مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب عباس مراد
قبل أسبوعين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربه الاقتصادية على العالم، من خلال فرضه رسومًا جمركية كان حدها الأدنى 10%، وأقصاها 145% التي فرضها على الصين.
وكما أصبح معروفاً، عاد ترامب وجمّد قراره لتسعين يومًا، ليعطي فرصة لدول العالم من أجل التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى حل يرضي الجميع، لأنه حسبما قال إن الولايات المتحدة لم تعد على استعداد لتحمل الخسارة!
الصين التي تم استثناؤها من قرار التجميد ردّت بفرض رسوم مماثلة، وأبدت استعدادها للاستمرار بالمواجهة، وعدم الرضوخ لابتزاز الإدارة الأميركية مهما كانت كلفة تلك المواجهة.
أستراليا التي تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تأتي بالمرتبة الأولى بالاستثمار المالي في الاقتصاد الأسترالي، ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح الولايات المتحدة، وتبلغ صادرات أستراليا من السلع إلى الولايات المتحدة أقل من 5%، وبلغت قيمة التجارة الثنائية بين أستراليا والولايات المتحدة 98.7 مليار دولار في عام 2023.
في نفس الوقت تحتفظ أستراليا بأهم وأوسع علاقات تجارية مع الصين تبلغ قيمتها 325.5 مليار دولار في الاتجاهين، ويميل الميزان بفارق كبير لصالح أستراليا التي تصدر العديد من المواد الأولية والزراعية إلى الصين.
أستراليا والتي هي على موعد مع الانتخابات الفيدرالية في 3 أيار القادم، كانت لها مقاربة حذرة لرسوم ترامب، فمارست سياسة التقية السياسية، وأيدت المعارضة الفيدرالية هذه المقاربة، رغم أن زعيم المعارضة بيتر داتون اتهم رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي بالضعف، لأنه لم يستطع إقناع ترامب بإعفاء أستراليا من الرسوم والبالغة 10%، وادعى داتون أنه الأقدر على إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة في حال فوزه بالانتخابات القادمة.
الصين، وعبر سفيرها في كانبرا، دعت أستراليا إلى التعاون من أجل الحفاظ على نظام التجارة العالمي والوقوف بوجه الإجراءات الأميركية، لكن تلك الدعوة لم تلقَ الترحيب، وقوبلت بفتور وحذر رغم أن
زعيم المعارضة بيتر داتون قال: “ينبغي أن تكون لأستراليا علاقة تجارية قوية مع الصين، بما يخدم مصالحنا المشتركة”.
رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي، وعندما سُئل عما إذا كان سيتعاون مع الصين، قال: “نحن لنا موقفنا الخاص بنا.. وموقف أستراليا هو أن التجارة الحرة والعادلة أمرٌ جيد”. وبشأن تعزيز العلاقات التجارية مع الصين، قال ألبانيزي: “سنسعى لزيادة تجارتنا مع جميع الدول”.
لكن نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ريتشارد مارلز رفض رفضًا قاطعًا عرض السفير الصيني لدى أستراليا شياو تشيان “بالتعاون” مع أستراليا للرد على رسوم ترامب الجمركية، وأضاف: “لن نتعاون مع الصين، هذا ما لن يحصل، لا أعتقد أننا سنتعاون مع الصين”، وقال إن أستراليا بدلًا من ذلك تحاول تنويع شركائها التجاريين، بما في ذلك توسيع العلاقات التجارية مع دول مثل إندونيسيا والهند.
وزير التجارة الأسترالي دون فاريل، ورغم أن الحكومة حكومة تصريف أعمال، اتصل بنظيره في الاتحاد الأوروبي وقال بعد الاتصال: إنه تم الاتفاق على إعادة فتح المحادثات حول اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، التي توقفت بسبب بعض الشروط الأوروبية التي رفضتها أستراليا آنذاك.
فاريل وصف الاتصال بأنه كان “وديًا وبنّاءً”، وأضاف: “اتفقنا على استئناف المحادثات وجهًا لوجه في أقرب وقت ممكن بعد الانتخابات”، وتبلغ نسبة الصادرات الأسترالية للاتحاد الأوروبي 20% من صادرات البلاد، أي إن الاتحاد الأوروبي ثالث أكبر مستورد من أستراليا بعد الصين واليابان.
كذلك تحدث وزير التجارة دون فاريل مع نظرائه في اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة والهند بشأن الرد على الرسوم الجمركية الأميركية.
نشير إلى أن الصين كانت قد فرضت رسومًا جمركية وصلت إلى 80% على بعض الصادرات الأسترالية في العام 2020، بعد أن اتهم رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك سكوت موريسون (أحرار) الصين بأنها مصدر فيروس كوفيد-19، وطالب بإقامة لجنة تحقيق دولية حول الموضوع، عادت الصين وألغت تلك الرسوم كليًا عام 2024 بعد مباحثات شاقة مع حكومة العمال، وكلفت تلك الرسوم الاقتصاد الأسترالي 20 مليار دولار سنويًا.
رغم معارضة الحكومة مد اليد للصين، هناك مسؤولون أستراليون حاليون وسابقون دعوا إلى تعزيز العلاقات مع الصين والدول الآسيوية، ويعتقدون أن النمو الاقتصادي الأسترالي يعتمد على العلاقات مع آسيا، منهم وزير التجارة الليبرالي السابق أندرو روبن الذي قال: إنه ينبغي على أستراليا الرد على ترامب بالسعي إلى علاقات أوثق مع آسيا، بينما قال وزير التجارة العمالي السابق كريغ إيمرسون، والذي يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لمركز دراسات التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في جامعة (آر-إم-آي-تي)، إن هذا سيتماشى ويتوافق مع سنوات من السياسة الأسترالية، وأضاف إن ازدهارنا الاقتصادي المستقبلي هو في آسيا.
أما وزير التجارة دون فاريل فقال: إن “استقرار العلاقات مع الصين سيكون أولوية إذا فاز حزب العمال في الانتخابات القادمة”، وأضاف إنه يريد رؤية نظيره الصيني في شنغهاي في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، وأكد فاريل “أننا ملتزمون بإدارة خلافاتنا مع الصين بحكمة مع وضع مصلحتنا الوطنية دائمًا في المقام الأول”.
أستراليا، التي تخشى أن تكون ضحية الكباش الاقتصادي بين شريكيها الاستراتيجي الأول، والشريك التجاري الأول، تخشى تراجع نمو الاقتصاد الصيني من جهة حيث ستتراجع الصادرات الأسترالية للصين مما سيؤثر سلبًا على الاقتصاد الأسترالي وميزانية الحكومة الأسترالية.
أستراليا، وكرد أولي على الرسوم الجمركية، أقامت صندوقًا بقيمة مليار دولار لمساعدة المصنعين المحليين المتضررين من الرسوم الجمركية الأميركية حسبما قال وزير الصناعة إد هيوسك.
أيضًا، هناك تخوف من عدم وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها لحماية أستراليا، وارتفعت الأصوات التي تطالب بإعادة النظر من قبل صحافيين وحزبيين وأكاديميين وعسكريين وسياسيين حاليين وسابقين، لإعادة النظر باتفاقية أوكوس لشراء الغواصات النووية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبالاعتماد على القدرات الأسترالية الذاتية لحماية البلاد.
من أبرز تلك الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق بول كيتنغ (عمال) الذي كان وما زال يدعو إلى تطوير العلاقات الآسيوية الأسترالية، لعدة أسباب: الموقع الجغرافي لأستراليا والتنوع الديمغرافي الذي تتكون منه أستراليا، خصوصًا بعد إلغاء سياسة أستراليا البيضاء، وعلى الرغم من اعتراف كيتنغ بأهمية العلاقة مع الولايات المتحدة، لكنه يحذر دائمًا من الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة، وعارض وما يزال صفقة أوكوس التي ستكلف أستراليا في مراحلها الأولى 368 مليار دولار.
مالكوم تيرنبول، رئيس الوزراء السابق (أحرار)، يوافق كيتنغ الرأي ويطالب بإعادة إحياء الاتفاق مع فرنسا لبناء أسطول الغواصات الأسترالي الذي وقّعت عليه حكومته في عام 2016، والذي ألغته حكومة سكوت موريسون (أحرار) عام 2021 عندما استبدلته باتفاقية أوكوس.
كذلك فإن حزب الخضر يدعو إلى إلغاء اتفاقية أوكوس وتطوير صناعات دفاعية محلية وتوفير بلايين الدولارات لتطوير البنى التحتية الاقتصادية في البلاد، وهناك مجموعة داخل حزب العمال تُعرف بـ”العمال ضد الحرب” تدعو إلى إلغاء الصفقة وتعمل داخل الصفوف والفروع الحزبية وفي المجتمع من أجل تحقيق ذلك الهدف.
إذن، أستراليا، وحتى تنجلي غبار المعركة الاقتصادية والتغيرات العالمية المتسارعة، واقعة بين مطرقة دونالد ترامب وسندان شي جينغ بينغ.
أخيرًا، فهل تستطيع أستراليا الخروج من هذه المعمعة بنفس المقاربة الحالية، أم أنها ستضطر لتغيير المقاربة في المستقبل، خصوصًا بعد الانتخابات حيث لا تخشى الحكومة ردة فعل الناخبين؟
رابط النشر- https://arabsaustralia.com/?p=41744