابيد مجرد مناوشات انتخابية لا دخل للبنان بها.. وأن لبنان ينتظر رد الوسيط الأميركي”.
كما كان صعباً على قادة الكيان الاسرائيلي أن يجدوا أنفسهم مكبلين بالقرار الأميركي والغربي. فمكامن الغاز في سواحل فلسطين المحتلة هي ملك صنّاع الكيان ورعاته أكثر مما هي ملكاً لاسرائيل، وضرورات اللحظة الاستراتيجية الناجمة عن إمساك فلاديمير بوتين بأنابيب الغاز فتحاً وإغلاقاً وفقاً لمصالح روسيا في صراعها مع الغرب إنطلاقا من اوكرانيا، هي التي تجعل غاز لبنان وفلسطين المحتلة البديل الاستراتيجي المناسب لغاز روسيا. ولهذا لا تمتلك اسرائيل أكثر من محاولتها السعي عبر التهويل لادخال تعديلات على التعديلات اللبنانية وليس نسف الاتفاق من أصله، لأن هكذا قرار هو ملك الادارة الاميركية التي ورغم كل الاخفاقات حول الاتفاق النووي مع ايران لم تذهب باتجاه خيار البدائل الحربية. مع التنويه أنّ إدارات أميركية ديمقراطية وجمهورية شنوا حروبا وشطبوا دولاً عن الخريطة مثل العراق وليبيا وغيرهم لأجل أنابيب النفط، لكن معادلات اليوم مسلحة بأنياب نووية، وصواريخ مجنحة ومسيّرات مفخخة.
لن يمر وقت طويل حتى تضع “حرب التعديلات”أوزارها، كما لن يمر وقت طويل قبل كشف حقيقة المبالغة التفاؤلية التي أطلقها لبنان الرسمي فضلاً عن حزب الله.وربما راود البعض فكرة البدء بالتحضيرات للاحتفال بالنصر الترسيمي على “اسرائيل”. وكم كان جاحظاً للانتباه شطب رئيس المجلس النيابي نبيه بري من قاموسه “الشعير” بالمطلق، ليسدل كلامه عن “القمحة الكاملة” كتعبير عن إيجابيات كبيرة في ملف الترسيم.
وسط هذه الأجواء التفاؤلية قبل التصعيد الإعلامي الاسرائيلي، كان لافتاً تفرّد السفير الأميركي السابق ديفيد شينكر بكلام عن “ارتفاع منسوب التوتر والحرب بين حزب الله واسرائيل”.تفرّد أتى من خارج سياق التفاؤل بين الأطراف الثلاثة الذين أطنبوا في الكلام عن الاستقرار على ضفتي الحدود جرّاء الترسيم ومندرجاته تنقيباً واستخراجاً وتوزيعاً وجنياً للثروات!
“اللامنطق” بكل عبثيته سيّد الموقف حيال إتفاق الترسيم هذا. فاللامنطق وحده ما يسمح لاسرائيل بإبرام اتفاق رسمي مع لبنان وفعلي مع حزب الله “الارهابي”.
واللامنطق إيّاه هو من يجعل الدفاع عن الخط 23 نصراً استراتيجياً اليوم، فيما كان زمن اقراره من قبل حكومة السنيورة خيانة وتآمراً واتهاماً بالعمالة.
واللامنطق هو استبدال كل نظريات الصلاة في القدسوالردع وبيت العنكبوت، بتحصيل أفضل الممكن من الثروات التي لن يصيب أبناء فلسطين منها شيئا، ولو من باب تحسين ظروف حياتهم في مخيمات البؤس اللبنانية.
اللامنطق هذا جعل “اسرائيل” العدوة بكامل ترسانتها وكأنها ترضخ فعلياً لمسيّرات حزب الله ومنصاته الصاروخية ومعادلاته القاضية بمنع منصّات اسرائيل العائمة من استخراج الغاز وهذا ما سيشكل عائداً معنوياً كبيراً يحتاجه حزب الله أكثر من أي شيء آخر.
لكن ألم يحوّل اللامنطق هذاحزب الله من راسم معادلات المنطقة الى مدافع عن تنازلات خطيرة عن الخط 29 الذي يضمن حقوق لبنان البرية والبحرية كما حدّده وفد قيادة الجيش اللبناني ورئيسه السابق العميد بسام ياسين، وهو الخط الذي لأجله طالب استاذ علم الخرائط والتضاريس التاريخية الدكتور عصام خليفة بمحاكمة رؤساء الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي بتهمة الخيانة؟
حزب الله وبسلطته الاستنسابية يختار متى يقف وراء الدولة، ومتى يتجاوزها ويتقدم عليها. ولأن مصلحته تقتضي الوقوف خلف الدولة فقد رمى أرضاً الخط 29، وتمسّك بأسنانه بالخط 23 الذي اعتمدته الدولة التي يقف حالياً خلفها. بدون شك سيعجز رسامو الكاريكاتير عن الإحاطة بأحجية الترسيم الذي أخذت عقده تتلاشى تنازلياً وتدريجياً ببركة حزب الله الذي فتح زعيمه حسن نصرالله الباب واسعاًأمام انطلاق التفاوض بشأنه عبر الأميركيين من لحظة إعلانه “عدم الترابط بين ملف الترسيم ومفاوضات فيينا النووية”.
أخيراً، ثمّة رأي منطقي يقول بأنّ ملف الترسيم الملتهب لن يوقع على البارد، فمناخات توقيعه تستدعي الحرب وليس قرع طبولها فقط.وأمام محاولة إسرائيل التملّص منه، جدير بلبنان ورئيسه ميشال عون تصحيح الخطأ التنازلي والمسارعة الى توقيع المرسوم 6433 الذي يعتمد حدود لبنان الجنوبية إنطلاقاً من الخط 29 وإيداعه الأمم المتحدة.
رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=25554