مجلة عرب أستراليا – سيدني
بقلم خلدون زين الدين- النهار العربي
ليس سهلاً مرورُ تعيين رجلٍ متّهم بـ”سرقة أدبية” رئيساً لجامعة بوغازيتشي Boğaziçi üniversitesi العريقة في إسطنبول. قرار كهذا لا تنطبق عليه الـ”دعه يعمل دعه يمر”، ولو كان خلف تعيينه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه.
طلاب الجامعة وأساتذتها رفعوا الصوت عالياً. اعترضوا. رفعوا اللافتات منذ بداية العام وليومه هذا. الرئيس التركي اتهم أستاذة الاقتصاد السياسي في الجامعة عائشة بوغرا بإثارة الاضطرابات. “السلطان” لم يذكر السيدة بالاسم، بل قال ما حرفيته: “زوجة عثمان كفالا هي من بين مثيري الاضطرابات في جامعة بوغازيجي”… فمن هو عثمان كفالا؟
تشابه تسميات
عثمان كفالا معتقل منذ عام 2017. يُعدّ أحد أبرز السجناء السياسيين. تُهمته: محاولة إطاحة الحكومة التركية عام 2013 ودعم محاولة الانقلاب عام 2016. الرجل ابن مدينة كفالا اليونانية. اسم المدينة الخاضعة سابقاً ولقرون للإمبراطورية العثمانية، يتشابه واسم أسرة عثمان. المدينة ـ في المناسبة ـ أبصر فيها النور حاكم مصر في القرن التاسع عشر محمد علي باشا.
عملت أسرة عثمان كفالا بتجارة التبغ. هاجرت إلى تركيا في عشرينات القرن الماضي ضمن ما عُرف بالتبادل السكاني بين المواطنين اليونانيين غرب تركيا، والمسلمين في اليونان في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية.
بَيضُ السلاحف
تنقّل عثمان كفالا، البالغ من العمر 63 عاماً، بين جامعة “الشرق الأوسط التقنية” في أنقرة، وجامعة مانشستر البريطانية. اختصاصه الاقتصاد، وهدفه الدكتوراه، سعى الى تحقيقه في إحدى الجامعات الأميركية. توفي والده، توقفت دراسة الشاب قسراً، وعاد 1982 إلى اسطنبول ليتولى إدارة أعمال الأسرة.
سريعاً انخرط كفالا في العمل الخيري. نَشَطَ في فلك المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وأسس داراً للنشر تحوّلت مصدراً لنشر الأفكار الديموقراطية زمنَ الانقلاب العسكري عام 1980.
عُرف عنه، تخليه عن مشروع لإقامة فندق على شاطئ البحر المتوسط بعدما تبين أن الشاطئ المذكور مكان تضع فيه السلاحف بيوضها.
في ثمانينات القرن الماضي، وبعد سنوات عشر دامية من المواجهات العسكرية بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني جنوب شرقي البلاد، أطلق عثمان كفالا مؤسسة “ثقافة الأناضول”، فدعمت الفنّ والتبادل الثقافي ونظّمت المعارضَ والعروضَ الفنية. احتفت المؤسسة بتراث الأرمن، الأيزيديين، الأكراد وغيرهم من القوميات في تركيا، ورعت أنشطة تُعزّز الحوار بين الأرمن والأتراك، مُبرزةً بذلك التعددية القومية والثقافية للبلاد.
مرحلة ذهبية
يشهد القاصي والداني للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه في العقد الأول من حكمه بدايةً من عام 2002، عاشت مؤسسات المجتمع المدني مرحلتها الذهبية، وشهدت انفتاحاً على القضية الكردية. العديد من الإصلاحات السياسية والقانونية أُدخلت في إطار الاستعداد لدخول الاتحاد الأوروبي، وتحققت ظروف مواتية لازدهار مؤسسات المجتمع المدني والحراك السياسي والثقافي. وقتذاك كان كفالا أحد أبرز وجوه تلك المرحلة، فاكتسب احتراماً وتقديراً تخطّيا حدود تركيا.
قصة الاعتقال
ليس غريباً على كفالا اهتمامُه بقضية اللاجئين السوريين ضحايا الصراع في سوريا، جارة الجغرافيا. الرجل رعى العديد من المبادرات والجهود للحد من معاناة هؤلاء.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، سعى الى التوجه نحو مدينة غازي عنتاب لتدشن مشروع داعم للاجئين السوريين، فاعتقله رجال الأمن داخل طائرة كانت تقله إلى هناك. 16 شهراً أمضاها كفالا في سجن سيلفري الشديد الحراسة، قبل أن يعرف التهم الموجهة إليه، في وقت ضجّت وسائل الإعلام الحكومية وأردوغان باتهامات له، على أنه جزء من “مؤامرة يهودية” ضد تركيا.
وجهت الحكومة التركية لعثمان كفالا تهمة محاولة إطاحة النظام عبر تمويل احتجاجات عاشتها تركيا عام 2013 ضد إزالة حديقة “غيزي بارك” في قلب اسطنبول. اتسعت الاحتجاجات يومها، وتحولت تظاهرات عارمة ضد حكم أردوغان الذي سارع مكرراً التهم الى أيدٍ خفية خلفها.
الحكومة التركية، في آخر جلسة للمحكمة للنظر في الدعاوى المرفوعة على كفالا، دمجت دعوى دعم متظاهري غيزي بارك بدعوى المشاركة في المحاولة الانقلابية عام 2016 لتصبحا دعوى واحدة. في هذا إشارة واضحة إلى انحسار فرص كفالا بالخروج من السجن، برغم دعوة محكمة حقوق الإنسان الأوروبية الى إطلاق سراحه وتأكيدها عدمَ شرعية سجنه، بما يتلاقى ودعوات مماثلة أطلقتها منظمات حقوق الإنسان الدولية والبرلمان الأوروبي.
كفالا المُتزوج من الأكاديمية عائشة بوغرا منذ عام 1988، يُرجح أن يبقى سجيناً. يصعب الاعتقاد بإطلاق سراحه برغم كثير المناشدات والدعوات الدولية.
رابط مختصر..https://arabsaustralia.com/?p=14273