مجلة عرب أستراليا سيدني- “كما تعلَم نلعبُ الشطرنج أيضاً”… داليب سينغ يعبَث بقلعة بوتين؟!
بقلم الكاتب خلدون زين الدين- النهار العربي
كما في الميدان كذا في الاقتصاد… الحرب قاسية طاحنة. الغرب وموسكو. أطفال، نساء، رجال… وأسرى. يحدث أن تؤسر الأموال، الأصول والاحتياطات أيضاً، وتأتي النتائج قاتلة.
داليب سينغ، في الصورة، يعبث بالأرقام والخطط، العين الروسية ترصده، وهو المعني مباشرة والغارق حتى آخر عقوبة في سلة العقوبات الغربية. يُحكى أنه مهندسها، وله فيها مراس طويل.
الرجل، هو نائب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض لشؤون الاقتصاد الدولي. في الفترة السابقة الغزوَ الروسيّ لأوكرانيا، بحث عميقاً في نقاط القوة الغربية وتقاطعاتها، وصبّ اهتمامه على نقاط الضعف الروسية.
ليست سراً الريادةُ المصرفية الروسية. بخلاف ضبابية التحليلات ذات الصلة بدوافع الرئيس الروسي للقيام بعملية عسكرية في أوكرانيا، فإن مكانة الاقتصاد الروسي واضحة كالمرآة، كما تكتب “نيويوركر”. الصحيفة، تنقل عن أحد كبار مسؤولي إدارة جو بايدن القول إن الاقتصاديين الروس، مجموعة قوية وموهوبة من التكنوقراط، “مع أي أزمة اقتصادية توقعنا أن يستجيبوا بذكاء”. “نيويوركر” تحدثت عن إلفيرا نابيولينا، رئيسة البنك المركزي الروسي منذ فترة طويلة، كـ”أفضل مصرفي مركزي في أوروبا لعام 2017″.
تسترد الخزانة الروسية نحو عشرين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الخاص بها كإيرادات ضريبية. “هو رقم يتجاوز بكثير معظم الدول النفطية الأخرى، وعلى قدم المساواة مع الولايات المتحدة”، كما تقول “نيويوركر”، لتضيف كاتبة أن موسكو تتمتع بفوائض مالية وتجارية، وعبء ديونها منخفض.
قلعة محصّنة
جمع الاقتصاديون الروس مخزوناً هائلاً من العملات الأجنبية والذهب: 630 مليار دولار، ثلاثة عشر في المئة منها بالرنمينبي، و22 في المئة بالذهب. جزء كبير من الرصيد الرئيسي هو من عملات الغرب الاقتصادية. هذا المخزون الروسي وُصف بأنه “حصن روسيا”. بدا أن الاحتياطيات هذه توفر حاجزاً اقتصادياً لبوتين، حتى أن أحد المحللين في صحيفة The Times، قال واثقاً إنه “حتى لو قطعت أوروبا جميع وارداتها من الطاقة الروسية، وحُرمت موسكو من مصدر دخلها الرئيس، فإن الاحتياطيات ستسمح لموسكو بملء الفجوة لسنوات عدة”.
ترصده العين الروسيّة
في محاولة تسطير العقوبات الغربية لضرب الاقتصاد الروسي، يبرز داليب سينغ في صفوف الاقتصاديين الأميركيين في مراكز القرار. يبلغ من العمر ستة وأربعين عاماً، عُيّن أخيراً نائباً لمستشار بايدن للأمن القومي للاقتصاد الدولي. عَبَرَ سينغ محطات مهنية هامة، وتولى مناصب اقتصادية “وازنة”، كانت محط متابعة، ولم تغب بالتأكيد عن العيون الاستخبارية الروسية، كما كتبت “نيويوركر”.
راقب سينغ، ببعض الشك، التقدير المتزايد لروسيا في وول ستريت. يقول الرجل لـ”نيويوركر” إن “الحكومة الروسية أقامت قلعة اقتصادية حول اقتصادها، والسبب المباشر في ذلك، سنوات وسنوات من التخطيط العبقري من بوتين نفسه”.
احتياطات أسيرة
بين المفاجآت الكبرى للشهر الأول من الحرب الروسية في أوكرانيا، كانت قوة المقاومة الأوكرانية وشدة العقوبات الغربية. عقوبات بدت أنها تمنع روسيا من الوصول إلى احتياطياتها من العملات. بدأت آثار العقوبات الاقتصادية الظهور الآن.
سيرغي غورييف، أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات السياسية في باريس Paris Po توقّع في حديث مع “نيويوركر” ركوداً روسياً شبيهاً بالركود السوفياتي ثم الانحدار. خلف كل ذلك “مهندس عقوبات معماري، هو دوليب سينغ”، بحسب وصف مسؤول سابق في إدارة باراك أوباما.
سُجل سينغ سابقة بفاعلية مخططاته العقابية ضد روسيا. كان ذلك عام 2014، مع ضم بوتين شبه جزيرة القرم، وحينما صمم العقوبات مستهدفاً مقربين جداً من بوتين، وشركات روسية كبرى وذات نفوذ. انكمش الاقتصاد الروسي، النامي لسنوات سابقة، انهار الروبل، وتجاوز التضخم 12 في المئة في العام الذي أعقب الغزو. “لقد رأينا روسيا في حالة ضعف اقتصادي ومالي”، قال مسؤول كبير في إدارة بايدن.
الحرب الأوكرانيّة
بدأ سينغ التفكير بجدية في العقوبات المحتملة على روسيا في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما بدأت تقييمات المخابرات الأميركية في التحذير من غزو محتمل لأوكرانيا. قال سينغ لنيويوركر: “فكّرنا معاً، وحددنا نقاط قوتنا وأماكن تقاطعها مع الضعف الروسي”.
في غضون ذلك، بدأ التعاون مع الحلفاء في الخارج. تحدث سينغ كل أسبوع مع نظرائه في مجموعة السبع، وزادت محادثاته مع بيورن سيبرت، مسؤول مكتب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إلى مرات عدة كل يوم. المخابرات الأميركية توازياً اتخذت قراراً استراتيجياً بتشارك المعلومات الاستخبارية مع الناتو لتشكيل قاعدة بيانات مشتركة.
وبينما بدت المخابرات الأميركية أكيدة خاصة من أن روسيا ستغزو أوكرانيا، ظهر رجال الأعمال الروس أقل اقتناعاً بذلك. الدليل إلى ذلك، أنه في الأزمات السابقة، سحب الأفراد والشركات الروس أصولهم، واستثمروا في الذهب أو العملات الأجنبية، وهذا ما لم يحدث في الفترة السابقة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
في 24 شباط (فبراير)، وبعد بدء الغزو بساعات قليلة، أعلنت واشنطن وحلفاؤها حزمة العقوبات المُعدّة مسبقاً. تم إخضاع أربعة بنوك روسية كبيرة لـ”عقوبات الحظر”، وجمدت أصولها، وخضع العديد من البنوك الأخرى لمجموعة من العقوبات أقل صرامة إلى حد ما. فرضت الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية توازياً ضوابط على التصدير لحرمان الاقتصاد الروسي من الاستحصال على التكنولوجيا الفائقة. بعدها بيوم، أتت حزمة جديدة من العقوبات الشخصية مستهدفة بوتين والعديد من كبار مساعديه، لكن قطاع النفط والغاز، الذي يوفر 40 في المئة من الموازنة الروسية، لم يمس إلى حد كبير، ولم يكن هناك أي جهد للتحرك ضد البنك المركزي الروسي.
تدرجت العقوبات وصولاً إلى حد تقييد المصرف المركز الروسي، والوقوف بشدة ووحدة في وجه كل متعامل معه. التسطير السريع للعقوبات حمل تلميحاً إلى مدى سرعة تنظيم الجهود. حتى اليابان، التي لم تكن من بين الموقعين الأوائل، انضمت إلى حزمة العقوبات.
خارج التّوقعات
لم تتوقع موسكو وصول العقوبات الغربية الى هذا الحد. سيرغي غورييف، الخبير الاقتصادي الروسي الذي فرّ إلى الغرب في عام 2013، يقول لـ”نيويوركر” إن “التسريبات من موسكو تشير إلى أن العقوبات الفعلية ذهبت أبعد مما توقع الروس في أسوأ السيناريوات”.
في المقابل، تقييم الإدارة الأميركية للعقوبات هو أنها ستغرق روسيا في حالة من الركود والكساد العميق. “إنه أمر واقعي ومأسوي”، يقول سينغ. العقوبات ستغير حسابات بوتين. بالطبع، لا تأكيدات لما إذا كان ذلك سينجح حقاً، ففي إيران، على سبيل المثال، دمرت العقوبات سبل عيش الكثير من الإيرانيين لكنها لم تهز النظام، ولكن، يتابع سينغ متوجهاً إلى صحافي “نيويوركر”: “كما تعلم، يمكننا لعب الشطرنج أيضاً. كان من المهم بالنسبة إلينا أن نظهر أن القلعة يمكن أن تنهار”.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=22717