مجلة عرب أستراليا سيدني – ديبي مهندس الأمن والسّلام التّشادي
بقلم خلدون زين الدين- (النهار العربي)
ست ولايات أحدثها بدأت قبل أيام. 30 عاماً من القبضة الحديدية… فنهاية مأسوية على جبهات القتال. حُكم الرئيس التشادي إدريس ديبي انتهى… فمن هو الرجل؟
عبر التلفزيون الرسمي أعلن جيش تشاد نبأ مقتل الرئيس (68 عاماً) “متأثراً بإصابته في جبهات القتال”. مجلس عسكري تشكل سريعاً لتولي السلطة في البلاد بقيادة ابن ديبي، قائد الحرس الرئاسي. قاد الرجل بنفسه القتال ضد الحركات المسلحة، فلفظ أنفاسه الأخيرة “مدافعاً عن وحدة الأراضي وسلامتها (…)”، بحسب بيان الجيش.
أيام قليلة بعيد انتخابه رئيساً للبلاد لولاية سادسة في اقتراع رئاسي جرى في 11 نيسان (أبريل) 2021 قضى الرئيس، وانتهى حكمه. 79.32% من الأصوات، ونسبة مشاركة فاقت الـ64%، أرقام لم تكن مستغربة لمتابعي الملف التشادي. ديبي كان واثقاً مسبقاً بالفوز وبنسبة عالية، وكان أول من أدلى بصوته في مركز للاقتراع في العاصمة نجامينا.
ركّز الماريشال ديبي حملته الانتخابية على “السلام والأمن”، ولطالما أكد أنه مهندسهما في بلده، وفي منطقة مضطربة. في البال، أن تشاد لا تملك أي منفذ على البحر، محاطة بليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها، وهي مساهم رئيس في مكافحة الجهاديين في منطقة الساحل، عبر نشر قوات مدربة في مالي وأحياناً في نيجيريا.
أطول الولايات وأقصرها
حكم الرجل بلاده بقبضة حديدية لثلاثين عاماً. عدّ ثاني أطول الزعماء حكماً في أفريقيا، منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960، بما فيها فترة السنوات الثماني لسلفه حسين حبري الذي انقلب عليه ديبي. بالمناسبة، أطول فترة رئاسية سابقة في تشاد كانت من نصيب فرانسوا تومبالباي أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال، وهو من اتسمت فترة حكمه في الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي بالاضطرابات السياسية. بعد اغتيال تومبالباي سنة 1975 دخلت تشاد حرباً أهلية. أما صاحب أقصر فترة رئاسية فكان نويل ميلاريو أودينغار، وهو أحد أعضاء مجموعة التسعة العسكرية التي حكمت البلاد من عام 1975 إلى عام 1978.
ديبي يأتي ثانياً في قائمة أطول الرؤساء حكماً في أفريقيا، بعد رئيس غينيا الاستوائية تيودور أوبيانغ نغيما مباسوغو. الأخير يشغل منصبه منذ أربعة عقود. بين الرئيسين الأفريقيين أوجه شبه عديدة، أبرزها علاقاتهما الحميمية بإسرائيل، فديبي هو أول رئيس تشادي يزور القدس المحتلة قبل عامين، ويجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هناك، ونغوما هو أول رئيس أفريقي يقرر نقل سفارة بلاده لدى إسرائيل من هرتسيليا قرب تل أبيب إلى القدس.
مسيرة حافلة
إدريس ديبي ضابط عسكري التحق شاباً بأكاديمية الضباط في العاصمة نجامينا. تدرّب في فرنسا طياراً قبل أن يعود إلى بلاده عام 1979، يومَ كانت تشاد في قبضة أمراء الحرب المتناحرين.
عام 1989 اختلف ديبي مع حسين حبري، رئيسه “المصاب بجنون العظمة بشكل متزايد”، بعدما اتهمه الأول بالتخطيط لانقلاب، ففر ديبي إلى السودان، حيث قام بتجميع جماعة متمردة مسلحة هي “حركة الإنقاذ الوطني”، متلقياً دعماً من ليبيا والسودان، لتنفيذ هجوم ضد حبري، انتهى بدخول قوات إدريس نجامينا من دون معارضة في كانون الأول (ديسمبر) عام 1990.
ترحيب
كان لتسلم ديبي الحكم بانقلاب عسكري أثر إيجابي لدى التشاديين. أعاد الرجل التعددية السياسية إلى بلاده. الفصائل المسلحة تصالحت في ما بينها، وكان دستور جديد حظي بموافقة المواطنين في استفتاء عام 1990. وفي أول تصويت متعدد الأحزاب في تشاد انتخب ديبي رئيساً للدولة عام 1996. أعيد انتخابه عام 2001، واكتسح الانتخابات الرئاسية في أعوام 2006 و2011 و2016.
عام 2018، عدلت تشاد دستورها ووسعت سلطات الرئيس وزادت فترة الولاية الرئاسية من 5 إلى 6 سنوات، كان يُفترض أن تُبقي ديبي في السلطة حتى عام 2033…
حلفاء
ديبي حليف للقوى الغربية في القتال ضد المتشددين الإسلاميين في غرب القارة ووسطها، حظي بدعم قوي من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة. باريس سبق أن استخدمت القوة العسكرية عامي 2008 و2019 لمساعدة حليفها التشادي في هزيمة متمردين حاولوا إطاحته. وتأكيداً لما سبق، قالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي أمام البرلمان في عام 2019: “لقد قمنا بحماية حليف رئيسي تماماً في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل”.
ومعارضون
يرى معارضو الرئيس ديبي ومنتقدوه أن نهجه “الماكر والقاسي ساعده في أن يصبح أحد أقدم القادة في العالم”. برأيهم، هو حاول إقامة “ملكية” في بلد يُعد مُنتجاً رئيساً للنفط (تنتج الدولة 1.5 مليار برميل من النفط سنوياً)، وفيها أكبر احتياطيات النفط في أفريقيا.
يُعتبر سكان تشاد البالغ عددهم 17 مليون نسمة من أفقر سكان العالم “ومستويات الجوع فيها هي الأعلى عالمياً، حيث يعاني 14% منهم سوء التغذية، بينما يعاني 24% انعدام الأمن الغذائي”، وفقاً لبيانات البنك الدولي، كما أن نحو 40% من أطفال تشاد ممن تقل أعمارهم عن 5 سنوات معرضون لخطر توقف النمو”. أمام الواقع هذا، تبدو الأرقام تلك صادمة. أرقام تستند إليها المعارضة لاتهام ديبي باستخدام عائدات النفط لبناء شبكات المحسوبية وقمع معارضيه.
سقط الرئيس التشادي على أرض المعركة. سقط بنيران الجماعات المسلحة، بينما في الداخل ثمة مؤيدون كثر له، ومعارضون نظموا قبل مقتله بأيام احتجاجات في مدن عدّة طالبته بالرحيل ومغادرة السلطة، ووضع حد للظلم الاجتماعي والاقتصادي الحاصل.
رابط مختصر…https://arabsaustralia.com/?p=15926