مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتب عباس مراد
عندما سُئل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أسبوعين في مؤتمره الصحفي مع رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر عن اتفاقية أوكوس الأمنية، التي وقّعتها أستراليا مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر عام 2021، كان جوابه مفاجئًا وصادمًا، فسأل الصحفي البريطاني: “ماذا يعني هذا؟”.
كان ذلك قبل المشادة الكلامية في البيت الأبيض بين الرئيس ترامب ونائبه، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأسبوع الماضي، والتي بدا فيها الرئيس الأمريكي مصرًّا على التخلي عن زيلينسكي إذا لم يرضَ بتوقيع اتفاقية سلام مع روسيا.
يبدو أن الرئيس الأمريكي، وكجزء من سياسته الجديدة “أمريكا أولًا”، التي فتح فيها حرب التعريفات الجمركية على حلفائه وأعدائه، لا يُعير اهتمامًا كبيرًا لاتفاقية أوكوس، التي ستكلف أستراليا في مراحلها الأولى 368 مليار دولار، وقد تصل إلى 500 مليار دولار مع كلفة التشغيل.
بموجب اتفاقية أوكوس، ستساعد كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أستراليا في تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية، وأنظمة صاروخية وقدرات للتعامل مع الحرب السيبرانية، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ من أجل احتواء النفوذ الصيني في المنطقة.
نشير إلى أن الاتفاقية وُقّعت بعد أن ألغت حكومة الأحرار برئاسة سكوت موريسون اتفاقية مع فرنسا، كانت ستحصل بموجبها أستراليا على 12 غواصة تعمل بالديزل بكلفة 50 مليار دولار أمريكي، وقّعتها حكومة الأحرار برئاسة مالكوم تيرنبول عام 2018. وعندما وصل حزب العمال إلى الحكم في عام 2022، تبنّت حكومة ألبانيزي الاتفاقية بحذافيرها، رغم الانتقادات التي تعرضت لها من قبل سياسيين من حزبي الأحرار والعمال، وأبرزهم رئيسا الوزراء السابقان بول كيتنغ (عمال) ومالكوم تيرنبول (أحرار)، بالإضافة إلى معارضة حزب الخضر للاتفاقية كليًا.
فجّرت تصريحات ترامب سيلًا من المواقف السياسية والصحفية، رغم أن رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي وزعيم المعارضة بيتر داتون يصرّان على أن التحالف الأمريكي يشكل عقيدة راسخة لديهما، ولن يخاطر أي منهما بتغيير موقفه، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الفيدرالية، حيث قد يشكل أي موقف مغاير مادة انتخابية دسمة. ويؤكد كل منهما أن صفقة أوكوس ستوفر الأمن للأستراليين عند وصول الغواصات الأولى في أوائل أربعينيات القرن الحادي والعشرين.
الكاتب الصحفي في جريدة سيدني مورنينغ هيرالد ديفيد كرو كتب في 20 فبراير 2025 مقالة بعنوان: “ترامب يعمل على هدم التحالفات القديمة والعواقب وخيمة على أستراليا”.
وقال: “إن بريق تحالف أستراليا مع الولايات المتحدة يتلاشى يومًا بعد يوم. وإذا كان بوسع رئيس الولايات المتحدة أن يدير ظهره لتحالف حلف شمال الأطلسي مع أوروبا وكندا، الذي يشكل أساس الأمن الغربي منذ سبعة عقود، فهو قادر أيضًا على التخلي عن اتفاقية أنزوس الأمنية واتفاقية أوكوس بشأن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.”
ويضيف كرو أن المشكلة الأساسية هنا هي أن “أوكوس” تعمل على تضخيم اعتماد أستراليا على أمريكا، في حين أن أمريكا أصبحت أقل موثوقية. وهذه حقيقة لا يستطيع أي وزير في الحكومة أو في حكومة الظل أن يعترف بها. ويعرب وزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء ريتشارد مارليس عن ثقته الكاملة في المشروع، وكذلك يفعل داتون، الذي كان وزيرًا للدفاع عندما أُعلن عن المشروع.
أما محرر الشؤون السياسية والدولية في الهيرالد، بيتر هارتشر، فكتب في 4 مارس 2025 مقالة بعنوان: “من الواضح أن ترامب عميل لبوتين. يجب أن يشعر جميع حلفاء الولايات المتحدة بالقلق.” واقتبس هارتشر تصريح مستشار ترامب السابق للأمن القومي جون بولتون، الذي انتقد ترامب قائلًا: “يجب أن يشعر جميع حلفاء الولايات المتحدة بالقلق”.
بوب كار، وزير خارجية أستراليا السابق (عمال) والمختص بالشؤون الأمريكية، يقول: “كنت سأشعر بأمان أكبر لو لم نلغِ الاتفاقية للحصول على الغواصات الفرنسية المهمة ولكن بأسعار معقولة”. ويعتقد كار أن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية لن تصل أبدًا.
أما مالكوم تيرنبول، رئيس الوزراء الأسبق (أحرار)، الذي لا يؤيد اتفاقية أوكوس، فيقول: “يجب أن يكون هناك تقييم صادق لما نفعله في السيناريو الذي لا نحصل فيه على أي غواصات من فئة فرجينيا، وربما لا غواصات بريطانية أيضًا”. ويضيف تيرنبول: “تهيمن على الأخبار في الوقت الحالي الإجراءات التخريبية التي يقوم بها دونالد ترامب والطريقة التي يقلب بها السياسة الخارجية الأمريكية”.
يقول الأدميرال البحري بيتر بريجز، وهو قائد غواصات سابق في البحرية الأسترالية قاد قاعدتين للأسطول وفريق قدرات الغواصات التابع للبحرية الملكية الأسترالية، إن الولايات المتحدة تتخلف عن الركب في بناء الغواصات، وبالتالي ستكافح لبيع أي منها لأستراليا. ويتوصل بريجز إلى استنتاج مأساوي: يتعين على أستراليا أن تعترف بخطئها مع أوكوس، ويدعو إلى شراء غواصات سوفرن الفرنسية التي تعمل بالطاقة النووية من إنتاج مجموعة نافال.
السفير الأسترالي السابق لدى الولايات المتحدة، جو هوكي، يرد بانتقاد صريح للمنتقدين مثل كار وتيرنبول، قائلًا: “من المرجح أن ننجز صفقة فرجينيا في الموعد المحدد، لأن أمريكا تركز أكثر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ مقارنة بالمعارك الأخرى”.
وفي السياق نفسه، يقول آرثر سينودينوس، السفير الأسترالي السابق لدى الولايات المتحدة: “من الآن فصاعدًا، يجب ألا يكون شعارنا أننا بحاجة إليهم، بل أنهم بحاجة إلينا” (أي الولايات المتحدة)، ويدعو إلى تطوير العلاقات الأسترالية الأمريكية.
أما المفوض السامي السابق في المملكة المتحدة والمدعي العام الفيدرالي السابق جورج برانديس (أحرار)، فقد كتب في 23 فبراير 2025 مقالة في الهيرالد بعنوان: “هل يستطيع حلف شمال الأطلسي النجاة من ترامب؟”
يقول برانديس: “أصبحت أمريكا الآن على صفحة مختلفة عن أوروبا وعن بقية العالم الديمقراطي، بما في ذلك أستراليا”. ويستشهد برانديس بمقولة السفير الأسترالي الحالي لدى الولايات المتحدة ورئيس الوزراء السابق كيفن راد (عمال)، الذي وصف ترامب بأنه “خائن للغرب”. ورغم أن هذه المقولة شكلت حرجًا لراد بعد إعادة انتخاب ترامب العام الماضي، إذ كتبها قبل توليه المنصب، إلا أن برانديس يرى أن أحداث الأسبوعين الماضيين أثبتت صحة كلام راد.
أما كيف ينظر الأستراليون إلى العلاقات مع الولايات المتحدة، فقد أظهر استطلاع رأي جديد أجراه معهد أستراليا أن عدد الأستراليين الذين يرون أن دونالد ترامب يشكل تهديدًا أكبر للسلام العالمي مقارنة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس الصيني شي جين بينغ قد ارتفع.
شمل الاستطلاع 2000 أسترالي، وطرح أسئلة حول الرئيس الأمريكي والأمن والتحالف الأسترالي الأمريكي. وقبل المشادة الكلامية بين ترامب ونائبه فانس وزيلينسكي، قال 49% من الأستراليين إنهم يشعرون بأمان أقل مما كانوا عليه قبل إعادة انتخاب ترامب، بينما أفاد 17% فقط بأنهم يشعرون بأمان أكبر. وعند الاختيار بين القادة الثلاثة، رأى 31% أن الرئيس الأمريكي يشكل الخطر الأكبر.
رابط النشر- https://arabsaustralia.com/?p=41073