مجلة عرب أستراليا
أستراليا: الغضب من عمليات القتل في غزة لكننا فعلنا نفس الشيء أيضًا
مايكل باسكو
ترجمة الكاتب عباس علي مراد
عنوان النص بالانكليزية
The outrage over Gaza killings but we do it, too
Michael Pascoe, The new Daily, Jan 19, 2024
ليس من المستغرب أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوفياء، أستراليا والمملكة المتحدة، صامتين إلى حد ما في احتجاجاتهم على مقتل المدنيين في غزة، حيث ان احتجاجاتهم تقتصر على دعوات ليست أكثر من “هل يمكنكم أن تهدأوا قليلاً وحاولوا ألا تقتلوا العديد من الأطفال، من فضلكم، هل من الممكن ان يكون هناك وقف لإطلاق النار لبعض الوقت”.
سبب عدم وجود المفاجأة بما يحصل إلى أننا نفعل ذلك أيضاً: نقتل الأطفال، ونفجر المستشفيات، ونقصف المناطق المدنية، ونقطع المساعدات والإمدادات الطبية.
إن الاحتجاجات القوية الآن، بدلاً من المرافعات الناعمة، من شأنها أن تؤدي إلى اتهامات بالنفاق من جانب الحكومة الإسرائيلية الأصولية.
عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، قال نفس الشيء بالفعل: “سوف تتعامل إسرائيل مع هذه الدولة (غزة) بنفس الطريقة التي عاملتم بها اليابان عندما هاجمتكم في بيرل هاربور، وبنفس الطريقة التي عامل بها الحلفاء ألمانيا في الحرب العالمية الثانية”.
دريسدن، طوكيو، هيروشيما، ناغازاكي وغيرها.. فقد تم ذبح مئات الآلاف من النساء والأطفال وإحراقهم وتعريضهم للإشعاع بشكل مروع، لكن ليس علينا العودة إلى ذلك الحد للحصول على أمثلة، أو إلى القصف الشامل لمساحات واسعة من الهند الصينية.
حرب العراق
لقد فعلنا ذلك في حرب العراق غير الشرعية التي شنها بوش/ بلير/ هوارد، ولا نريد أن نحقق فيها، ولماذا شنت تلك الحرب.
هناك جملة بقيت عالقة في ذاكرتي قالها ضابط مدفعية أمريكي حيث يعترف ببعض القلق بشأن الجهة التي قد تصيبها القذائف التي كان يطلقها على بغداد، في خضم التقارير الصحافية التشجيعية العامة للصحفيين المرافقين لقوات الغزو تلك.
كانت معركة الفلوجة ذات شبه كبير بما يحدث الآن في غزة، هذه المعركة التي أدارها إلى حد كبير لواء أسترالي قائد عمليات القوة المتعددة الجنسيات، الذي انتخب نائباً لاحقاً السيناتور جيم مولان.
وبعد وفاة السيناتور مولان العام الماضي، أعاد الصحافي جون مينادو نشر مقال “لآلئ ومضايقات” من عام 2018، والذي كان مهتمًا في المقام الأول بالفشل العام لتغطية وسائل الإعلام الأسترالية في الشرق الأوسط وخاصة دور مؤسسة (نيوز كورب) التي لم تعتذر أبدًا عن أخطائها الفادحة ولوبخجل كما كتب الصحافي مينادو.
“في الوقت الذي كانت وسائل الإعلام الاسترالية الرئيسية نائمة أوتغض الطرف عمداً بتشجيع من العلاقات العامة لقوات الدفاع الأسترالية حول ما كان يحدث في العراق والفلوجة، كانت وسائل الإعلام الخارجية تنشر تقارير على نطاق واسع.
في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2004، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن “الكهرباء والمياه انقطعت عن المدينة مع بدء موجة جديدة من الضربات والغارات ليلة الخميس، وهو الإجراء الذي اتخذته القوات الأمريكية أيضًا في بداية الهجمات على النجف وسامراء”.
كما مُنع الصليب الأحمر ووكالات الإغاثة الأخرى من الوصول لتقديم أبسط المساعدات الإنسانية كالماء والغذاء والإمدادات الطبية الطارئة للسكان المدنيين.
في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة نيويورك تايمز في صفحتها الأولى تقرير مفصل كيف بدأت الحملة البرية للتحالف من خلال الاستيلاء على المستشفى الوحيد في الفلوجة: “تم نقل المرضى والعاملين في المستشفى من الغرف بواسطة جنود مسلحين وأمروهم بالجلوس أو الاستلقاء على الأرض وتم تقييد أيديهم خلف ظهورهم من قبل العسكريين”.
وكشف التقرير أيضًا عن الدافع وراء مهاجمة المستشفى: “لقد أدى الهجوم أيضًا إلى إيقاف ما قال الضباط إنه سلاح دعائي للمسلحين: وهو ان مستشفى الفلوجة العام يقدم سيلاً من التقارير عن سقوط ضحايا من المدنيين”. ولم تكتفي القوات المهاجمة بذلك بل قامت بقصف وتدميرالعيادتان الطبيتان في المدينة.
الفوسفور الأبيض
في افتتاحية نوفمبر/تشرين الثاني 2005 استنكرت نيويورك تايمز استخدام الفوسفور الأبيض، ووصفت الصحيفة تاثير الفوسفور الأبيض وكيف يطلق: “معبأ في قذيفة مدفعية، تنفجر فوق ساحة المعركة في وهج أبيض يمكن أن يضيء مواقع العدو. كما أنها تمطر كرات من المواد الكيميائية المشتعلة، التي تلتصق بأي شيء تلمسه وتحترق حتى ينقطع إمدادها بالأكسجين. ويمكن أن تحترق لساعات داخل جسم الإنسان”.
عندما استخدم صدام حسين الفوسفور ضد الأكراد، استنكرت مؤسسة نيوز كورب الأعلامية الهجوم وأعلنت عن غضبها لكنها التزمت الصمت عندما استخدمته الولايات المتحدة في الفلوجة.
في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2004، إلى جانب تقارير صحيفة نيويورك تايمز التي تفيد بأن المستشفى الرئيسي في الفلوجة قد تعرض للهجوم، أشارت مجلة ذي نيشن إلى “تقارير تفيد بأن القوات المسلحة الأمريكية قتلت عشرات المرضى في هجوم على مركز صحي في الفلوجة وحرمت المدنيين من الرعاية الطبية والغذاء والماء”.
في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية ما يلي: “بدون الماء والكهرباء، نشعر بأننا معزولون تماماً عن العالم الخارجي… هناك قتلى من النساء والأطفال جثثهم ملقاة في الشوارع. أصبح الناس هزلاء بسبب الجوع. ويموت الكثيرون متأثرين بجراحهم لأنه لم يعد هناك أي مساعدة طبية في المدينة على الإطلاق.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، ذكرت صحيفة الغارديان أن “الظروف المروعة لأولئك الذين بقوا في المدينة بدأت في الظهور خلال الـ 24 ساعة الماضية حيث أصبح من الواضح أن ادعاءات الجيش الأمريكي بشأن الاستهداف “الدقيق” لمواقع المتمردين كانت كاذبة … لقد ظلت المدينة بدون كهرباء أو ماء لعدة أيام”.
وفي تقرير آخر تدعمه صور بي بي سي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2004 وهو أن قوات التحالف منعت توزيع إمدادات المساعدات على المدنيين.
وأشارت صحيفة الإندبندنت إلى فيلم وثائقي إيطالي يزعم أن مدنيين عراقيين، بينهم نساء وأطفال، لقوا حتفهم متأثرين بحروق ناجمة عن الفوسفور الأبيض أثناء الهجوم على الفلوجة.
في الفلوجة تمكن معظم السكان المدنيين، وليس كلهم، من الفرار من المدينة قبل الهجوم. وعلى عكس سكان غزة، حيث لا مكان لديهم يهربون إليه.
في النهاية لا يوجد نصر
كانت النتيجة النهائية أن تحالف بوش/ بلير/ هوارد “تحالف الراغبين” دمر الفلوجة، لكن ذلك لم يحقق نصراً ولم تقضي على المتمردين، حيث كتب أحد مراسلي الغارديان أنها ببساطة نشرت المقاتلين في جميع أنحاء البلاد وزادت من فرصة نشوب حرب أهلية في العراق لأن التحالف استخدم الحرس الوطني الجديد من الشيعة لقمع السنة.
هناك تشابه مذهل بين بعض تكتيكاتنا في الفلوجة وما يحدث في غزة. لا عجب أننا لا نقول أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب. من السهل إدانة الهجمات العسكرية والإرهابية التي شنتها حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لأنها تختلف عن مشاريعنا العسكرية. والأطفال الذين قُتلوا بطريقة أو بأخرى هم أموات واموات فقط، وتستمر دورة الموت.
ليس لدى أستراليا أي تأثير على حكومة نتنياهو أو حماس. لكن من المشكوك فيه مدى تأثيرنا على حكومتنا عندما يتمكن رئيس الوزراء من إرسال أستراليين ليَقتُلوا ويُقتَلوا بناءً على مكالمة هاتفية رئاسية(عادة يبلغ الرئيس الاميركي رئيس الوزراء الاسترالي بمكالمة هاتفية بطلب ارسال قوات الى مناطق النزاع،المترجم) ومعلومات استخباراتية مزورة وإحاطة شفهية لمجلس الوزراء، ومنذ ذلك الحين ولم يكن لدى أي حكومة أي مصلحة لوضع حد لهذه التصرفات الحمقاء.
لجنة تحقيق ملكية؟
ختم جون مينادو مقالته بالإشارة إلى أن توني أبوت (رئيس وزراء اسبق من حزب الاحرار) أنشأ لجنة تحقيق ملكية لملاحقة كيفن رود(رئيس وزراء سابق من حزب العمال) بشأن الخفافيش الوردية ( حادثة قُتل فيها أربعة رجال أثناء تركيب عوازل حرارية على أسطح المنازل في عهد حكومة راد).
وتساءل مينادو: “ماذا نحتاج أكثر من ذلك لتشكيل لجنة تحقيق ملكية لفحص غزونا للعراق على أساس معلومات كاذبة؟”
ويضيف “يجب على تلك اللجنة الملكية أيضاً أن تحقق في أداء وسائل إعلامنا في تغطية الأحداث التي أدت إلى إرسال قواتنا والكوارث اللاحقة التي تلت ذلك في العراق، بما في ذلك الفلوجة”.
إن عمل المراسلين الحربيين في فيتنام، ونقل رعب الحرب الفيتنامية وعدم جدواها إلى صالونات البيوت الأمريكية والأسترالية، ساعد في إنهاء تلك الحرب.
لا يبدو أن رؤية رعب السابع من أكتوبر وغزة حتى الآن قد أنهت هذه الحرب، بل أدت فقط إلى مقتل عدد كبير للغاية من الصحفيين.
أخيراً، فنحن لسنا على استعداد للنظر بما فعلناه بأنفسنا ومن المسؤول عنه..
رابط مختصر-https://arabsaustralia.com/?p=34707