مجلة عرب أستراليا – سيدني – من الواضح جدا بان انهاء الملف السوري بات يطبخ على نار هادئة وخاصة بعد اقرار قانون قيصر الذي بات يحدد شكل التعامل مع نظام الاسد ومتقبل حياته السياسية .
فالملف السوري بات يشكل عبء فعلي على الدول التي ترتبط عضويا وماديا وجبهويا بالنظام السوري وخاصة روسيا التي وقعت في فك الكماشة بسبب هذا الملف، فروسيا باتت ملزمة بتنفيذ الشق الثاني من اتفاقها مع الولايات المتحدة بإنهاء سلطة النظام واخراج المليشيات المذهبية والعصابات التي تشكل ازمة لأي عملية سياسية قادمة نتيجة سيطرتها على مرافئ هامة من حياة الدولة السورية .
بالطبع الموقف الروسي لا يحسد عليه في سورية لآنه وقع بين فك كمشة النصر العسكري وسندان الفشل السياسي واخراجها من هذا الملف لعدم القدرة في تنفيذ بنود الاتفاق مع الولايات المتحدة .
لا شك بان روسيا لروسيا لزمت الملف الروسي بمراقبة اسرائيلية التي تحافظ على امنها تخوفا من فتح جبهة في الجنوب السوري تتولى المليشيات بالتغلغل فيها ،لذلك تقوم اسرائيل بتنفيذ عملية عسكرية في الجنوب السوري خاصة وسورية عامة ، فهي لا تستطيع اخراج المليشيات وابعادهم عن حدوها بحسب الاتفاق الذي ينص على عدم تواجد هذه المليشيات الايرانية على بعد 80 كيلو خط نار.
فهي تقوم بقصف القواعد العسكرية الايرانية على مراء الروس لكي تشير علنا الى الروس والاخرين بان الاتفاق لم يتم تنفيذه وهذه المواقع تم ضربها لأنها ايرانية ، وايضا تعمل اسرائيل جاهدة على تدمير القوة الصاروخية الايرانية لدى المليشيات والحرس الثوري كي لا تعطي نافذة امل لإيران بان تركز قوتها الصاروخية وتصبح امر واقع يتم التعامل معها لاحقا على كونها ثابتة.
من هنا نرى الاستباحة الصهيونية اليومية للأجواء السورية على عيون الروس الذين يسيطرون على الاجواء عسكريا بواسطة الصواريخ اس 400 ، وهذا يعطي تصور بان العدو استطاع اختراق الجبهة العسكرية الورية بطريقة واضحة اضافة الى حصوله على شيفرة الاهداف من القوات الروسية .
وربما اكتشاف الانفاق بتاريخ 13 تموز و البالغ عددها 28 والتي تم بناءها في مناطق مختلفة من القلمون وصولا الى القنيطرة وتم قصفها البارحة بواسطة الطائرات يؤكد حجم الاختراق ومدى الاعتداء على السيادة السورية بظل سكوت النظام وايران وروسيا على هذه الهجمات .
نعم بات روسيا تعاني من هذه الفوضى في سوريا والتي باتت مجبرة على تصفيتها والتخلص منها سريعا قبل فوات الاوان، ووفقا لذلك نرى اشتداد الصراع مع الفرقة الرابعة التابعة لماهر الاسد شقيق الرئيس الذي يتبع مباشرة للحرس الثوري الايراني مما سبب بصدام مباشر مع الفيلق الخامس الذي تتولى روسيا قيادته فهذه المواجهات الاخيرة ادت الى تصفية العديد من الضباط الكبار من الفرقة الرابعة، فعملية التصفية باتت واضحة في مكان واحد .
لم يعد بامكان روسيا اقناع الجميع بانها تخوض ربا ضروسا ضد الارهاب والعدف الاساسي امامها الانتصار العسكري ، فسيطرت المليشيات بات عائقا واضحا امام بسط سيطرة روسيا على الاراضي السورية ، فالفرقة الرابعة تسيطر على اغلب المناطق والمنافذ السورية وتفرض ضرائب مالية على الناس مما سبب ضجر شعبي واضح حيث باتت الشكاوي ترتفع لروسيا وتحديدا الى سفيرها الذي بات يتولى الاشراف على الملف السوري كونه الممثل الرسمي للرئيس بوتين .
اضافة الى ممارسة المليشيات وحزب الله والحرس الثوري في درعا والجنوب والسويداء وتعامل الفرقة الرابعة مع الناس وعدم الالتزام بشروط المصالحة التي رعتها روسيا مع السكان وقد شهدنا مظاهرات السويداء التي كانت ترفض الوجود الايراني والمليشياوي ولم تكن تغيب عنها اصابع روسية .
مع كل الازمات التي تعصف بوجود روسيا في سوريا واعطائها اشارات بانها تتخلى ع النظام والتي كانت واضحة من خلال المقالات التي نشرت في وسائل الاعلام الروسية والمقربة من الكرملين ، لكن لا تزال روسيا تتريت وتحاول انتزاع اعتراف امريكي كامل بالسيناريو الروسي المقترح والذي يحاول توظيف عدم مسائل لمصلحة الروس في سورية دون تقديم اي مقابل .
ونحن شهدنا كيف تم رفع الفيتو خلال الاسبوع الماضي مرتين من قبل المندوب الروسي والصين وتعطيل مشروع قرار لمجلس الامن يقتضي بفتح ممرات انسانية لمساعدة السكان من قبل الامم المتحدة في سورية حيث تصر روسيا بان يكون معبر واحد يمر عن طريق النظام لكي يبقى متحكم بمرور المساعدات من نحية واجبار الهيئات الدولية التواصل مع النظام لا عطائه شرعية واضحة بظل تطبيق قانون قيصر .
بالرغم من الاصرار الروسي والتعنت لا عطاء نوع من الشرعية للنظام لكنها لم تفلح بأقناع المجتمعين وتمرير مشروعها بطريقة طبيعية كونها مسألة انسانية .
لكن من جهة اخرى تبقى روسيا واقفة مكتوفة اليد ازاء الضربات الكثيفة التي تتعرض لها سورية بما فيها من مليشيات وجيوش ايرانية وسورية والتي كانت اخرها بتاريخ 13 توز ضد مخازن صواريخ لحزب الله في القلمون والزبداني .
لكن المشكلة تكمن في ان روسيا لم تستطيع توظيف انتصاراتها العسكرية في سوريا واستعراضاتها الحربية لأسلحتها التي اعلنت روسيا بلسان وير دفاعها ورئيسها بانها قامت بتجربة اكثر من 300 نوع من السلاح الروسي المتطور كساحة تجارب ميدانية .
فالروس كانوا يسعون لان يوظفوا الانتصار العسكري في انتصار سياسي يمكن من خلال نقطتين الاول تتعلق بالملف السوري والقاضي بالسيطرة على الدولة والاطباق عليها وفرض امر واقع على المنطقة من خلال انتاج دستور خاص بسورية يناسب الاحتلال الروسي وانتاج نظام في سوريا يناسب الوجود الروسي .
والامر الثاني الخروج للمنطقة العربية بالمنتصر والذي كان يتوقع بان العرب بانتظاره وسوف يتم تعبئة الفراغ الامريكي الذي كانت روسيا ترى بانها بات متروكا ويشكل لها نقطة للانقضاض على المنطقة ، لكن فشلها فسوري وعدم السماح بوجودها في ليبيا وعدم استطاعتها باختراق الجدار المصري بات روسيا في وضع ضعيف جدا امام اي تسوية في المنطقة .
فالحصار الامريكي المطبق على المنطق وضع روسيا في سوريا في عين العاصفة من جديد لنحية الالتزام بتطبيق قانون قيصر المفروض على النظام السوري واعوانه والالتزام به ، فهذا القانون حدد لروسيا خارطة تحرك لا تستطيع الخروج منها او الالتفاف عليها وبالتالي وضعها في فك الكماشة التي بات مطلوب من روسيا تلبية شروط امريكا لجهة اخراج الايراني وميليشياته من الاراضي السورية تحت السيف الاسرائيلي .
لكن الاصعب من كل ذلك بان روسيا خسرت فرصة تاريخية كانت تعول عليها بسبب العقوبات المفروضة على سورية، وهي اعادة الاعمار لكن روسيا كانت تحاول فرض قاعدة الاعمار اولا وثم الدخول في حل سياسي عكس الغرب وامريكا الذين طرحوا معادلة العملية الانتقالية السياسية وبعدها الاعمار.
روسيا كانت تحاول من معادلة الاعمار فرض النظام وتعويمه وبالتالي الاستواذ على حصة كبيرة من حصص الاعمار التي قدرتها الامم المتحدة ب 400 مليار دولار كانت روسيا تحالم بتشغيل شركاتها وحل مشكلة الحصار الاقتصادي المفروضة عليها منذ عام 2009 والتي توسع عام 2014 عند احتلالها لجزيرة القرم وضمها بقوة السلاح .
تعويم النظام وايران واشراكهما بعملية الاعمار التي يجب تغطيتها امريكا واوروبا ودول الخليج حيث يصبح الاعمار عملية امر واقع يجب التعامل معها كونها امرا واقعيا في نظام الاسد .
لكن قانون قيصر ضرب هذه المعادلة مما اثار حافظة روسيا واستراتيجيتها التي اتبعتها من خلال المؤتمرات واللقاءات والمعادلات والتسويات والاتفاقات خارج الامم المتحدة ، من هنا بات القانون موجه مباشرة ضد روسيا لإجبارها على تنفيذ الاتفاق الروسي الامريكي الذي تم في العام 2015 ولم تلتزم روسيا بتنفيذه.
لكن القانون اجبار روسيا على تغير استراتيجيتها لناحية النظام الذي تؤكد كل المصادر بانها تخلت عنه ولكنها لا تزال تعرضه للبيع لمن يؤمن مصالحها اما الوجود الايراني والمليشياوي هي ورقة قوية تحاول موسكو عدم تسليمها كاملة للأمريكان وتحاول استغلالها لاحقا في ورقة ضغط ضد واشنطن .
لان موسكو تريد اجبار واشنطن الذهاب بعيدا في تسليم هذه الورقة بأخذ مقابلها ، فالمقابل هو طلب الجلوس والتفاوض على العديد من الملفات التي تريد فتحها موسكو والتفاوض عليها موسكو مع واشنطن لكن عاصمة القرار ترى بان لا تفاوض مع صقور الكرملين ولا على اي ملف سوف على الملف السوري فقط.
ويبقى السؤال الاساسي كيفية تعامل العام سام مع القيصر الاحمر بالملف السوري وقانون قيصر وتطبيقاته القادمة فالأيام القادمة سوف تقرر كيف سيكون التعامل الامريكي مع هذا الملف الذي يضع روسيا في فك الفشل لجهة تطبيق قانون قيصر او التمرد عليه لجهة حماية النظام وايران مما يدفعنا لاحقا الوقوف امام الملفات الكثيرة التي تحاط حول عنق روسيا .
رابط مختصر…https://arabsaustralia.com/?p=9849
الدكتورخالد ممدوح العزي .
صحافي وكاتب لبناني.
مختص بالشؤون الروسية والدول الاوروبية