مجلة عرب أستراليا سيدني- متحف الحياة البحرية والبرّية قرب مغارة جعيتا: من فم قرش… إلى روائع نادرة تحت الأرض!
تقرير: د. عبدا لله ذبيان– فاطمة فتوني
اعتلِ مركباً فينيقياً برأس حصان وذيل سمكة على وقع خرير المياه المتدفقة من كل الجهات، وأدخل المكان بأمان ولو من فم قرش ….! تحفّ بك صدفتان ضخمتان حيث تلفي نفسك في عالم آخر على عمق 14 متراً تحت الأرض!
إنه متحف الحياة البحرية والبرية في وادي مغارة جعيتا بمنطقة ذوق مصبح، منشأة سياحية – علمية بيئية ترفل بجمالياتها في ذلك الوادي السياحي بامتياز، فالقادم إلى المغارة يلفته فوراً مشهد المتحف البديع من بعيد، حيث يُستهل بسفينة فينيقية ضخمة تمخر بمجاذيفها “عباب” ماء متدفق من جميع الجهات!
متحف في عيادة طبيب اسنان!
قصة هذا المتحف- الحلم تعود إلى عقودٍ خلت، عندما كان الدكتور جمال يونس يدرس طب الأسنان في رومانيا حيث مارس التخدير والتحنيط وبرع فيهما.
وبدافع محبته لعالم البحار مذ كرج يافعاً بقدميه على رمال شاطىء مدينته الساحلية صور في جنوب لبنان، حنّط يونس الأسماك والحيوانات البحرية بشكل متقن، وعرضها في عيادته الخاصة! فأمست “ميني” متحف بكل ما في الكلمة من معنى، لا بل أصبحت تلك العيادة الصغيرة المتواضعة قبلة الزوّار والرحلات العلمية والتربوية للمدارس والمعاهد اللبنانية.
لم يقتصر حلم يونس على الخيال، فصممّ الشاب اللبناني المتوّقد ذكاءً وعزماً منذ نعومة أظفاره على تحقيق حلمه بتأسيس متحف مميز في منطقة جعيتا…
عمل سنوات وسنوات، جال العالم، تعرّف إلى متاحف عالمية، مخر عباب البحار والمحيطات، قصد أعماقها وأماط اللثام عن كل ما هو نادر وجميل، ضمّ إلى مقتنياته مجموعات جديدة من الحيوانات البحرية وحتى البرية النادرة….
الحلم يمسي حقيقة…
وابتدأ المشوار المضني، شراء الأرض كلّف كثيراً، حفر انفاق ومغاور تحت الأرض بعمق 14 متراً جعل المهمة أصعب، ولكن لاضير المهم أن لا يبدو مشهد المتحف العتيد كلاسيكاً، بل عبارة عن مغاور تحت الأرض يمكن أن ترشح منها المياه، تصميم رائع بأنامل يونس حيث المتدليات من صواعد ونوازل على تهايا مغارة جعيتا المجاورة، وأنفاق ترابية مهيبة على شاكلة معلم “مليتا” في منطقة اقليم التفاح (قضاء النبطية) في الجنوب اللبناني…!
على زهاء 4500 متراً تحت الأرض انتشرت الحيوانات لترقد بسلام… في مشهدية بديعة لا ينساها الزائر للمتحف، فالمكان بحد ذاته “تحفة” فنية قبل ان نتعرف على محتوياته…. وقبل كلّ ذلك لا بد من الإشارة إلى عنصر هام أفضى إلى نجاح المتحف في فترة زمنية قياسية (افتتح للزوار في شهر نيسان 2015)، وهو يكمن في التضافر العائلي لانجازه، فالدكتور يونس وعقيلته النشيطة جداً ليندا والتي تشكّل نموذجاً للمرأة العاملة الماجدة يشرفان على أدق تفاصيل، ويعملان على تطوير المتحف بأفكارهما، وحتى سواعدهما… وهما يستقبلان الزوار بكل ترحاب وبشاشة لا بل يتقبلان النصائح نحو الأفضل… مع أشبالها الأطباء المميزين في طب الأسنان وتقنياته الحديثة علي وحسنين، ولن ننسى صغيرتهم الواعدة الحلوة نور.
حيوانات وأسماك نادرة
يضم المتحف عدداً كبيراً من الحيوانات التي باتت شبه منقرضة كفقمة الراهب التي جرى ضمّها في الآونة الأخيرة إلى المتحف عقب تحنيطها بعدما عثر عليها نافقة في منطقة الروشة في بيروت، علاوة على الإسفنج وقنفذ البحر بنوعيه الأسود والملون والذئاب وصولاً إلى الحيوانات البحرية التي تشكل سبعين بالمئة من المتحف وهنا يقول يونس “أهم المجموعات البحرية التي حازت شهادات من أكبر المنظمات البيئية العالمية كـ “منظمة المحافظة على أسماك القرش في العالم”، و”منظمة المحافظة على البحر الأبيض المتوسط”، هي حوالي 40 نوعا من أسماك القرش و30 نوعا من النجوم و400 نوع من أصداف البحر الأبيض المتوسط وهي مجموعة فريدة لا توجد إلا في هذا المتحف من بين جميع دول البحر الأبيض المتوسط.
ويضيف “كذلك يوجد عشرات الأنواع النادرة والفريدة التي لا توجد في أي متحف آخر ومنها نموذجان من سمكتي السيف شفافة اللون بطول 120 سنتيمترا.”
كما يقع الزائر على مشاهد ملونة لمرجان بحريّ يسحر العيون، ويعتز يونس أيضاً بالمجموعات الصدفية التي جمعها ومنها الصدف اللولبي الضخم والمنقّش النادر عالمياً.
ويحوي المتحف أيضاً مجموعات من الطيور الكاسرة والزواحف والفراشات والغزلان، ويتميز بوجود الجراد العملاق (18 سنتيمترا) النادر ودجاجة ذات أربعة أرجل وذيلين وأيضاً، البومة العملاقة والسلحفاة الأفريقية (تراينوكس) وهي بحرية-برية-نهرية لها رقبة الأفعى وأنف الخنزير ومخالب النمر وصدفة الظهر.
مشروع سياحي متكامل
ويدخل الزوار إلى المتحف من فم القرش العملاق الذي يجثم على سطح مبنى المتحف الذي هو عبارة عن مغارة اصطناعية على عمق 14 مترا داخل الجبل وبمساحة إجمالية تبلغ حوالي 4500 متر مربع، ويضم المتحف مغارات اصطناعية للحيوانات البرية التي تعيش في لبنان مثل الضبع والثعلب والذئب والنيص وأبو غرير والقنفذ وغيره بالإضافة إلى غابات تضم مجسمات لأشجار عملاقة وتحتوي على جميع الطيور البرية والبحرية العابرة والمستوطنة، ويتألف القسم البحري من المتحف من مغارة الحورية وتضم مجسما لها بالحجم الطبيعي إلى جانب 250 نوعا من الأحجار الثمينة والشبه ثمينة من أنحاء العالم ومغارة النجوم والمرجانيات والاسفنجيات، ومغارة البحرية التي تحتوي على أسماك القرش وأسماك الأعماق وعلى القشريات ومنها أكبر قرش (قرش الشماس) ويبلغ طوله تسعة أمتار.
طموح لا يقف عند حدود لدى د.يونس وهو يتطلع إلى جعل مشروعه السياحي- العلمي متكاملاً، خاصة وأن الـ 7000 متراً التي تحيط بالمتحف تقع في أجمل بقعة خضراء وسط غابة تطل على تلال ووديان رائعة الجمال على تخوم مغارة جعيتا كما أسلفنا، فبالإضافة إلى طلة المتحف التي يحلو فيها تناول الطعام والنرجيلة ، حيث اقام يونس مطعما وموتيلا ، ويحلو الجلوس في التراس الصيفي في الهواء الطلق وسط غابة الصنوبر وإلى جانب نبع ماء مترقرق للمناسبات، و يتطلع إلى جعل الغابة مكاناً لممارسة رياضة المشي في الطبيعة، لذا يعمل مع السيدة ليندا على زراعة الأرض بالنباتات والأزهار والأشجار النادرة.
يبقى القول أن للمتحف ثلاثة أرقام قياسية عالمية وهي لأكبر مجسم لسفينة فينيقية حربية بطول 40 مترا وارتفاع سبعة أمتار، وأكبر مجسم للقرش الأبيض بطول 35 مترا وارتفاع خمسة أمتار، وأكبر مغارة صناعية تحتوي على كل موجودات المتحف بمساحة تفوق 4500 متر مربع محفورة داخل الجبل.
رابط مختصر.. https://arabsaustralia.com/?p=23869