spot_img
spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 53

آخر المقالات

روني عبد النور ـ أدمغتنا “البطيئة” وماسك “الواهم”

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب روني عبد النور على من...

هاني الترك OAMـ الاحتفال بيوم أستراليا

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM منذ فترة...

غدير سعد الدين ـ حكمة وجود الحرب وأين العدل؟ 

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتبة غدير سعد الدين تحدث الحروب...

الدكتور طلال أبو غزاله يكتب : أجندة صهيونية شريرة

مجلة عرب أسترالياـ  الدكتور طلال أبو غزاله يكتب :...

عباس مراد ـ لبنان، نهاية الفراغ لماذا الآن؟

مجلة عرب أستراليا- بقلم الكاتب عباس علي مراد المعروف أنه...

روني عبد النور ـ عن غزو الفضاء وتحدّياته الجسدية والنفسية

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم الكاتب روني عبد النور

أطلقت “سبايس إكس”، وعلى رأسها السيّد إيلون ماسك، أكثر من 100 صاروخ إلى مدار الأرض خلال العام الجاري فقط. وهو رقم يفوق عدد الصواريخ التي أطلقتها شركات ودول أخرى حول العالم مجتمعة. أما وكالة “ناسا”، فترمي لإعادة رواد الفضاء إلى القمر كجزء من برنامج “أرتميس”، تثبيتاً لتواجد بشري مستدام هناك كمنصة انطلاق للسفر المريخي. ماسك، المسكون بهاجس اكتشاف الفضاء، يتوقّع أن البقاء لن يُكتب سوى لمن يحكمون السيطرة على الأخير. وقد يكون ذلك صحيحاً تماماً. لكن هل أجسادنا – وعقولنا – جاهزة لاستيطان ذاك المحيط الرحب المشرَّع على اللانهايات؟

بلغ عدد زوّار الفضاء من البشر زهاء 700 حتى الآن – والعدد إلى ارتفاع بلا شكّ. وفي وقت سابق من هذا العام، حطّم رائدا فضاء روسيان الرقم القياسي لأطول فترة إقامة على متن محطة الفضاء الدولية، حيث أمضيا 374 يوماً متتالياً في بيئة منعدمة الجاذبية – مدة إقامة مرشّحة لأن تطول مستقبلاً هي الأخرى. ومن هنا نبدأ. ففي ورقة بحثية، نُشرت في مجلة “Frontiers in Physiology” الشهر الماضي، وجد فريق في مختبر الصحة السلوكية والأداء التابع لـ”ناسا” أن الأداء المعرفي لرواد الفضاء الذين أمضوا ستة أشهر على متن المحطة المذكورة لم يتأثر بشكل ملحوظ بعد عودتهم إلى الأرض. ومع ذلك، بيّنت الاختبارات أن قدرات هؤلاء المعرفية تباطأت أثناء تواجدهم في الفضاء. إذ رأى الباحثون ما يشير إلى أن سرعة المعالجة والذاكرة البصرية العاملة والانتباه المستمر والميل إلى المخاطرة قد تشكّل المجالات المعرفية الأكثر عرضة للتغيير في المدار الأرضي المنخفض بالنسبة للرواد.

أُخضع 25 رائد فضاء محترف لسلسلة اختبارات – مرّة قبل انطلاق رحلتهم الفضائية ومرّتين في أعقاب عودتهم (بعد 10 أيام و30 يوماً من الهبوط على الأرض، توالياً). وكان عليهم أيضاً إكمال نفس الاختبارات على متن محطة الفضاء، سواء في وقت مبكر من الرحلة أو قُبيل انتهائها. التباطؤ كان جليّاً. لكن النتائج عامة جاءت مطمئنة إلى حدّ ما: فأياً كانت الآثار المترتّبة على “سباحة” الدماغ البشري في الفضاء، لناحية حدوث ضعف إدراكي أو تدهوُر عصبي، لم تتجلَّ كمنطلق لتلف غير قابل للعكس.

لكن التروّي في إطلاق الأحكام واجب. ففي مكان آخر، هدفت مجموعة حديثة من 44 ورقة بحثية، وتُسمّى أطلس الفضاء الطبي (SOMA)، لفهم كيفية تغيّر جسم الإنسان أثناء الرحلات الخارجية. الأطلس يشتمل على أوسع مجموعة بيانات حول طب الفضاء وعِلم الأحياء الفضائي جرى تجميعها على الإطلاق، في تعاون بين أكثر من 100 مؤسسة من أكثر من 25 دولة. ويعتمد جزء وافر منه على بيانات جُمّعت من الأعضاء الأربعة لرحلة “Inspiration4” السياحية التي استمرّت ثلاثة أيام في المدار الأرضي المنخفض في أيلول/سبتمبر 2021. والخلاصة: المسافرون في رحلات خارجية قصيرة يتعرّضون لبعض التأثيرات الصحية التي يواجهها رواد الفضاء المشاركين في رحلات طويلة.

لماذا؟ بغياب الغلاف الجوي للأرض والمجال المغناطيسي لحمايتهم، يتعرّض زوّار الفضاء للإشعاع الفضائي، ما قد يزيد من خطر إصابتهم بالسرطان والأمراض التنكّسية. وتتحرّك السوائل في أدمغتهم نتيجة انعدام الوزن، ما قد يفاقم مشاكل الرؤية والصداع وتغيّرات البنية الدماغية لديهم. كما يمكن أن تؤدي بيئة انعدام الجاذبية إلى فقدانهم لكثافة العظام وضمور العضلات وتضرُّر القلب والعمود الفقري والخلايا وتراجُع اللياقة البدنية.

إحدى دراسات الورقة البحثية التي نُشرت في حزيران/يونيو الماضي في مجلة “Nature Communications” خلصت إلى أن الفئران المعرّضة لجرعة من الإشعاع الفضائي، محاكاةً لرحلة مريخية ذهاباً وإياباً، عانت من تلف الكلى وخلل وظيفي. أي قد يحتاج المسافرون من البشر إلى الخضوع لغسيل الكلى في طريق العودة من الكوكب الأحمر إذا لم يكونوا محميّين من الإشعاع. كما تناولت النتائج التغييرات التي قد تطرأ على الخلايا والحمض النووي أثناء الرحلات الفضائية القصيرة، وإن عادت المؤشرات الحيوية المتغيّرة أثناء المهمة إلى طبيعتها بعد انقضاء بضعة أشهر.

وليس قليل الدلالات، بحسب بيانات من المشاركين في مهمة “Inspiration4” من الذكور والإناث، أن نشاط الجينات المرتبط بالجهاز المناعي كان أكثر اضطراباً لدى الذكور. فقد استغرقت أجهزة مناعة هؤلاء وقتاً أطول لاستعادة وضعها الطبيعي بعد الهبوط أرضاً. ذكور أو إناث، لا فرق. لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى تقرير صادر في تشرين الأوّل/أكتوبر المنصرم عن الهيئة البحثية البريطانية المستقلة، “The Guy Foundation”، رجّح ازدياد حالات مثل الشيخوخة المتسارعة، وتطوُّر مقاومة الأنسولين، والسكّري المبكر، ومشاكل الإنجاب سوءاً كلما ابتعدنا عن الأرض.

وضع التقرير مجموعة علماء من تخصّصات تشمل الفيزياء وعِلم الأحياء الكمومي وأبحاث الفضاء. واستعرض مسألتين رئيستين: إزالة انخفاض الجاذبية أو انعدامها في المدار الأرضي المنخفض للتحفيز الذي يسمح للجسم بالحفاظ على صحة الخلايا وتوليد الطاقة؛ وتسبُّب مستويات الإشعاع المتزايدة في إتلاف الحمض النووي البشري وتقليل قدرته على إصلاح نفسه. أما المسألة الأكثر حساسية، وفق التقرير، فهي كيفية تعرُّض الخلايا لمزيد من الضغط خلف المدار الأرضي المنخفض حيث يؤدي الافتقار إلى المجال المغناطيسي والتغيّرات في طيف الضوء إلى تعطيل توازنها الداخلي.

الخلل في التوازن – وسببه التأثيرات على المستويات الخلوية ودون الخلوية للإشعاع المؤيّن، والحقول المغناطيسية المفرطة والمنخفضة، وحقول الجاذبية الصغرى، والإشعاع غير المؤيّن – قد يمسّ بعملية التمثيل الغذائي للخلايا البشرية والنباتية ويعطّل الإيقاعات اليومية والبكتيريا الحيوية في الأمعاء الداعمة للوظائف البيولوجية. وهي نتائج تتطابق مع تشخيصات سابقة أحدها لفرانسيس كوتشينوتا، أستاذ في قسم الفيزياء الصحية وعلوم التشخيص في جامعة “نيفادا”: يضرّ الإشعاع الفضائي بالحمض النووي بسبب تأيّن الأنسجة، ما يرفع منسوب الإجهاد التأكسدي. وقد ينتج عن ذلك طفرات جينية وتشوّهات كروموسومية وتغيير بيئة الأنسجة مثل اضطراب الجهاز المناعي والإشارات الكيميائية الحيوية الشاذة.

مروحة المخاطر واسعة وتعوزها حلول إذا ما أردنا السفر بعيداً. لكن ذلك لا ينفي أن ثمة جانباً إيجابياً يمكن البناء عليه فضائياً. لنأخذ، مثلاً، أحد المشاريع الهادفة لاستكشاف كيفية تعزيز الظروف الفضائية الفريدة لإنتاج الخلايا الجذعية (ذات القدرة التكاثرية المميّزة والدور الحاسم في عملية إصلاح الجسم). المشروع الأميركي عبارة عن تعاون بين مركز “Cedars-Sinai” الطبي، ومعهد “سميدت” للقلب، وشركة “أكسيوم سبايس” ومعهد “Bioserve Space Technologies”. أما النتائج التي نُشرت في مجلة “NPJ Microgravity” الشهر قبل الفائت، فتُمثّل، وفق الباحثين، خطوة مهمة نحو إظهار كيفية زراعة الخلايا الجذعية البشرية متعدّدة القدرات، ونقلها، ونموّها في مدار أرضي منخفض.

كان هدف التجارب التي أجريت على متن مهمة “أكسيوم 2” وشاركت فيها رائدة الفضاء السعودية ريانة برناوي، الاستفادة من الاختلافات التي يسبّبها انعدام الجاذبية لغرض إنتاج الخلايا الجذعية بما يستحيل على الكوكب الأزرق. وشملت إنجازات المشروع تحت تأثير الجاذبية الصغرى: أوّل نقل ناجح للخلايا الجذعية وخلايا الجلد باستخدام الحمض النووي؛ أوّل عرض لتكوين هياكل خلوية ثلاثية الأبعاد؛ وأوّل استخدام للأجهزة التجارية الجاهزة لزراعة الخلايا.

من ناحيتهم، اكتشف باحثون من مستشفى “Mayo Clinic”الأميركي  كيفية حصول الخلايا الجذعية على قوة دفع إضافية ملحوظة لدى زراعتها في الفضاء. ووجدوا أن بيئة انعدام الجاذبية تزيد من بعض القدرات التجديدية للخلايا تلك بشكل أكبر، استناداً إلى تجارب أُجريت في محطة الفضاء الدولية. ونظر الفريق، بحسب دراسة نُشرت في مجلة “NPJ Microgravity” أيضاً الصيف الماضي، في سلوك الخلايا الجذعية البالغة، الأكثر محدودية في كيفية انقسامها وتحوّلها مقارنة بالخلايا الجذعية الجنينية. وبينما غالباً ما يزرع العلماء الخلايا الجذعية البالغة خارج الجسم لدراسة الأمراض وعلاجها – في عملية معقّدة ومكلفة – أظهرت الخلايا الجذعية الوسيطة أداء أفضل في إدارة استجابات الجهاز المناعي وتقليل الالتهاب عند نموّها في كنف الجاذبية الصغرى.

الطب التجديدي على موعد مع تطويرات جمّة ستدور رحاها في الفضاء، إذاً. فالفريق يثق بقدرة الخلايا المزروعة هناك على المساعدة في علاج الحالات المرتبطة بالشيخوخة، بما فيها السكتات الدماغية والسرطان والأمراض العصبية التنكّسية مثل الخرف. لكن نذهب إلى الصين في الأثناء. هناك – اعتماداً على تقنيات الذكاء الاصطناعي – يهدف معهد “سانهانغ” لعلوم وتكنولوجيا الدماغ إلى فهم كيفية إعادة تشكيل وظيفة الدماغ المرتبطة بالحركة في الحيوانات العائمة في الجاذبية الصغرى، وتأثير البيئة القاسية تلك على المهارات المتعلقة بالعمل الجماعي، كالتعاطف والمعاملة بالمثل والإيثار.

انتقالاً من الحيوانات للبشر، يرى العلماء الصينيون في التعاطف مدماكاً للتعاون الاجتماعي والعمل الجماعي، وفي دراسة الأساس البيولوجي للسلوكيات التعاطفية في رحلات الفضاء ضرورة قصوى. ماذا يعني ذلك؟ قد ننجز استعداداتنا الجسدية لاستيطان الفضاء بأسرع ممّا نتوقّع. لا بل قد نتمكّن في مرحلة ليست ببعيدة من إعادة إنتاج بيئة الأرض، جزئياً أو كلّياً، ما بعد حدود غلافنا الجوي. لكن التحديات النفسية المرافقة لغزونا الفضاء ومدى قدرتنا على حشد أعلى مستوى من التعاطف (المفقود أرضياً) هناك، فحكاية أخرى. تحديات لا بدّ للسيّد ماسك – والمتشوّقين الآخرين لسبر أغوار الفضاء، أفراداً ومؤسسات – من التنبّه جيّداً وفوراً لها.

  1. https://www.frontiersin.org/news/2024/11/20/astronauts-slower-space-no-permanent-cognitive-decline
  2. https://www.nature.com/immersive/d42859-024-00009-8/index.html
  3. https://www.nature.com/articles/s41467-024-49212-1
  4. https://www.nature.com/articles/s41467-024-49211-2
  5. https://www.theguyfoundation.org/the-guy-foundation-space-health-report/
  6. https://www.nature.com/articles/s41526-024-00435-y
  7. https://www.nature.com/articles/s41526-024-00425-0
  8. https://www.nature.com/articles/d42473-024-00316-8

رابط النشرـhttps://arabsaustralia.com/?p=40166

ذات صلة

spot_img