مجلة عرب أستراليا سيدني- روسيا تستنجد بالسعوديّة لتعويم النظام السوري بقلم د. خالد ممدوح العزي
لم تكن زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتييف في 20 الحالي إلى الرياض بالأمر العادي في ظل تواجد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في موسكو. لم ينشر الإعلام الروسي والسعودي سوى خبر صغير عن الزيارة والإستقبال، من دون الدخول في التفاصيل المهمة للزيارة التي بقيت قيد الكتمان نتيجة طبيعة المهمة التي يقوم بها الممثل الرسمي الروسي في المملكة العربية السعودية.
لافرينتييف هو جنرال عسكري يقوم بإدارة الملف الروسي من قبل وزارة الدفاع بمتابعة من الرئيس فلاديمير بوتين شخصيّاً، وهو من قاد جولات أستانا ككبير المفاوضين الروس. وبالتالي المعلومات في شأن التفاوض لا تُنشر على الوسائل الإعلامية. رسمت روسيا توجهاتها الأحادية في سوريا آملة بمساعدة الخليج العربي ومستغلة الحوار الخليجي – الإيراني المفتوح، لتفتح نافذة من أجل إعادة العلاقات العربية مع سوريا واستعادة الأخيرة مقعدها في الجامعة العربية، من دون التحدّث عن مصير وجود إيران والحشود الولائية في دمشق.
من هنا تُحاول موسكو التوافق مع الخليج على دعم مبادرتها بفتح باب العودة للاجئين السوريين في الدول العربية، وتحديداً في لبنان، لتخفيف العبء الاقتصادي، ضمن توافق عام على دعم عودة اللاجئين وتأمين البنى التحتية لهم في مناطقهم المتضرّرة، من خلال دعم مالي خليجي لتسويق الفكرة مع النظام السوري عبر تأمين الضمانات منه وعدم السماح باعتقالهم. كما تُقدّم نفسها كونها الضامن لتمرير خط الغاز والكهرباء إلى لبنان، المهتمة به دول الخليج، من الأردن ومصر عن طريق النظام السوري، لكونها الأقدر والأجدر في الحماية بعد أن تم التوافق على إخراج هذا الموضوع من عقوبات قانون قيصر.
في ظل أجواء التهدئة السعودية ودول الخليج لاستكمال الحوار مع إيران وإجراء مباحثات أو مفاوضات معها من منظور الأمن الجماعي لدول الخليج العربي، تسوّق روسيا للعب عاصمتها دور الراعي لهذه المفاوضات. الكرملين يُشدد على العلاقات الثنائية مع السعودية ودول الخليج العربي، وإرسال المبعوث الروسي إلى سوريا للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، لطرح ما تم التوصل إليه، والدور الايجابي الذي تثمّنه روسيا حول موقف المملكة من تخفيض إنتاج النفط.
إذاً، السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما هي الشروط التي طرحتها المملكة على المبعوث الروسي لايصالها للأسد لكي يقوم بتنفيذها لاعادة عضويته إلى الجامعة العربية؟ هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، علينا الانتباه إلى السجال الذي دار في أروقة الأمم المتحدة بين السفير السعودي والسفير السوري منذ شهرَيْن، ما يؤكد أن الأسد لم ينفصل عن إيران ولا يزال يُمارس التبعية للنظام الإيراني.
بالمناسبة، حاول لافرينتييف في نيسان من العام الماضي تعبيد الطريق بين الرياض ودول الخليج مع نظام الأسد من خلال إعادة فتح السفارات في دمشق، فكان الردّ العربي بأن الدول الخليجية جاهزة لتعبيد هذا الطريق إذا سار الأسد بتسريع اللجنة الدستورية وفتح الحوار مع المعارضة السورية، فهذا سيحلّ الأزمة المبدئية، لكن النظام لم يسِر بذلك الطريق وتهرّب من الشروط.
لقد أسرع بوتين بإرسال مندوبه إلى الرياض ومنها إلى سوريا، في ظلّ جود رئيسي في موسكو. وأبلغ بوتين ولي العهد السعودي تحياته الحارة عن طريق مبعوثه بهذه الزيارة السريعة. إذاً ما هي الرسالة التي أخبرها الموفد لولي العهد السعودي في خضمّ الأزمة التي تشتعل في اليمن وتعرّض أبو ظبي لصواريخ الحوثي؟ أدرك بوتين متأخراً بأنه يجب التفاهم مع الجانب الإماراتي والسعودي لإجراء نوع من الضغط على إيران لإيقاف الحرب في اليمن بوساطة روسية، بعد تغيير المشهد العسكري في الجبهات لصالح التحالف العربي والبدء بحوار سياسي، مستغلاً الحوارات الخليجية، السعودية والإماراتية، مع طهران.
وفتح بوتين عاصمته للتفاوض بين الخليجيين، التي تربطه بهم علاقة وطيدة واحترام، وبين حلفائه مقاتلي «الشيطان الأكبر»، خصوصاً بعد سلسلة الهزائم التي تكبّدوها أخيراً من قبل «ألوية العمالقة» المدعومة من الإمارات والتحالف العربي. يريد بوتين المساعدة السعودية لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية. وروسيا تأمل بدعم عربي وخليجي لإعادة الإعمار، بالإضافة إلى أن روسيا لا تُريد هيكلة المعارضة السورية التي ترى فيها عائقاً يُزعزع كيان حليفها.
الجدير بالذكر أن روسيا تُحاول تعطيل إعادة هيكلة المعارضة السورية في اللقاء المزمع عقده في قطر بالتوافق بين الدوحة وأنقرة. وبالتالي تُحاول فرض فيتو على أسماء متّهمةً إياها بالتطرّف، كما حصل سابقاً مع توحيد منصات التفاوض في الرياض، عندما فرض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منصّة القاهرة وموسكو، حيث تم استبعاد أسماء معارضة بحجة التطرّف.
مجدّداً، تُحاول روسيا اللعب على الأسماء بعد أن باتت الكفة الراجحة تميل نحو رئيس الوزراء الأسبق رياض حجاب بلعب دور مميّز على إبراز الصوت المعارض المعتدل الذي لا يُناسب روسيا، ما يجعلها تلعب لعبة التعطيل وخلط الأوراق، لأن توحيد المعارضة في هذا الوقت سيكون له ارتدادات كبيرة على الداخل السوري وانعكاسات على الخارج الذي تتخوّف منه روسيا.
لذلك، فإنّ مهمة روسيا هي تأمين أموال سريعة لتمكين شركاتها من العمل في سوريا والاستفادة، كي توظّف الإنتصار العسكري سياسيّاً من خلال الإعمار على حساب الخليج. لكن معالجات روسيا للأزمة السورية، آنية – سريعة وليست جذرية، وذلك لتجسيد دورها البعيد عن الأمم المتحدة وإبقاء الحال كما هي عليه للتفرّغ للأزمة في أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا. إن رمي روسيا أزمتها على الخليج لتأمين أموال للنظام لاستمرارية بقائه من دون أي حوافز للخليج العربي مثل إخراج إيران و»الحرس الثوري» و»حزب الله»، وفتح الحوار مع المعارضة المعتدلة أو الإقدام على إصلاحات سريعة، لن تُعجب الخليجيين.
لعودة سوريا إلى الأحضان العربية من خلال استعادة مقعدها في الجامعة العربية، يجب على روسيا تأمين حوافز وإعطاء دور للخليج وليس الإبقاء على التخريب الإيراني، لأن الخليج فتح باب الحوار مع إيران وفقاً لمصالح الدول العربية ولمنع التخريب. فهل يلتزم النظام السوري بتلبية مطالب السعودية من خلال الرسالة التي سلّمها المبعوث الروسي لدمشق، والقائمة على تغيير سلوك ونهج الأسد؟ الأمر مستبعد جدّاً، حتّى لو حصلت الاستجابة بضغط روسي، إذ إن المشكلة تكمن في أن إيران من يمسك بالقرار السوري وتُدير أدوات التنفيذ فيه، وهذه أزمة تطرح على علاقة روسيا مع الآخرين. لمَن يعود القرار في سوريا لها أو لإيران؟ فالمشكلة لدى روسيا أن ما تُريده الكثير، ولا تستطيع أن تُقدّم أي شيء، وهذا ليس في سوريا فقط، وإنّما في أوكرانيا، نتيجة التوحش الروسي في إتباع المدرسة الليبرالية المتوحشة مع الآخرين.
رابط مختصر…https://arabsaustralia.com/?p=21784