spot_imgspot_img

إصدارات المجلة

العدد 54

آخر المقالات

هيفاء العرب ـ مواكب الجمال…

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم المهندسة هيفاء العرب ـ...

عباس مراد ـ “لحظةً سوداء في تاريخ أستراليا”

مجلة عرب أستراليا ـ بقلم الكاتب عباس علي مراد هاجم...

الدكتور طلال أبوغزاله ـ غزة تواجه المجاعة والخذلان

مجلة عرب أسترالياـ  بقلم الدكتور طلال أبوغزاله الخطاب الغربي...

غدير بنت سلمان ـ صرخة الجائع… وأفول الإنسانية في زمن “النظام”

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتبة غدير بنت سلمان  منذ...

هاني الترك OAMـ فرقة الأنغام العربية الساحرة

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب هاني الترك OAM حضرت الأسبوع...

روني عبد النورـ أعمارنا وما يتحكّم بها

spot_img

مجلة عرب أسترالياـ بقلم الكاتب روني عبد النور

يقول الطبيب النفساني البريطاني، نيل بورتون: “ثمة أشياء كثيرة قد تطيل أعمارنا، لكن الحكمة فقط هي التي يمكن أن تنقذها”. وهذا على الأغلب يصحّ في غير زمان ومكان. نعود للشقّ المتعلّق بـ”الحكمة” المنقِذة في السياق. لكن نغوص في بعض “الأشياء الكثيرة” تلك أولاً.

أعمار الثدييات، ونحن من ضمنها، مرتبطة بحجم أدمغتها وتعقيدات أجهزتها المناعية. هذا ما يعتقده لفيف من العلماء. فقد درس فريق دولي في بحث لجامعة “باث” البريطانية الاختلافات التطورية بين أنواع الثدييات، ليجدوا أن تلك التي تتمتع بأدمغة أكبر حجماً وأعمار أطول تميل للاستثمار بشكل أوسع في الجينات المرتبطة بالمناعة. لا بل أظهرت النتائج كيف أن التغيّرات الجينومية الشاملة – وليس فقط الطفرات الجينية الصغيرة – تُشكّل معالم طول العمر.

درس الباحثون أقصى عمر مُمكن لـ46 نوعاً من الثدييات، ورسموا خرائط للجينات المشتركة بين هذه الأنواع. والحال أن أقصى عمر مُمكن يُمثّل أطول عمر مُسجّل على الإطلاق لنوع ما – بعكس متوسط ​​العمر الذي يتأثر بعوامل كالافتراس وتوافُر الغذاء. فاستنتجوا، في الدراسة المنشورة في مجلة “Scientific Reports” الشهر الماضي، أن لدى الأنواع الأطول عمراً عدداً أكبر من الجينات التي تنتمي إلى عائلات الجينات المرتبطة بالجهاز المناعي (ونذكر هنا القدرة على إزالة الخلايا القديمة والتالفة، والسيطرة على العدوى، ومنع تكوُّن الأورام).

يُشير البحث إلى آلية رئيسة كامنة خلف تطوّر طول أعمار الثدييات. فهل يفتح باباً أمام دراسة الجينات المرتبطة بأمراض كالسرطان لتحليل علاقتها بطول العمر بشكل أعمق؟ هذا ما يأمله العلماء. لكن فلنعُد بالزمن على متن رحلة إلى العصر الجوراسي في الأثناء. إذ تمكّن علماء الحفريات من جامعة “كوين ماري” البريطانية وجامعة “بون” الألمانية من قياس متوسط ​​عمر ومعدلات نموّ حيوانات عاشت قبل ما بين 150 و200 مليون سنة خلت. ذلك وصولاً إلى بلوغها مرحلة النضج الجنسي ومن خلال دراسة حلقات النموّ في جذور أسنانها المتحجرة.

في الدراسة الواردة العام الماضي في مجلة “”Science Advances، حلّل الفريق جذور أسنان متحجرة لأنواع من الثدييات المذكورة من ثلاثة مواقع منفصلة (إثنان في بريطانيا وثالث في البرتغال). ودقّق الفريق في الحفريات تلك باستخدام تقنية التصوير المقطعي بالأشعة السينية السنكروترونية (ذات الجودة الأعلى من التصوير بالأشعة السينية العادية)، حيث يتم تسريع حركة الإلكترونات إلى ما يقارب سرعة الضوء.

تمكّن الباحثون من تصوير حلقات نموّ صغيرة في النسيج العظمي الذي يربط الأسنان بالفكّ. وقد مكّن عدّ الحلقات وتحليل سُمكها وملمسها من إعادة بناء أنماط نموّ الحيوانات المنقرضة وأعمارها. والنتيجة: في حين نمت الثدييات المبكرة ببطء شديد، إلا أنها عاشت لفترات أطول بكثير من نظيراتها الأصغر حالياً. لكن مع ذلك، استغرقت الأولى سنوات للوصول إلى مرحلة النضج الجنسي، على عكس ذريتها الحديثة التي تبلغ المرحلة تلك في غضون بضعة أشهر فقط.

وهذا أحد تفسيرات العلاقة بين سرعة نموّ الحيوانات من مختلف الأنواع والأحجام وقصر عمرها: فنظراً لمحدودية الطاقة المتاحة للحيوانات، من شأن استثمار المزيد منها (في معرض النموّ) الحدّ من المتبقي من الطاقة للحفاظ على صحتها، ما يؤدي بالتالي إلى شيخوخة أسرع. لكن تفسيراً آخر يستند إلى ملاحظة ارتباط النموّ السريع، بحسب بعض العلماء، بارتفاع معدّل عملية الأيض، ما يُسبّب بدوره إجهاداً مسرّعاً للشيخوخة.

لكن ثمة المزيد بما خصّ رقصة التوازن تلك. فبعض الأنواع تُخصّص جزءاً أكبر من طاقتها لدواعي “الصيانة”، لكنها لا تتمتع بمقاومة أفضل للإجهاد من تلك التي تُخصّص طاقة أقل ذات صلة – أي أن كمية الطاقة تلك قد لا تكون العامل الوحيد المحدّد لجودتها. وكما يقول تشين هو، الأستاذ المشارك في عِلم الأحياء بجامعة ميسوري للعلوم والتكنولوجيا، يبقى هذا الارتباط السلبي قائماً بقوّة حتى بعد احتساب معدّل الأيض – ما يعني أن ارتفاعه المرتبط بنموّ أسرع لا يُمكن أن يُفسّر تماماً تسارُع الشيخوخة وحده.

يُشير بحث هو، المنشور مؤخراً في مجلة “PNAS”، إلى أن تكلفة الطاقة اللازمة لإنتاج المواد البيولوجية – أو تكلفة التخليق الحيوي – تؤثر أيضاً على عمر الإنسان. إذ يتطلّب إنتاج الكتلة الحيوية، كتجميع الأحماض الأمينية الفردية في بروتينات كاملة، طاقة هو الآخر. ووقع هو على علاقة رياضية بين تكلفة التخليق الحيوي ومعدّلات النموّ والتمثيل الغذائي، مستنداً إلى مبدأ حفظ الطاقة وبيانات معدّلات النموّ والتمثيل الغذائي لمختلف الثدييات.

بحسب النتائج، تستهلك بعض الأنواع طاقة أعلى من سواها لإنتاج وحدة كاملة من الكتلة الحيوية. وقد يكون التواجد في بيئة أكثر خطورة أحد المسببات. وعلى المستوى الخلوي، تُحدَّد تكلفة التخليق الحيوي جزئياً بمدى تحمُّل الخلية للأخطاء في تصنيع الكتلة. مثلاً، يقدّر الباحثون أن 20 إلى 30% من البروتينات الجديدة تتحلل بسرعة بعد تصنيعها بسبب الأخطاء. إلّا أن قدرة الحيوان على الحفاظ على التوازن الداخلي لا تعتمد فقط على كمية طاقة الصيانة. إذ إن جودة الأنسجة المنتَجة مهمة بدورها. وفي ذلك كله، برأي هو، ما يشرّع آفاق البحث في إمكانية التلاعب بالآليات المحدّدة للتكلفة الطاقية للتخليق الحيوي وإبطاء الشيخوخة.

وللعوامل ما فوق الجينية أثرها أيضاً. إذ وجد علماء وراثة من جامعة كاليفورنيا مؤشرات عنها متّصلة بعمر الأنواع وسمات أخرى لدى الثدييات. وفي بحثهم المنشور في مجلة “”Science Advances أيضاً العام الماضي، ركّز الفريق على عِلم الوراثة فوق الجينية – أي دراسة التغيّرات في الكائنات الحية التي تنتقل عبر الأجيال بسبب تعديل التعبير الجيني. ونظروا في قدرة الساعات فوق الجينية على التنبؤ بثلاث سمات مُغيّرة للحياة: وقت الحمل؛ ومدة البلوغ؛ والحد الأقصى لعمر الإنسان.

جرى التدقيق تحديداً في التعديلات فوق الجينية في 15000 عيّنة نسيجية جُمعت من 348 نوعاً من الثدييات. ثم طوّر الباحثون عدة خوارزميات لُقّنت البيانات المجمّعة للوصول إلى تلك المؤشرات. وفي حين لم يجدوا عوامل بيئية تؤثر على عمر الثدييات، كان الجنس هو العامل الوحيد الذي أحدث فرقاً؛ فقد ظهر ميل لدى الإناث في جميع أنواع الثدييات للعيش لفترة أطول من الذكور.

هنا – وربما هذا الأهم – ننتقل لدراسة، نُشرت في مجلة “Nature Communications” العام 2023، قارنت 974 نوعاً من الثدييات، محلّلة طول عمرها وكيفية تنظيمها اجتماعياً. وقد صنّف العلماء الصينيون والأستراليون الذين أجروها الأنواع ضمن فئات ثلاث: انفرادية، وأزواج، وجماعية. فوجدوا أن تلك التي تعيش في مجموعات تميل للعيش لفترة أطول في المتوسط ​​من نظيراتها الانفرادية.

كما أجرى الباحثون تحليلاً وراثياً لـ94 نوعاً، وحددوا 31 جيناً (على صلة بشكل أساسي بالمناعة والهرمونات) مرتبطاً بالتنظيم الاجتماعي وطول العمر. فافترضوا أن “العيش في مجموعات يقلّل من الوفيات الخارجية من خلال الحدّ من مخاطر الافتراس والجوع، وأن الروابط الاجتماعية القوية والمستقرة التي تتشكل بين أفراد المجموعة لها القدرة على تعزيز طول العمر”. وذلك إنما يتجاوز بفوائده التكاليف الكامنة في العيش في مجموعات، كالتنافس على شركاء التزاوج، وتأمين الغذاء، وانتشار الأمراض المعدية.

لا يمكن، بالطبع، التقليل من شأن عوامل مثل البيئة، وبيولوجيّة الكائن الإنجابية، ونظام تزاوجه، في هذا السياق. لكن ثمة شبه إجماع علمي حول ضرورة أن نتعلم، في المقام الأول، العيش مع الآخرين. وهذا العيش الجماعي، ربما، هو أحد علامات “الحكمة” المنقِذة للأعمار التي ألمح إليها طبيبنا البريطاني، بورتون.

رابط النشر- https://arabsaustralia.com/?p=42585

المراجع:

https://www.nature.com/articles/s41598-025-98786-3

https://www.science.org/doi/10.1126/sciadv.ado4555 https://www.pnas.org/doi/10.1073/pnas.2315921121

https://www.science.org/doi/10.1126/sciadv.adm7273

https://www.nature.com/articles/s41467-023-35869-7

ذات صلة

spot_img