مجلة عرب أستراليا سيدني- الإعلامُ الحُر وصناعة الهويّة الإنسانية
بقلم د. علي موسى الموسوي
يملكُ الإعلام وذخيرتهِ “الميدياويّة” سلطة التحكم بأزرّار الوعيّ الجمعي وتوجيه أزمات الرأي العام وإدارتها بإحكام ومنهجية خصوصاً في المجتمعات الشرقية التي يتشكل فيها الوعيّ إثر تراكم الصور المؤثرة لأن وسائل الإعلام مصدراً مهمّاً من مصادر التوعية والفكر المجتمعي، وهي أيضاً نواة عمليّة تكوين الرأي الجماهيري إلى جانب بناء ثقافة المسؤولية الاجتماعية باعتبارها الركيزة التي يُبنى بداخلها الإنسان ليكون نافعاً ومهما في بناء ذاته وعائلته وبلده وقادراً على تأسيس منظومته الفوقيّة، وبلا شك هنا يأتيّ دور الوسيلة الإعلامية وقدرتها على تحقيق التوازن والتماسك الاجتماعي المطلوب ما بين صناعة الفرد وقدرته على إدارة الحياة ولا يتم ذلك إلاّ عبر تحديد محميّة إعلامية حيادية تعمل على دعمه بآليات الشرح المنطقيّ والتفسير والتعليق على الأفكار والأحداث والمعلومات ومن ثم تدعيم معايير الضبط الاجتماعيّ والثوابت الرصينة سواء كانت سلوكية أو أخلاقية وعقائدية وغيرها، وكذلك التأكيد على التمسك بالقيّم السليمة وكشف جميع الأساليب الخارجة عن المنظومة القيمية الصحيحة لأن هنالك فجوة بين الأخلاقيات العامة في المجتمع والسلوك الخاص لبعض الأفراد، هذه الفجوة التي يواجهها الكثيرين أو الفارق التطبيقيّ بين ما نؤمن به وما نفعله في الواقع وهي بمثابةِ انحرافات فكرية وأخلاقية شكلها الإعلام المُضاد ولا يمكن التسامح معها ويجب على الإعلام الهادف والحقيقي أن يوضح مخاطر وازدواجية هذا السلوك ويحاربه من خلال تدعيم قواعد القيم الأصيلة والمعايير المُنضبطة، خصوصاً بعد الثورة الاتصالاتية والمعلوماتية الهائلة داخل مواقع التواصل الاجتماعيّ التي يفترض أنها جاءت مُعبرة عن ميول الثقافات العالمية سيمّا الفرعية منها حيث يتمثل الانتشار التواصليّ والتوجيه المُتلفز إمّا بتقديم التنوعات الثقافية المفيدة والنافعة للفرد بكونه إنسانا أو من خلال التعبئة الحماسية و دورها في المساهمة بالحملات الاجتماعية والإرشادية والتوجيهية خاصة في الأزمات السياسية والاقتصادية وحتى الحروب..
ومن الحقائق الثابتة أنّ وسائل الإعلام لا يقتصر تأثيرها في تصحيح حماية المسارات المجتمعية وإنما تؤثّر تأثيراً مباشراً في ذاكرة الأفراد، بل إنّها تؤثّر في مجرى تطوّر البشر وتدرج طموحاتهِ في سلم الحياة لأن هناك علاقة سببية بين التعرّض لوسائل الإعلام والسلوك البشري المتطور، ويختلف بلا شك تأثير وتوظيف وسائل الإعلام بحسب نوعية وظائفها وطريقة إستخدامها والظروف الإجتماعية والثقافية المُحيطة بالفضاء الحرّ، وكذلك قدرة الأفراد أنفسهم على تقبل اختلافاتهم وتأثيراتها لأنّ آثار وسائل الإعلام ليست دائماً تسير بالاتجاه الموحد لثقافات الشعوب وإنما قد تكون ضارّة وقد تكون قصيرة الأمد أو طويلة الأمد، ظاهرة أو مستترة، قوية أو ضعيفة، نفسية أو إجتماعية أو سياسية أو إقتصادية، وقد تكون سلبية أو إيجابية، لكن ما يهم في كل ذلك هو هل نجحت الوسيلة الإعلامية في تربية ذات الإنسان وتوحيد هويتهِ الإنسانية وتنمية وعيه الإيجابي، وإعداده للحياة كفردٍ ناجح ومؤثر في محيطه.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=22442