spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 53

آخر المقالات

فؤاد شريدي ـ غزة ساحة الجهاد وعرين البطولة والإستشهاد

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم الكاتب فؤاد شريدي دم أطفال...

الدكتور طلال أبوغزاله يكتب في عالم اللامعقول

مجلة عرب أستراليا- الدكتور طلال أبوغزاله يكتب في عالم...

روني عبد النور ـ البشر “مبرمَجون” للإبداع: كسر رقابة واستمتاع!

مجلة عرب أسترالياـ بقلم روني عبد النور  قبل سنوات، عرّف...

هاني الترك OAMـ مكافحة معاداة السامية في المناهج التعليمية

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم هاني الترك OAM بعد الاجتماع...

روني عبد النور ـ “استثنائيّتنا” التطوّرية ومستقبلنا “الذكي” والغموض ثالثهما

spot_img

مجلة عرب أستراليا – بقلم الكاتب روني عبد النور

ماذا لو لم تكن البشرية استثنائية بل نتيجة تطوّرية طبيعية لكوكبنا – ولكواكب أخرى، ربما؟ هذا، على الأقل، ما يعتقده نموذج جديد لكيفية تطوّر الحياة الذكية على الأرض. النموذج ينقض نظرية “الخطوات الصعبة” التي صمدت لعقود ومحورها أن نشوء الحياة الذكية شكّل حدثاً غير محتمل تماماً. التفسير الجديد لأصل البشرية يرفع من احتمالات وجود حياة ذكية في أرجاء أخرى من الكون. لكن التطوّرات “الذكية” الجمة التي تعصف بنا تضعنا – هنا والآن – بإزاء صراع وجود من نوع آخر.

يزعم نموذج “الخطوات الصعبة”، الذي طوره الفيزيائي النظري الأسترالي براندون كارتر عام 1983، أن أصلنا التطوّري لم يكن مرجحاً البتة بسبب الوقت الذي استغرقه البشر للتطوّر على الأرض (وعمرها نحو 5 مليارات سنة) نسبة لإجمالي عمر الشمس الذي يبلغ الضعف. أما احتمال وجود كائنات خارجية شبيهة بنا، فمنخفض بالتالي هو الآخر. وهذا ما عزّز رفْض بعض أعظم علماء الأحياء التطوّريين في القرن العشرين لاحتمال وجود ذكاء يحاكي البشر بعيداً من هنا.

في معرض الورقة البحثية، التي نُشرت منتصف الشهر الماضي في مجلة Science Advances، يضيء فريق من علماء الفيزياء الفلكية وعلماء الأحياء الجيولوجية في جامعة “بين ستايت” على تحوّل كبير في كيفية تفكيرنا بتاريخ الحياة. فتطوّر الحياة المعقدة قد لا يكون مرتبطاً بالحظ بل بتفاعل الحياة وبيئتها. وهذا إنما يفتح آفاقاً واسعة للتعمق في فهمنا لأصولنا ومكاننا في الكون. والحال أن الباحثين زعموا أن بيئة الأرض كانت بداية غير مضيافة للعديد من أشكال الحياة. أما الخطوات التطوّرية الرئيسة، فباتت ممكنة في “الوقت المناسب” فقط لدى بلوغ البيئة العالمية حالة “متسامحة” معيّنة.

بالعودة إلى نظرية “الخطوات الصعبة”، تخيّل كارتر احتمالات ثلاثة. في الأول، نشأة الحياة الذكية بسرعة كبيرة على الكواكب من الناحية الجيولوجية (خلال بضعة ملايين من السنين). وفي الثاني، انبثاق الحياة في نفس الوقت تقريباً الذي استدعته على الأرض. وفي الأخير، ذهب إلى أن الأرض محظوظة كون تكوين حياة مشابهة يستغرق عادةً تريليونات السنوات.

رفض كارتر الاحتمال الأول لانتفاء عامل السرعة. كما دحض الاحتمال الثاني باعتباره مصادفة غير محتملة. فليس ثمة سبب يمنح العمليات التي تحكم عمر الشمس – أي الاندماج النووي – نفس الإطار الزمني للتطوّر البيولوجي. وهكذا، استقر كارتر على التفسير الثالث: استغراق نشوء الحياة الشبيهة بالبشر عموماً وقتاً أطول بكثير نسبة لدورة حياة النجم المرافق.

لكن الدراسة الجديدة اقترحت أن توقيت أصول البشر يمكن تفسيره من خلال الفتح المتسلسل لـ “نوافذ قابلية السكن” على مدار تاريخ الأرض. وذلك جاء مدفوعاً بتغيّرات على صعيد توافر المغذيات، ودرجة حرارة سطح البحر، ومستويات ملوحة المحيطات، وكمية الأكسجين والأكسدة في الغلاف الجوي. وهكذا، إذا صحّ النموذج المقترح، ولم يكن تطوّر الحياة مجرّد صدفة، سيمسي الباحثون أكثر ميلاً للعثور على أدلة على وجود ذكاء خارج الأرض في المستقبل. لكن هذا بذاته لا يحث على الطمأنينة لأن أسئلتنا الداهمة أرضية أكثر منها كونية. فبحسب ورقة بحثية ظهرت أواخر العام الماضي لعالِم النظم البريطاني نافذ أحمد، ربما تقترب الحضارة الإنسانية من لحظة تحوّلية، أو ما يسميه الباحثون “تحوّل الطور الكوكبي”.

قدّم أحمد أدلة في مجلة Foresight على أننا نعيش فترة غير مسبوقة من التغيير. فالأزمات العالمية المتعددة – من تغيّر المناخ إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والاضطراب التكنولوجي – ليست مجرّد مشاكل منفصلة، ​​بل هي أعراض حضارة بأكملها تمرّ بمخاض تحوّلي. وتحدّثت الدراسة عن مفهوم “الدورات التكيفية” – وهو نمط شائع، من النظم البيئية للغابات إلى الحضارات القديمة – بمراحلها الأربع: النمو السريع، والحفظ (الاستقرار)، والإطلاق (التدمير الإبداعي)، وإعادة التنظيم.

برأي أحمد، تدخل الحضارة الصناعية الآن مرحلة “الإطلاق”، حيث شرعت الهياكل القديمة بالانهيار. وهذا يفسر سبب نشوء أزمات متزامنة عبر أنظمة متعددة. لكن هذه الأعطاب تخلق، توازياً، مساحة لإمكانيات جديدة جذرية. إذ تشير الدراسة إلى ابتكارات تكنولوجية كبرى – تولّد ما يسميه الباحث “الوفرة الشبكية” – متوقعة بين ثلاثينيات وستينيات القرن الحادي والعشرين. ونذكر هنا الطاقة النظيفة، والزراعة الخلوية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والذكاء الاصطناعي.

ومع ذلك، يؤكد أحمد أن التحدي الرئيس يتجلى بإمكانية تطويرنا “نظام التشغيل” الخاص بنا – أي، هياكلنا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية – لتسخير هذه القدرات إيجابياً. وكما خلصت الورقة، فقد يكون المسار التحوّلي فوضوياً، لكنه قد يؤدي إلى نتائج مذهلة إذا ما أحسنّا فهم لبّ التحوّل الجاري. إذ إن تعزيز الوعي الجماعي ذات الصلة يشكل ضرورة حاسمة لو نجحت الإنسانية بالتعالي فوق الفوضى المرتقبة.

وهي “قد” فضفاضة للغاية. فالذكاء الاصطناعي تحديداً لا ينفك يطلق أسئلة بغير اتجاه، ليس أقلّها إعادة تعريف معنى أن يكون المرء إنساناً. ووفقاً لدراسة لجامعة “نيو ساوث ويلز” نُشرت في مجلة The Quarterly Review of Biology قبل أشهر، قد ينتج ذلك عاملاً تبادلياً، مخفّفاً من حدة ذاكرتنا ومتيحاً لنا التركيز على مهام أكثر تعقيداً.

كيف؟ قد تؤدي الاستعانة بمصادر خارجية للوظائف المعرفية إلى تطوّرنا باتجاه أدمغة أصغر حجماً لكن أكثر تخصّصاً لتأدية المهارات الاجتماعية والإبداعية. مثلاً، من شأن كفاءة الطاقة الأفضل للدماغ أن تسمح للكائن الحيّ بتخصيص المزيد من الموارد لوظائف حيوية أخرى، مثل الجهاز المناعي أو التكاثر. لكن، وهذا الأهم، يمكن أن يستحيل الذكاء الاصطناعي أيضاً طفيلياً. فمن شأنه، عبر علاقته الافتراضية بنا، أن يمتص انتباهنا محجّماً تفاعلاتنا الاجتماعية الحقيقية ومبدّلاً الأساليب التي نشكّل من خلالها الروابط تلك.

لا بل قد ينتهي الأمر باعتمادنا المتزايد على التكنولوجيا بفقداننا خاصية الاستقلال المعرفي. فمن خلال تفويض المهام الأساسية للذكاء الاصطناعي، إنما نخاطر بتعريض بعض قدراتنا العقلية للضمور، في حين نصبح أكثر عرضة للتلاعب الخوارزمي. وإن سادت هذه التفاعلات، فقد تقلل من حاجتنا إلى الرفقة البشرية، ما قد يحوّل مجتمعنا – ببُعديه البيولوجي والاجتماعي – بشكل عميق.

وهذا ليس عرضياً أو بلا دلالات. ففي حديث مؤخراً لمجلة Finance & Development Magazine، الصادرة عن صندوق النقد الدولي، عرّف المؤرخ يوفال نوح هراري الذكاء الاصطناعي كذكاء “فضائي” أكثر منه “اصطناعياً”. والمقصود قدرته – كمخلوق فضائي – على اتخاذ القرارات وابتكار الأفكار بطريقة مغايرة تماماً عنا. هنا بالتحديد، لا يعود السؤال المركزي مرتبطاً بنشأتنا واحتمالات وجود أثر تطوّري مشابه لنا في الكون الفسيح – على أهمية الافتراضين. إنه مستقبلنا كجنس ما يجب أن يحتل الحيّز الأكبر من أسئلتنا لئلا يغرق مسارنا التطوّري برمّته في نفق غامض – استثنائيين أكنّا أم لم نكن.

رابط النشر- https://arabsaustralia.com/?p=41044

المراجع:

https://www.science.org/doi/10.1126/sciadv.ads5698

https://www.emerald.com/insight/content/doi/10.1108/fs-02-2024-0025/full/html?skipTracking=true

https://www.journals.uchicago.edu/doi/10.1086/733290

https://www.imf.org/en/Publications/fandd/issues/2024/12/cafe-economics-humankinds-comparative-advantage-yuval-noah-harari

 

ذات صلة

spot_img