مجلة عرب أستراليا سيدني
السعودية والتحريض على النازحين
بقلم الكاتب علي شندب
رغم أن تنفيذ الاتفاق السعودي الايراني برعاية الصين، لم يزل في صفحته الأولى، لكنه ما لبث يلفح المنطقة بمتغيرات كثيفة انطلاقاً من جبهة اليمن الملّحة، وصولاً الى جبهة سوريا ورئيسها بشّار الأسد الذي تتقاطر اليه الوفود الرسمية العربية وآخرهم وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان.
رغم هذين التحولين الأكثر جحوظاً من إعادة فتح السعودية وايران لسفارتيهما في الرياض وطهران، يسود لبنان نوع من المكابرة والإنكار والإنقسام حيال هذه التسوية الإقليمية الكبيرة. ففيما يستعجل قسم من اللبنانيين وصول نسائم التسوية الى ربوع لبنان علّه ينعم ببعض فوائدها وأهمها إسدال الستار على مرحلة الفتنة السنية الشيعية، لصالح فتح صفحة التعاون واستنقاذ لبنان. يُنكر قسم آخر من اللبنانيين أهمية هذه التسوية، ويقلّل من مفاعيلها، وصولاً لإعلان وقوفه ضدها.
فلا شيء مثلاً غير الإحباط في صفوف حلفاء السعودية من المسيحيين والجنبلاطيين رغم تمايزهم وعدد قليل من النواب السنّة. والحق أن حلفاء السعودية واستطراداً الولايات المتحدة يشعرون بإحباط عميق حيال انفتاح المملكة على بشّار الأسد رئيس النظام الذي شهروا في وجهه سيوف العداء، وعملوا بشتى السبل على إسقاطه، وغالوا في البكاء على مصيبة الشعب السوري، وبالغوا في امتداح النازحين السوريين، كما وفي تقديم الحماية والدعم لهم على امتداد المدن والبلدات والقرى التي لهم فيها نفوذ. وبات التعاطف مع النازحين السوريين خبزهم وخطابهم اللحظوي وليس اليومي فقط، غير آبهين او مهتمين بتداعيات النزوح السوري على لبنان، حتى انفجرت المسألة بشكل تحريضي مخيف وخطير ضد هؤلاء النازحين في ربوع لبنان المنهوب والمنهار والمتداعي على يد ذات طبقة المتباكين سابقاً على النازحين وضرورة احتضانهم ودعمهم وحمايتهم.
لا داع لسرد عديد الوقائع التي حصلت خلال الأيام والأسابيع الماضية والتعبئة التحريضية ضد النازحين السوريين وعائلاتهم وترويعهم والحثّ على طردهم وإرجاعهم الى بلادهم. فما الذي غيّر مواقف داعمي الأمس، وما الذي حوّل النازح السوري الى بعبع مخيف بنظرهم، وما الذي قلب المودة حقداً وكُرهاً، وما الذي جعل نازحي اليوم أشبه بفلسطينيي السبعينات خصوصاً في بيئة أحزاب الكتائب والتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية أكثر المحبطين من التحوّلات العاصفة الناجمة عن الإتفاق السعودي الإيراني رغم عدم وصوله رسمياً الى لبنان؟
بديهي القول، أنّ المغالاة في احتضان السوريين كانت لأسباب سياسية، وليس لأسباب إنسانية. فإسقاط نظام بشّار الأسد كان الهدف غير المضمر وراء وقوف الداعمين والحاضنين للنازحين السوريين. وإسقاط الأسد دفع خصومه أو أعدائه من اللبنانيين الى الإشاحة بنظرهم عن مآلات النزوح وتداعياته على المجتمعات اللبنانية. فربح جائزة إسقاط نظام الأسد تستوجب دفع ما هو أكثر وأكبر من هذه الضريبة بكثير.
أمّا وقد تصالح العرب وعلى رأسهم مصر والسعودية وقبلهم الامارات والبحرين والجزائر وتونس والأردن مع نظام بشّار الأسد، وتوّج أمين عام الجامعة العربية احمد ابو الغيط مصالحتهم بالقول للبنانيين منذ أيام “لقد انتصر بشّار الأسد منذ سنوات لأنّ المعارضة فشلت في دخول دمشق”، وهو الاعتراف الذي وإن لم يسمح لأبوالغيط بزيارة دمشق لأن عضوية سوريا لم تزل معلّقة، لكنه ضاعف من إحباط المُحبطين اللبنانيين فجعل مواقفهم المتخبطة تنفجر غضباً وحقداً وعنصريةً بوجه النازحين السوريين، فانطلق الكلام المكبوت نحو فرز النازحين بين مؤيدين ومعارضين للنظام السوري، فيُعمل على ترحيل المؤيدين للنظام، وعلى إسكان المعارضين له في أهداب العيون.
إنّها السياسة العارية من كل أخلاقياتها تلك التي تتجسّد في خطاب بعض القوى السياسية اللبنانية، لكن هل المصالحة السعودية الإيرانية والمصالحة السعودية السورية المستولدة منها، وحدهما ما يقف وراء الإحباط المتجدّد لبعض القوى، والذي يذكر بإحباط سابق ساد بداية التسعينات غالبية بيئات التحريض ضد النازحين السوريين؟
أغلب الظنّ أن تقدّم حظوظ سليمان فرنجية المرشح المدعوم من حزب الله لرئاسة الجمهورية قد ضاعفت من منسوب الإحباط لدى بيئات التحريض على السوريين، والهدف من ذلك محاولة إحراج الجانب السعودي خاصة والقول له، طالما أنك تصالحت مع النظام السوري فأقنعه بعدم دعم فرنجية وسحبه من السباق الرئاسي، وافعل شيئاً لأجلنا نحن الذين وقفنا معك في معركتك ودول “الاعتدال العربي” لإسقاطه، كما وفي معركتك ضد نظام الولي الفقيه الفارسي المجوسي الذي حفظنا وردّدنا كل الأدبيات الفقهية ضده، وإذ بك تتصالح معهما!
شيء من المرارة يستوطن حلق أصحاب الرؤوس الحامية في بيئات التحريض، والتي تستعمل اليوم ملف النازحين السوريين بطريقة خطيرة تستنفر العصبيات الطائفية والأكثريات العددية بأبعادها الدينوغرافية وليس الديموغرافية فقط.
لقد كانت بيئات التحريض ضد النازحين مرحبة بوجودهم في لبنان، لأن هناك من كان يسوّق بأنّ الأكثرية الدينوغرافية السنّية المعزّزة بالنازحين ستتمكن إذا ما تسلّحت من القضاء على “حزب الله” صاحب اليد الطولى في تهجير النازحين من بلادهم. وهنا تكمن القطبة الحقيقية غير المخفية لسبب احتضان النازحين والإستثمار الدموي عليهم في حرب بالسنّة ضد حزب الله. أمّا وقد طوت المصالحة السعودية الإيرانية صفحة الفتنة السنية الشيعية، فلم يعد من مصلحة سياسية لبيئات التحريض ببقاء النازحين في بلد يتوفر فيه كل شيء إلّا الدولة!
لكن في مقابل بيئات وأصوات التحريض على النازحين لأسباب سياسية ودينواغرافية، برزت أصوات داعمة وحاضنة للنازحين السوريين خصوصاً في مدينة طرابلس التي شهدت اعتصامات ولافتات الدعم “لإخوانهم السوريين والفلسطيين المسلمين”. ما يعني أنّ ملف النازحين السوريين بات قضية طائفية خلافية تذكر بقضية اللاجئين الفلسطينيين الخلافية أيضاً في سبعينات القرن الماضي والتي كانت الشرارة لإندلاع الحرب الأهلية، فهل من متعظ ومستخلص للدروس والعبر؟.
الفتنة نائمة لعن الله من يوقظها.
رابط مختصر- https://arabsaustralia.com/?p=29105