مجلة عرب أستراليا سيدني
إستقواء باسيل بجعجع لكسر إصبع نصرالله
بقلم الكاتب علي شندب
يُخيّل للمرء، وهو يراقب معركة إستيلاد ساكن جديد للقصر الرئاسي، أنّ زوايا الكوكب تهتز. لأنّه على ملء شغور الرئاسة اللبنانية،وفق النزعة العصبية اللبنانية، يتوقف الإنتظام الدولي العام، وينتعش الإقتصاد العالمي، ويسود السلام والاستقرار من السودان الى اوكرانيا.
تعبئة كرسي الرئاسة اللبنانية، دونها حروب، جعلت طرفا حرب الإلغاء التيار العوني والقوات اللبنانية، الذين ورغم جراحات تفاهم معراب غير المندملة ينخرطون في تحالف جديد الهدف المركزي منه ليس منع انتخاب سليمان فرنجية، وانتخاب جهاد أزعور، وإنمّا إصابة حزب الله بهزيمة داخلية منكرة.
تحوّل كشف حقيقة المواقف العميقة تجاه حزب الله خصوصاً من شريكه في تفاهم مار مخايل التيار الوطني الحر. تحوّل، كشف أيضاً التجرؤ على رفض مواقف حزب الله وسياساته المضمونة النتائج سابقاً، بهزّة إصبع هنا، ورفع نبرة صوت هناك.
تجرؤ، بيّن أنّ تهديدات حسن نصرالله باتت أشبه برصاص خلّبي يحدث قرقعة ولا يسيل دماً، ويبدو أنه في نظر جبران باسيل المتنادد مع حسن نصرالله، متناسلاً من الصواريخ الصوتيّة ضد اسرائيل. تجرؤ، كشف صحة تخوّفات وهواجس نصرالله ومطلبه الاستراتيجي في انتخاب رئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها. ورغم كل التجرؤات المفاجئة لم يعلن نصرالله ولا أيّ من مسؤولي حزب الله، أنّ باسيل هو المقصود قبل غيره بطعن المقاومة، لكنهم تركوا لباسيل أن يكشف حقيقة طعنه بنفسه.
وبعيداً عن كيفية ونوعية ردّ حزب الله، على انخراط باسيل في تحالف مع خصومه الألدّاء وخصوصاً القوات اللبنانية. فالمسألة بالنسبة للحزب باتت أعمق من انتخاب رئيس جديد، يعرف القاصي والداني وخصوصاً المتحالفين الجُدُد أنّه لن يصل بدون موافقة الحزب. المسألة باتت في تعوّد الحزب على افتقاد ردائه المسيحي الذي لطالما شكّل تغطية هامة له، بذات الحجم الذي كان فيه مصدر استقواء لشريكه المسيحي سابقاً، ليستفرد ليس بالسلطة وتركيباتها فقط، وإنّما أيضاً بالتنكيل والتقريع برؤساء الحكومة قبل تكليفهم وبعد تشكيلهم. وهذا ما تنبّه لمخاطره الحزب، لكن بعد انفراط عقد زواجه غير الماروني مع باسيل، فأخذ يتودّد للطائفة السنية محاولاً استرضائها عبر دعمه اجتماعات جلسات مجلس الوزراء لحكومة تصريف الأعمال ورئيسها نجيب ميقاتي، كوسيلة ضغط على جبران باسيل الذي ردّ بتكسير كل جرار الفخّار مع ندّه حسن نصرالله، وبلغ تكسير باسيل مداه، في إعلانه وبحضور الرئيس السابق ميشال عون، عن دعم ترشيح جهاد أزعور عبر تقاطعه مع القوات اللبنانية والكتائب وبعض التغيريين.
تقاطع، يتصرف المتحالفون الجُدُد بموجبه، على أنهم أمّ الصبي، أي الرئيس الماروني الجديد. وأنّ اتفاقهم على اسم “الصبي الجديد”، يفرض على بقية الطوائف والكتل أن تسير وراءهم وتتبنّى قرارهم. فالمنصب الدستوري الأول في الدولة وفق ما يعلنون، هو حق حصري للموارنة في اختراعه واختياره ليفرضوه على الجميع. بذات مستوى النديّة، التي يعلنون عبرها رفضهم لأن يفرض حزب الله ونبيه بري عليهم رئيساً.
بهذا ومن حيث دروا، أم لم يدروا ينفذون مبدأ “المثالثة”، الذي لطالما تظاهروا برفضهم له. فبما أنّ الشيعة يختارون ويفرضون ممثلهم الدستوري الأول في رئاسة المجلس النيابي، والسُنّة يفعلون الأمر ذاته في رئاسة الحكومة. فلهم أي للمتحالفين الجُدُد الحقّ بتسمية رئيس الجمهورية الماروني.
لكنهم بهذا يقفزون على وقائع سياسية كبيرة، منها، أنّ نبيه بري الرئيس الشيعي التاريخي لمجلس النواب، يُنتخب لعدم وجود منافس شيعي له. أمّا موقع رئيس الحكومة السنّي فتحوّل الى أكثر من ملطشة. وهناك أمثلة ساطعة حتى للعميان، سنكتفي بعرض نموذجين منها، ليس بينها تعجيز سعد الحريري ثم دفعه للإعتذار المُهين.
الأوّل: تكليف حسّان دياب برئاسة الحكومة. وهو تكليف استقوائي من التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون بحليفه وشريكه وعلّة وجوده في سدّة الرئاسة حزب الله. تكليف دياب، ليس عارياً من أيّ حيثية أو تغطية سنيّة فحسب. بل تكليف استشعرت فيه الطائفة السنية قهراً لها، وتطاولاً على إرادتها، وتهشيماً لشكيمتها، ومن قبل إغتيال رفيق الحريري.
الثاني: تكليف نجيب ميقاتي العاري من أصوات التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب، أي الأحزاب المسيحية الكبرى التي رفضت تسميته لرئاسة حكومة ستؤول اليها صلاحيات رئيس الجمهورية في ظل شغور رئاسي يملأه الفراغ. تكليف الـ 54 صوتاً، الأكثر هزالاً في تاريخ رؤساء الحكومات، وكان يفترض بالمكلّف نجيب ميقاتي عدم التصرف بدونيّة، بل الاعتذار عن قبول التكليف، لا أن يضيف مهانات جديدة لموقع ومكانة الطائفة السنية المُبتلاة بنوعية رديئة من رؤساء حكومات لا يجيدون سوى البكاء والتسوّل المهين على موائد الدول.
إذن، الأداء السياسي الماروني شكّل سوابق لا سابقة واحدة، في الطعن بشركاءِ الوطن والتجاوز عليهم. أداء لم يحترم اختيارات الطائفة السنيّة ولا موقفها، بدليل استقواء باسيل بحزب الله كما أسلفنا، ليفرض على الطائفة السنيّة رئيساً للحكومة يعلم مسبقاً بأنّه لا يمتلك أي حيثية في طائفته.
بهذا بات باسيل، ملك الاستقواء بدون منازع، وها هو اليوم يستقوي بغريمه الودود سمير جعجع وبعض التغيريين من منشدي “الهيلا هيلا هو” الذين بلعوا شعار “كلن يعني كلن” وتحلقوا حول هدف مركزي واحد هو كسر إصبع حسن نصرالله وتحويل مفاعيل تهويلاته لأقل من رصاص خلّبي.
أغلب الظن، لم يفُت ترويكا الأحزاب المسيحية، أن توافقها على رئيس جديد، غير مُلزم للمكونات اللبنانية الأخرى. فالطائفة الدرزية التي استقال زعيمها ما قبل الأول وليد جنبلاط لأسباب بينها، ما بشّر به المقال المسحوب لجريدة الرياض من عودة السين السين، لن تنخرط في أي موقف تحدٍ لأحد.
أمّا الطائفة السُنّيّة، فلديها وبحسب ما أعلنه خصوصاً النائب وليد البعريني باسم تكتل نيابي وازن، حساب قديم تريد أن تصفيه مع المتطاولين عليها. إلّا اذا نجحت البطريركية المارونية عبر موفدها المطران بولس عبدالساتر الذي التقى زعيم حزب الله في ابتكار صيغة توافقية لتسمية رئيس جديد يتمتع بحاضنة وطنية، وهذا أمر صعب المنال ضمن الإصطفافات الحالية المهجّنة.
لكن ماذا إذا ارتعد نبيه بري في اللحظات الأخيرة وانقلب على نفسه وتاريخه، وخاف من تهديدات باربارا ليف وريثة ديفيد شينكر في الخارجية الامريكية، وسيف عقوباتها المشحوذة ببصمات لبنانية، وتوجّه مسرعاً الى مربعات الضاحية لإقناع سيّدها، ليس بالتخلّي عن سليمان فرنجية، وإنّما عن السلاح أيضاً.
هزُلت..
رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=29612