مجلة عرب أستراليا سيدني -الأزمة اللبنانية والدور الإقليمي
بقلم علا بياض رئيسة تحرير المجلة
يشهد لبنان أزمة سياسية واقتصادية حادة، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019، وباتت تهدد وجوده دون وجود أية رؤية واضحة للحل أو لإيقاف مسار التدهور على الأقل. ويتبادل المسؤولون اللبنانيون الاتهامات حول من يتحمل المسؤولية عنها، أو من يعرقل مسار الخروج منها ، وبالتالي يحول دون إطلاق خارطة طريق للخروج من هذا “الانهيار الكبير”.
شهد لبنان اندلاع الثورة اللبنانية تحت شعار “كلن (كلهم) يعني كلن”، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأخذت تطالب برحيل كل الطبقة السياسية دون تمييز بينها باعتبارها المسؤولة عمَّا آلت إليه البلاد من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، لكنها لم تحقق أهدافها. وتفاقم التدهور الاقتصادي والمالي ولا يزال، وتشير التقديرات البحثية والتحليلات الاقتصادية – الاجتماعية إلى أن وضع لبنان يتجه إلى مزيد من التأزم في المرحلة المقبلة على البلاد في النصف المتبقي من العام 2021 وما بعده.
ومن المرجح إن”الإنهيارات” سوف تتعمق أكثر بحسب الأرقام والأحصائيات، وممكن أن يكون ذات وقع أشد على قطاعات واسعة أبرزها قطاع الصحة والتربية لتمثل تهديدا للأمن الاجتماعي ، في حين يتوقع ارتفاع أكبر في معدلات البطالة والفقر، المرتفعة أصلا، والتي ستؤدي حكما لارتفاع معدلات العنف والجريمة والتوتر الأمني وتزايد نشاط المافيات والعصابات والجريمة المنظمة كنتيجة لتنامي الازمة الاقتصاديه المزرية في بلد يشهد انقساماً سياسياً وطائفياً حاداً، وتظهر النزعة الانفصالية كأول وجهة يسلكها المجتمع اللبناني مهدداً كامل وجوده.
عام على كارثة مرفأ بيروت وبدون نتائج تحقيقات
شهد لبنان قبل أيام، ذكرى الرابع من أغسطس، الذكرى السنوية الأولى لأكبر انفجار غير نووي عرفه العالم، كانت العاصمة بيروت أبرز ضحاياه، ومعها 216 شخصاً سقطوا بنتيجته، إضافة إلى أكثر من 6500 جريح، فيما لم تصدر حتى الآن أي نتائج لتحقيقات ولم تحدد المسؤوليات، وسط غياب لأي مؤشرات تدل على بوادر عدالة قريبة.
ولا تزال آثار الانفجار وتأثيراته واضحة جداً في حياة اللبنانيين وفي أحياء عاصمتهم التي لم تستعد حتى اليوم حياتها الطبيعية، ولا تزال منكوبة حتى في الشكل،في وقت تعيش فيه البلاد ذروة تداعيات أزمتها الاقتصادية وانهيارها المالي، الذي ينعكس شللاً سياسياً وانفجاراً اجتماعيا في البلاد، يهدد بآثاره كافة القطاعات والمؤسسات الرسمية والخاصة، ويثير سخطاً كبيراً لدى المواطنين الذين يرون فشلاً رسمياً في إدارة البلاد ،حيث فشلت الحكومة اللبنانية بسبب عدم اكتمال التحقيقات ومسار العرقلة الممنهج الذي تمارسه السلطة السياسية في تعاملها مع الملف وقضاة التحقيق فيه.
وتتوالى الأزمات على كاهل المواطن اللبناني، وآخرُ فصولِها مقتل 30 شخصا في انفجار صهريج وقود في منطقة عكار شمال لبنان وأغلب الضحايا والمصابين كانوا ممن تجمعوا حول الخزان لتعبئة الوقود، و الحصول على بضعة ليترات من البنزين من خزان انفجر بهم، كارثة جديدة مني بها البلد الغارق في أزمات ومآس متلاحقة منذ عامين. وتسود البلاد أجواء من الحداد والصدمة الممزوجة بغضب شعبي ومطالبات برحيل الطبقة السياسية.
الفراغ السياسي
بعد اعتذار سعد الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانية نهاية شهر يوليو/تموز 2021 ، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون تكليف رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة. وتبقى الأنظار موجهة إلى ما ستكون عليه مهمة ميقاتي، وعما إذا ستكون ميسرة، أم أنه سيواجه مطبات سياسية، على غرار التعقيدات التي واجهها سلفه في التكليف سعد الحريري وأدت إلى اعتذاره نتيجة السباق على الحصص الوزارية، ولا سيما من قبل فريق العهد المتمثل برئيس الجمهورية وصهره النائب جبران باسيل”.
يذكرأن هناك أكثر من مؤشر يشير أن ‘حزب الله بات مدركاً أن فرصة استمرار انفراده الفعلي بالحكم، كما هو الحال منذ سقوط حكومة الحريري في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عملية مكلفة جداً، وهو يرى أن تحكمه في الوضع، ولو بالتعاون مع القصر الجمهوري وتياره، حوّل البلد إلى ‘تيتانيك قديمة تقترب بسرعة من جبل الجليد”.
الأزمة اللبنانية توحي أبعد من أي حل قريب رغم الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء المكلف، فالخطر الذي يحاصر لبنان على أكثر من جبهة، خصوصاً الوضع الاقتصادي المنهار والمخاطر الأمنية المتفاقمة. صرح الرئيس ميشال عون بأنه لن يعطي ميقاتي ما لم يعطه لسلفه، الرئيس المستقيل سعد الحريري. وأن مواقف التيار الوطني الحر التصعيدية، التي بلغت حدّ التهديد بالاستقالة من المجلس النيابي، تؤكد بوضوح أن هذا التيار الذي يمثل عون وجبران باسيل لن يكف عن عرقلة أية حكومة جديدة لا تخضع لشروطهما. والأهم أن حكومة ميقاتي التي تمر بمخاض عسير سيكون حزب الله اللبناني؛ المنفذ للإرادة الإيرانية في لبنان، طرفاً فيها.
الدور الإقليمي في حل الأزمه اللبنانيه
أزمات عديدة داخلية وخارجية يعيشها لبنان، جراء سيطرة ميليشيا حزب الله، مما دفع العديد من الدول الغربية والعربية للتحذير من انهيار تام للدولة اللبنانية وصعود حزب الله.،حيث كثفت الدول الغربية مؤخرا دعمها العسكري واللوجستي للجيش اللبناني لعدة أعتبارات على رأسها تعزيز سيادة الدولة ومنع إنهيار آخر حصن آمن للبنانيي، إلا أن الدعم الغربي موجه أيضا لمواجهة تنامي قدرات حزب الله العسكرية التي قد يستغلها لفرض أجنداته الداخلية والإقليمية .
ألدور الفرنسي والاميريكي
تسعى فرنسا والولايات المتحدة ، الى إغاثة لبنان، والضغط على السياسيين اللبنانيين المتناحرين الذين أخفقوا حتى الآن في الموافقة على تشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات من شأنها إتاحة مساعدات مالية أجنبية لبلادهم. وأعرب المسؤولون الفرنسيون مرارا عن خيبة أمل كبيرة من النخبة السياسية في لبنان، وآخرهم وزير الخارجية جان إيف لودريان خلال زيارته لبيروت والتي قرأها كثيرون على أنها الفرصة الأخيرة قبل أن تنفض فرنسا يدها كليا من ساسة لبنان.
قررت باريس، خلال شهر أبريل 2021 معاقبة المسؤولين المتورطين في الأزمة السياسية، بإعلان قيود على دخول الأراضي الفرنسية تطول الشخصيات اللبنانية التي تعتبر مسؤولة عن التعطيل. وتدرك إدارة بايدن أن طهران تؤدي دورا فاعلا ومؤثرا في لبنان عبر تنظيم حزب الله، وهي بالتالي ستبقى متمسكة بنفوذها في هذا البلد على رغم التقارب الممكن حصوله على مستوى المحادثات غير المباشرة مع طهران والمتعلقة بملفها النووي.
الدور الروسي
لاشك إن لبنان أصبح يحظى بأهمية في الاستراتيجية الروسية الخاصة بشرق المتوسط، والمؤشرات ترصد تصاعد الدور الروسي والعرض المغري لأنقاذ لبنان إقتصاديا ،ورغبة موسكو في توسيع نفوذها في منطقة موجودة فيها عسكرياً وتطل على حوض شرق المتوسط، الذي يدور فيه صراع محتدم حول استثمار حقول الغاز المكتشفة حديثاً فيه.
تعتبر روسيا أن هيمنتها على سوريا ستسمح لها بتعزيز مصالحها في لبنان، لأن الداخلين اللبناني والسوري مترابطان ببعضهما البعض، خاصة من الناحيتين الأمنية والاقتصادية. لذلك تعتقد موسكو أنه بمرور الوقت سيكون هناك اعتراف أمريكي بدورها في لبنان، وهو ما شجع الأولى على تقديم عرض لإعادة إعمار مرفأ بيروت، لينضم بذلك إلى عروض أخرى تركية وصينية وفرنسية وألمانية.
أعرب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، عن قلقه جراء الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، مؤكدا استعداد الاتحاد لدعم الدولة الممزقة شريطة وجود إصلاحات حقيقية.كما لوح بفرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين حال عدم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة والتي طالب بها المجتمع الدولي في الفترة السابقة إما الإصلاحات أو العقوبات.
إن الحراك الدبلوماسي العربي والغربي وعلى مستوى الزيارات واللقاءات الخارجية، وتضامن بعض دول مجلس التعاون الخليجي مع اللبنانين يصبّ معظمها باتجاه منع سقوط لبنان في شباك الفوضى الشاملة، لما لذلك من تداعيات إقليمية تفاقم الاحتقان والصراعات بالمنطقة ودعم هذا البلد في محنته .
الدور الإيراني
إن ازدياد الوجود والنفوذ الإيراني وضعف آليات الرقابة والسيطرة للدولة اللبنانية، من شأنه أن يخلق بيئة مثالية تمنح الحزب حرية العمل لمواصلة بناء قوته بدعم من إيران . برهنت إيران، بأنها تعانلت مع الملف اللبناني وعرفت كيف تدير هذا الملف لصالحها، على حساب مصلحة الشعب اللبناني. سبق أن أرسلت إيران مساعدات إنسانية سريعة إلى القرى الجنوبية بعد حرب لبنان الثانية (حرب تموز/يوليو 2006) حينها ،والآن أيضا المساعدة الإيرانية مطروحة، وهذا مايثير الكثير من التكهنات والتسائولات حول التدخل الإيراني في لبنان مباشرة او من خلال حزب الله، تحت ذريعة تقديم المساعدات للشعب اللبناني. حسن نصر الله سبق وان أعلن عن وصول ناقلات نفط إيرانية الى لبنان، يذكر بان الوضع الحالي في لبنان “عطل” حتى الجهود الأممية من أجل دعم لبنان، بسبب الأزمة السياسية، وعدم تشكيل الحكومة.
الخلاصة
يتحمل النظام والحكومة اللبنانية، ماوصل اليه لبنان من حالة كارثية، لم يشهدها عبر التاريخ، ليتحول بالفعل الى دولة فاشلة بكل المقاييس. مازالت لبنان تعيش “فراغ سياسي” وأزمة تشكيل الحكومات بسبب جملة التحديات، ابرزها تقاطع مصالح الاطراف السياسية في لبنان والفساد.اليوم يعيش لبنان “عتمة. فبعد ان كانت بيروت عاصمة الثقافة والادب والفن، اصبح المواطن اللبناني، لايملك حتى القواعد الاساسية في حياته اليومية، لاطاقة، ولا كهرباء و أجور عمل، ولا أستثمارات ليصل لبنان الى حد مادون الفقر، يدفع المواطن ثمنه يوميا من الوجع والمعاناة. ومايعق الأمر، ان حريات التعبير والتظاهر اصبحت مقيدة، والحكومة كانت ومازالت اسيرة حسن نصر وحزب الله.
يبدو انه لايمكن حل الزمة في لبنان من دون إرادة سياسية داخلية، وهو ما جعل الجهات الخارجية تميز بين السلطة السياسية وبعض المؤسسات الأخرى كالجيش والشعب، انطلاقا من التركيز على عاملين: الأول دعم المؤسسات الأمنية توفيرا للاستقرار، والثاني دعم القطاعين التربوي والصحي بالحد الأدنى أيضا توفيرا لشبكة الأمان الاجتماعية.
مازالت هناك مساعي دولية وأقليمية، تسعى لإخراج لبنان من الأزمة ، مع تصاعد تزايد الصعوبات بتشكيل حكومة جديدة وتوفير الظروف الملائمة لانتخابات عام 2022 من أجل منع تكرار السناريو السوري في لبنان.فمازالت هناك فرصة، وربما هي الأخيرة، امام الأطراف السياسية، التي تسعى الى إيجاد تغيير حقيقي في “الأزمة اللبنانية” وإنقاذ اللبنانيين من الوضع الكارثي.
نشر في مركز اسبار الشرق الاوسط للدراسات والبحوث –http://shorturl.at/kpEJ3
نشر في جريدة التلغراف الاسترالية المطبوعة – http://www.eltelegraph.com/