spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 55

آخر المقالات

الدور الأسترالي في تعزيز الأمن في جنوب المحيط الهادي

جريدة عرب أستراليا ، سيدني بقلم ـ الدكتورة  نور عماد...

راجي زيتوني ـ الاكتشافات العلمية بين ظلال الحلم وومضات الذات  

مجلة عرب أسترالياـ بقلم المهندس راجي زيتوني   في أولى صفحات...

أبوغزاله خلال افتتاحة أعمال قمة البوسفور: آن الأوان لنظام عالمي جديد تقوده المعرفة لا القوة

مجلة عرب آستراليا-أبوغزاله خلال افتتاحة أعمال قمة البوسفور: آن...

هاني الترك OAMـ ترامب لن يغفر لراد

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM صرّح رئيس...

أ.د.عماد وليد شبلاق ـ متلازمة (سندروم) كاميرا المخالفات (متكام) في أستراليا!

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم أ.د.عماد وليد شبلاق ـ...

علاء الأديب ـ صوت الأنا الأنثوية والانزياح الجمالي في نص (راعية الشوك) للشاعرة نسرين صايغ ـ دراسة نقدية

spot_img

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب علاء الأديب ـ رئيس تحرير مجلة صدى بغداد

الكاتب علاء الأديب ـ رئيس تحرير مجلة صدى بغداد
الكاتب علاء الأديب ـ رئيس تحرير مجلة صدى بغداد

التقديم

…………
يمثّل نص “راعية الشوك” للكاتبة نسرين صايغ نموذجًا متقدّمًا للكتابة النثرية الشعرية ذات التكوين السريالي والتخييل الذاتي العميق. إذ تنبثق من النص ذات أنثوية تعي وجودها اللغوي والعاطفي في آنٍ، وتعيد إنتاج نفسها من خلال انزياحات أسلوبية ودلالية كثيفة، تتقاطع فيها اللغة مع الحب، والبوح مع الحكي، والذات مع الآخر. وتأتي هذه الورقة النقدية لتسبر عمق النص من خلال محورين أساسيين: صوت الأنا الأنثوي والانزياح الأسلوبي والدلالي.

أولًا: الأنا الأنثوية وتفكيك النمط

……………………………………..
1. أنا الوعي والتفرّد
يتجلّى الحضور الأنثوي عبر لغة تؤسّس للذات الشاعرة بوصفها كيانًا متفرّدًا، غير قابل للمحاكاة. تقول الكاتبة:
 (أنا لا أشبه أحداً وإن فارقتني الأشياء)
(قلبي الشقي الرشيق المغامر)
(مستبدة هي النون في اسمي…)
هذا الإصرار على التفرّد يدل على وعي نسوي عميق بالذات وبالكتابة كفعل وجودي وممانع، بعيد عن الامتثال لأطر التماثل أو التقليد. فالأنا هنا ليست موضوعًا عاطفيًا، بل ذاتًا فاعلة تملك أدواتها التعبيرية وتتقن لعبة الاختلاف.
2. أنا الحب والصراع
……………………….
في تجسيدها للعلاقة مع الآخر (الرجل..الرمز)، تظهر الأنا الأنثوية في حالة توازن بين التورط العاطفي واحتفاظها باستقلالها الشعري. تقول:
 (يعشق قلبي سجنه المؤبد نكالًا)
(إن رحلتُ فما أنت براحل)
تقوم الشاعرة هنا بعكس معادلة الامتلاك: فالحب الذي يُفترض أن يكون احتواءً للمرأة، يتحوّل إلى أسر للرجل في شرايينها الشعرية. إنها لا تُستدرج للعاطفة، بل تستدرج هي الآخر إلى فضاء لغويّ تصوغه بإرادتها.
3. أنا الكتابة والحدس
……………………………
بصوتها الداخلي، تربط الشاعرة بين فعل العشق وفعل الكتابة:
(أنا في صدد كتابة قصيدة من جناح حدسي…)
(افتح لي النوافذ، حمامة الأيك على وشك الوصول…)
هنا تتجاوز الأنا الأنثوية دور (المحبوبة) لتكون (الشاعرة)، وصاحبة القرار الجمالي، حيث تأتي القصيدة امتدادًا لحدسها، واستبصارها، وتمارس به حضورًا أنثويًا شموليًا لا يتجزأ.

ثانيًا: الانزياحات الأسلوبية والدلالية

…………………………………………..
1. الانزياح التركيبي
النص يشهد تحوّلات جملية وتراكيبية تتخطى المألوف، فتأتي بعض العبارات في نسق تعبيري مغاير:
 (زمهرير فخار لا يتعرّق)
(صرتُ نثرًا معسولًا من قطوف التين)
(فهلّا شهِدتَ تفرّع فذاذتي بأقصى ما أُوتيتَ من بداهة)
تسعى هذه التراكيب إلى تجاوز الاستعمال المعتاد للغة، نحو تشكيل لغة شعرية تتموضع بين النثر والمجاز، وتستدعي القارئ لإعادة إنتاج المعنى.
2. الانزياح التصويري
…………………………
تستعمل نسرين صايغ مجازات معقّدة وجمالية، بعضها ذو صبغة جسدية–روحية:
 (مصلوب أنت في أوردتي)
(اسمي خفافًا ليتخطّفني صداه)
(قافية معتّقة بنكهة الصبّار)
هذه الصور تتكثف فيها الدلالات: فالمحبوب لا يُسكَن في القلب فحسب، بل يُصلب في الأوردة؛ والشاعرة لا تُنشد، بل تنهَمِر، وتذوب في ما تكتبه.
3. الانزياح الدلالي
………………………
يُلاحظ في النص انقلابات دلالية عميقة، كمثل:
 (راعية الشوك أنا، والشوك أيضًا يُثمر!)
تُوظّف الكاتبة صورة الشوك (كناية عن الألم) لا بوصفه ضدًا للخصوبة، بل بوصفه مقدّمة للثمر، في رؤية أنثوية تقلب القيم التقليدية، فـ”الشوك” ذاته يصير مصدر عطاء.
كذلك نلحظ هذا الانزياح البلاغي الرمزي:
 (كنّا كناية، صرنا مجازًا)
هنا تتحوّل العلاقة العاطفية إلى علاقة لغوية صرف، فالكناية (الستر، الاحتمال) تتحول إلى المجاز (الانفجار الدلالي، الكثافة). وهذا تحويل بلاغي–وجداني بالغ الدقة.
ثالثًا: اللغة والبنية الإيقاعية
………………………………..
رغم أن النص ينتمي للنثر، إلا أن حضور الإيقاع فيه واضح عبر:
التكرار البنائي والحروفي (خاصة حروف: النون، السين، الراء).
التوازي في الجمل.
الاعتماد على التقطيع المشهدي والبنية الحواريّة، مما يمنح النص نَفَسًا دراميًا.
كما أن تنقل السرد بين قال وقلتُ يُنتج دينامية سردية ذات طابع شعري بصري، تُشعر القارئ وكأنه يراقب عرضًا مسرحيًا داخليًا.

خلاصة القراءة

…………………..
نص ٠راعية الشوك) ليس مجرّد نص وجداني، بل هو تجربة لغوية أنثوية متكاملة، تُعيد تشكيل اللغة من خلال الأنوثة لا عنها.
إنه نصٌّ يحفر في عمق العلاقة بين الذات والآخر، بين الكلمة والإحساس، بين الصمت والبَوْح.
وهو بهذا يشكّل إضافة مهمّة إلى تيار الكتابة النسوية المعاصرة، حيث تكون القصيدة مرآة للذات وصدى للأنوثة المتجاوزة.

الملاحظات

…………………….
*النص مأخوذ عن منشور للكاتبة نسرين صايغ (لبنان/أستراليا).
*التحليل تم وفق منهج القراءة التفكيكية الجمالية المراعية للصوت النسوي والانزياح البلاغي.
*يُقترح إدراج النص ضمن أعمال تُحلل في مقررات “الكتابة النسوية” أو “النثر الشعري المعاصر”.
وفق الله شاعرتنا ..ومن ابداع الى ابداع.

النص
……..
راعية الشوك *
كََكُل قصيدة سمراء سريالية، كنتَ انتَ مبلغ غايتي.

تنهدَ والدهشة في عينيه، كلٌ على حدة.
قال: أما أنا فكثيراً ما أكون انتقائياً بكل ما أُوتيتُ من دهاء وبراعة!

وهآ أنتِ سيدتي أول الحاضرين في اختلاق الفرق لفظًا ومعنى

قلتُ: أنا لا أشبه أحداً وإن فارقتني الأشياء، كالعمر الجميل لا أتكرر
أنْهَمِرُ واِسْمِي خفافا ليَتَخَطّفنيَ صداي قصيدة شتوية وطقس من طقوس اللاوعي المولع بالهذيان
ولست ماكرة في استحواذي على ما أحب، ولكنه قلبي الشقي الرشيق المغامر يعشق سجنه المؤبد نكالًا.
مصلوب أنتَ في اوردتي بكل ما أوتيتُ انا من قبس الكلمات وهي تضيئكَ إن رحلتُ فما انتَ براحل.
قال: موالٌ فريدٌ إذا أم سكرة خاطر أنتِ
قلت: راعية الشوك أنا والشوك أيضا يُثمِر !

فلا عجب إن أهديتُكَ نثرًا معسولًا من قطوف التين!

أو قافيةً معتقة بنكهة الصبّار فهلّا شهِدت تَفَرُّع فذاذتي بأقصى ما أوتيتَ من بداهة وارحتني من تأنيب الضمير !

أنا في صدد كتابة قصيدة من جناحِ حدسي ومطلع لهفتي وصبابتي فعجّل وافتح لي النوافذ حمامة الأيك على وشك الوصول فلا تُربِكها!
قال: وفي كل مَرّةٍ ومُرّة تزدادين غرابة تتألقين شراسة تستحضرين الدهشة بسجية الرواة، بهوس الشعراء بالأنا المرئية في فوضى الصفحات.
قلت: ألم أخبرك أني لا أشبه أحداً
مستبدة هي النون في اسمي بداية ونهاية ورنينها كما الوَنّ الطروب في شعري العاجي
السين سماء مفتوحة الأبواب غير قابلة للتأويل
والراء أول الروايات كالبدايات لقصة حب دامية.
الياء آخر حروف الأبجدية طيعة الذكرى جميلة الأثر فهل اكتفيت!
قال: وماذا عنّي وعنكِ إذا؟
قلت: وكأنّ شيئًا لم يكن كنّا كناية صرنا مجازا.

فالوقت ضيق جداً على الأحلام
لَكَم همستُ في أذن الغد كن حاضري
فوشوشني علانية وأسَرّ ابتسامة واثقة! قرّي عينا ولا تحزني
وها أنا أرى وأقرّ وأقشع قشوع التجلّي.
وتباشير غالية
هل يستفيق الشوق في الاحداق ثانية وكأنّما لا شيء بي إلّاكَ
وكأني لا أرى احد سواك
وكأنك كل أشيائي الحبيبات
وكأنك نهاراتي الوارفات
قال: تستدرجين الوقت إذا؟
قلت: بل أثير غبار الغفلة
لعلي أعود إليّ
فبعضي لم يزل عالقًا هناك في سفرة صمت أليفة
كما الريف ألهث في غصون الوقت
ليس كمثلي شيء، زمهرير فخار لا يتعرق…

ذات صلة

spot_img