طرابلس عاصمة الشمال
قلعة طرابلس بقيت مقصد السواح
دموع الأسمرـ في زمننا هذا، بات القليل يعرف ان قلعة طرابلس كانت تعرف بإسم قلعة “سان جيل” أو “صنجيل” نسبةً إلى الكونت الصليبي ريمون دي سان جيل.
هذه القلعة التي تأسست فوق تلة تشرف على مدينة طرابلس القديمة، وتبعد عن البحر حوالي ميلين، تعتبر من اهم القلاع الاثرية في لبنان.
لكن هذا المعلم الاثري التاريخي يعاني من اهمال لم يشهد له موقع اثري بهذا الحجم نتيجة تقاعس وزارات الثقافة التي لم تول هذا المركز السياحي الاهمية التي تجعل منه مركزا سياحيا على غرار المراكز الاخرى ورغم ذلك بقي مقصدا للسواح الاجانب من المهتمين بالقلاع ولما يحتويه من تحف ونواويس ومعالم من الحضارات التي تعاقبت على القلعة.
تقع قلعة طرابلس شرق مدينة طرابلس من مدخلها الجنوبي وغربا من مدخلها الشمالي، وتطل على نهر أبو علي واسواق طرابلس الاثرية ويحيط بها احياء باب الحديد والسويقة وضهر المغر والمهاترة وابي سمراء، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يشكل حصنا منيعا لخوض الحروب، لكن اللافت في هذه القلعة انها تحتفظ باثار معظم الحقبات التاريخية بدءا من العهد الفنيقي الذ اكتشف حين انقلب حجر منها خلال الحرب نتيجة القصف فتبين ان عليه نقوشا ارامية ومنهم من قال انه تم اعادة بناؤها في العهد الاسلامي ثم في العهد الصليبي وصولا الى العهد العثماني اما اليوم فالقلعة باتت شاهدة على الاهمال اللاحق بها.
شكلت هذه القلعة كما ذكر المؤرخون مركزا مهما لشن الحملات العسكرية واستطاعت صد كل المهاجمين، لكن المماليك استطاعوا خرقها والوصول اليها عام 1289 فعمدوا على احراقها ثم اعيد بناؤها بين عامي 1307 و1308 وذلك في عهد الأمير أسندمير كورجي كما رممت عام 1521 في عهد السّلطان سليمان القانوني. ثم تحولت اواخر العهد العثماني إلى سجن لاحتوائها على ما يسمى بسجن الدم.
يبلغ طول القلعة 136 مترا وعرضها حوالي 70 مترا، وتتألف من مبنيين داخلي وخارجي، ويحوي عدة خنادق كل خندق له وجهة سير تختلف عن الاخرى وأحد هذه الخنادق يصل الى شاطئ البحر قرب المرفأ، لكن بسبب الاهمال وتراكم النفايات والحشرات الزاحفة بات من الصعوبة عبور هذه الخنادق، ويوجد في القلعة عدة ابراج وتتزين قاعاتها بالقناطر. كما يضم خندقا داخليا منقوش بالصخر، طوله سبعين مترا، وعرضه بمعدل خمسة أمتار، وعمقه يتراوح بين المترين والثلاثة أمتار.
كما تحدث المؤرخون عن اهمية حجارة القلعة معتبرين انها من الرمل الناعم وانها تشبه معظم ابنية البحر المتوسط في القدم. وتنقسم هذه الحجارة، من حيث الحجم، إلى نوعين: الأوّل بطول 90 سنتم وارتفاع 40 سنتم، والثاني بطول 25 سنتم وارتفاع 18 سنتم. أمّا العلامات المنقوشة على الحجارة الضخمة فهي علامات ذات خصائص صليبيّة.
بالعودة الى سلسلة الأبراج والحجب فقد ذكر المؤرخون انها تتألف من خمسة وعشرين برجا وحاجبا. كما يوجد برجين على ارتفاع خمسة امتار، يقال ان السّلطان سليمان القانوني جددهما عام 1521، ولهما أربع فتحات وعدد من المزاغل والمكاحل وبعض الشرفات التي كانت مخصصة للحرس. ايضا يوجد بعض الأعمدة القديمة التي تتميز بأشكال هندسية نادرة. كما يوجد في اعلى القلعة فتحات خصصت للمدافع و10 فتحات صغيرة.
يصل الزائرون الى القلعة من عدة اتجاهات، القبة، باب الحديد، ابي سمراء وادراج السوق القديمة، عند المدخل يشاهد الزائر بابا كبيرا اضافة إلى بابين صغيرين لكن شكلهما ليس ظاهرا بل مخفيا: الاول في أسفل البرج الثاني عشر، والثاني في قاعدة البرج الثاني والعشرون. ويُقال إنّ هناك مجموعة من السراديب سرّية والأقبية المحصنة يمكن لمن ان يجتازها ان يصبح خارج القلعة.
وبحسب المؤرخين فان عدد فتحات المدافع في هذه القلعة يتجاوز العشرين، وعدد مزاغلها ومكاحلها يتجاوز السّبعين. وبحسب مذكرات فؤاد ذوق أنه وجد سنة 1910 ما يزيد على الـ 400 مدفع من النحاس أرسِلَت إلى ألمانيا للصب، لكن لم يعرف عنها شيء حتى اللحظة.
اما اسوار القلعة فيبلغ طولها ما بين 5 و19 مترًا، وتعتبر حجارة القلعة متينة مرصوصة فوق بعضها بطريقة هندسية، ومرصوصةٌ بعضها فوق بعض، وجميع جدرانها مشبعة بالطين.
كما وجد في البرج السابع صهريج كبير واثنان اخران في جوار البرج الكبير، وناعورة كانت تستَعمل لرفع نصيب القلعة من ماء النهر الذي يمر إلى جانبها.
كما يوجد داخل القلعة ثلاثة مساجد، أحدها فاطمي مثمن الأضلاع وبقايا المئذنة. والمسجد الثاني هو جامع القلعة الكبير، بناه “مصطفى آغا ابن اسكندر باشا الخنجرلي والي طرابلس في عهد السلطان العثماني “سليم الأول” عام 1518. والمسجد الثالث بناه “مصطفى آغا بربر” والي طرابلس، بناه عام 1802.
هذه القلعة تعتبر من اهم القلاع التي تعاقب عليها حكام وقادة كانوا يعمدوا على تدميرها ثم يعيدون ترميمها من جديد وتتحول الى مقر حصين.
حتى في المحنة اللبنانية تحولت الى مركز عسكري مما عرضها للقصف واصيبت ببعض الاضرار.
يحتاج زائر القلعة الى ساعات للتجوال في ارجائها حيث يقف المرء مشدوها امام عظمة البناء والهندسة المعمارية المتنوعة التي بقيت شاهدة على الحقبات التي عاصرتها القلعة وصمدت رغم السنين الطوال.
ولعل من الاهمية بمكان ان تولي وزارة السياحة الرعاية لهذه القلعة بدءا بتحويل محيطها الى مركز سياحي يستقطب السواح العرب والاجانب ويعيد لهذه القلعة ألقها في مدينة لا تزال تعاني من الاهمال والحرمان في غياب المشاريع الانمائية.